السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

1 سبتمبر 2010

دروس قرآنية بعنوان: ‏(عقوبة الزنا)‏ من سلسلة دروس: سورة النور.. بصائر وأحكام -2_للعلامة الشيخ محمد حسن الحبيب_ساهموا بنشرها معكم


سورة النور.. بصائر وأحكام -2


عقوبة الزنا

﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) . سورة النور

· معاني الكلمات
سُورَةٌ: طائفة من الكلام يجمعها غرض واحد سيقت لأجله.

فَرَضْنَاهَا: القطع بوجوب العمل بها.

بَيِّنَاتٍ: جمع بينة؛ وهي الدلالة الواضحة.

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي: الزنا المواقعة من غير عقد، أو شبهة عقد، أو ملك يمين.

وَلْيَشْهَدْ: وليحضر للمشاهدة والاتعاظ.

طَائِفَةٌ: جماعة، وقيل واحد أو أكثر منه.

· السورة
السورة مؤنث سور؛ والسور هو السياج الواقي، ولهذا سمي ما يحيط بالمدينة أو المنزل أو البستان من سياج سورا، وسورة القرآن تجمع سورا، وفي غيرها أسوار.
وسميت السورة القرآنية سورة لأنها تحتوي على طائفة من الكلام، ويجمعها غرض واحد سيقت لأجله، فهي بمثابة السياج الذي يحيط الموضوعات التي تدور فيها والرابط الذي يؤلف بين ما يدور فيها.

ويبدوا أن ابتداء هذه السورة المباركة بلفظة " سورة " خلافا لجميع السور القرآنية يوحي بضرورة دخول أولى اللبنات (الأسرة) في حصن القيم السماوية.

وهذه القيم كفيلة بوضع نظام يحمل أفراد الأسرة نحو السعادة والرقي، ويمنع عنهم كل ما يعيق ذلك أو يشوش المسير إليه.


o ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾
الإنزال والفرض إنما يكونان من العالي حقيقة إلى الداني، والحاجة والفائدة إنما تعود إلى الداني، والفرض هنا على نحو القطع بوجوب العمل بما أنزل، لذا ينبغي التمسك بما أنزله الله والعمل على تطبيقه في واقع الحياة، والابتعاد عن أوهام البشر وضلالات المفسدين.

o ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾
الآيات واحدها آية؛ وهي العلامة، وبينات واحدها بينة وهي الدلالة الواضحة، والمنزل من السماء يحوي الوضوح والقوة، فهو واضح في معانيه ودلالته وفيما يبتغيه، وهو قوي في سموه وعلوه، وفي قدرته على الأخذ بيد الإنسان نحو السعادة والكمال، وردعه من الوقوع في مهاوي الرذيلة والانحطاط.

o ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
وينسجم ما ينزل من السماء مع صفاء الفطرة فيضفي عليها قوة فوق قوة ووضوحا فوق وضوح، ولهذا جاء تعبير القرآن " تَذَكَّرُونَ " نظرا للمعرفة الفطرية وطرو حالة النسيان عليها مما استدعى ضرورة التذكير.


· حد الزنا
نصت الآية الثانية من سورة النور على أن الزاني والزانية يحدان بالحد الشرعي، والحد الشرعي هو مائة جلدة، وأوجبت أن يكون ذلك على مرأى ومسمع جمع من المؤمنين.

وقبل الدخول في معانيها ينبغي أن نتطرق إلى بعض المباحث المرتبطة بها:

أولاً: اشتهر على لسان بعض المفسرين أن هذه الآية ناسخة للآية الخامسة عشر من سورة النساء، وهي قوله تعالى:
﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾.

قال علي بن إبراهيم القمي: وهي ناسخة لقوله ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ... إلى آخر الآية ﴾ (1).

وروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي حَدِيثِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَالَ: ﴿ كَانَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي بَيْتٍ وَأُقِيمَ بِأَوَدِهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا الْمَوْتُ، وَإِذَا زَنَى الرَّجُلُ نَفَوْهُ عَنْ مَجَالِسِهِمْ وَشَتَمُوهُ وَآذَوْهُ وَعَيَّرُوهُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ غَيْرَ هَذَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً. فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَوِيَ الْإِسْلَامُ وَاسْتَوْحَشُوا أُمُورَ الْجَاهِلِيَّةِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ... الْآيَةَ فَنَسَخَتْ هَذِهِ آيَةَ الْحَبْسِ وَالْأَذَى(2).

وقال الزرقاني بعد أن ذكر أن هذه الآية ناسخة للأخرى: وذلك بالنسبة إلى البكر رجلاً كان أو امرأة، أما الثيب من الجنسين فقد نسخ الحكم الأول بالنسبة إليهما، وأبدل بالرجم الذي دلت عليه تلك الآية المنسوخة التلاوة، وهي: "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة " . وقد دلت عليه السنة أيضاً (3).

وذهب جمع إلى أن هذه الآية ليست ناسخة لغيرها، كما أن الآية المدعى وقوع النسخ عليها ليست منسوخة، واستندوا في ذلك على الأصل بعد توهين ما اعتمده القائلون بالنسخ، وقد دفعوها بأمور نقتصر على ذكر أمرين:

1. الروايات المتوفرة هنا لا يمكن النهوض بها لإثبات الناسخ والمنسوخ لأنها أخبار آحاد وهي لا تفيد علماً ولا عملاً (4).

2. ذهب القائل بالنسخ إلى أن لفظة "الفاحشة" الواردة في الآية الخامسة عشر من سورة النساء؛ تعني الزنا . بينما يذهب النافي إلى الأعم من الزنا فيشمل السحاق واللواط وغيرهما، ويستند في ذلك إلى عدم ظهورها في خصوص الزنا لا وضعاً ولا انصرافاً، وإلى ما صرح به أرباب المعاجم في معنى الفاحشة، حيث قالوا أنها ما تزايد قبحه وتفاحش.


ثانياً: الزنا هو المواقعة من غير عقد، أو شبهة عقد، أو ملك يمين. قال صاحب الجواهر في بيان ماهية الزنا: هو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة، أصالة لا لحيض ونحوه، من غير عقد ولا شبهة عقد، ولا ملك للعين أو المنفعة ولا شبهة ملك لهما (5).

 ويتحقق الإيلاج بغيبوبة الحشفة، فالملاك هو الحشفة لا الزائد عليها، وتمامها دون الناقص منها.

وفي صدق الزنا على الإيلاج دبراً قولان؛ والمشهور أنه من الزنا. قال العلامة الحلي: قال الشيخان وابن البراج؛ حكم الزنا بالمرأة في الدبر حكم الزنا في القبل، وهو المشهور أيضاً. وقال ابن حمزة: وفى الوطي في دبر المرأة قولان: أحدهما أن يكون زنا، والثاني أن يكون لواطا، والمشهور هو الأول فتعين المصير إليه (6). 


ثالثاً: الحد هو العقاب المقدر من الشارع المقدس، كقتل القاتل وقطع يد السارق وجلد ثمانين جلدة لشارب الخمر وجلد مائة جلدة للزاني.

وعقوبة الزنا لا يحكم بها على الإنسان إلا إذا كان بالغاً عاقلاً عالماً مختاراً، وثبوت الزنا عليه. وذلك:

1. علم الحاكم الشرعي؛ قال صاحب الجواهر: أن للحاكم أن يحكم بعلمه مطلقاً، لأنه أقوى من البينة، وحينئذ فيجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزنا، لأنه المطالب به والمستوفي له، وأما حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان أو تعزيراً (7).

ويرشد إليه خبر الحسين بن خالد عن الإمام الصادق (ع) قال سمعته يقول: ﴿ الْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ يَزْنِي أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ مَعَ نَظَرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ يَسْرِقُ أَنْ يَزْبُرَهُ وَيَنْهَاهُ وَيَمْضِيَ وَيَدَعَهُ، قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ لِلَّهِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إِقَامَتُهُ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّاسِ فَهُوَ لِلنَّاسِ(8).

2. الإقرار أربع مرات في أربع مجالس متفرقة، قال الشيخ في المبسوط: لا يثبت حد الزنا إلا بالإقرار أربع مرات من الزاني في أربع مجالس متفرقة، وبه قال جماعة، وقال قوم: يثبت بإقراره دفعة واحدة كسائر الإقرارات، واعتبر قوم أربع مرات سواء كان في مجلس واحد أو مجالس متفرقة (9).

ويدل عليه مارواه الصدوق بسنده المعتبر إلى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته، قال: ﴿ إِنَّ امْرَأَةً أَتَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي طَهَّرَكَ اللَّهُ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ فَقَالَ مِمَّ أُطَهِّرُكِ قَالَتْ مِنَ الزِّنَا فَقَالَ لَهَا فَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ أَمْ غَيْرُ ذَاتِ بَعْلٍ فَقَالَتْ ذَاتُ بَعْلٍ فَقَالَ لَهَا فَحَاضِراً كَانَ بَعْلُكِ أَمْ غَائِباً قَالَتْ حَاضِراً فَقَالَ انْتَظِرِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ ثُمَّ ائْتِينِي فَلَمَّا وَلَّتْ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ قَالَ اللَّهُمَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ أَتَتْهُ فَقَالَتْ إِنِّي وَضَعْتُ فَطَهِّرْنِي فَتَجَاهَلَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا أُطَهِّرُكِ يَا أَمَةَ اللَّهِ مِمَّا ذَا قَالَتْ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ وَقَدْ وَضَعْتُ فَطَهِّرْنِي قَالَ وَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ إِذْ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ أَمْ غَيْرُ ذَاتِ بَعْلٍ قَالَتْ بَلْ ذَاتُ بَعْلٍ قَالَ وَكَانَ بَعْلُكِ غَائِباً أَمْ حَاضِراً قَالَتْ بَلْ حَاضِراً قَالَ اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ فَلَمَّا وَلَّتْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا شَهَادَتَانِ فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ عَادَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي فَقَالَ لَهَا وَذَاتَ بَعْلٍ كُنْتِ إِذْ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ أَمْ غَيْرَ ذَاتِ بَعْلٍ قَالَتْ بَلْ ذَاتَ بَعْلٍ قَالَ وَكَانَ زَوْجُكِ حَاضِراً أَمْ غَائِباً قَالَتْ بَلْ حَاضِراً قَالَ اذْهَبِي فَاكْفُلِيهِ حَتَّى يَعْقِلَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَلَا يَتَرَدَّى مِنْ سَطْحٍ وَلَا يَتَهَوَّرَ فِي بِئْرٍ فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَبْكِي فَلَمَّا وَلَّتْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ قَالَ اللَّهُمَّ هَذِهِ ثَلَاثُ شَهَادَاتٍ فَاسْتَقْبَلَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ قَالَتْ أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُطَهِّرَنِي فَقَالَ لِي اكْفُلِي وَلَدَكِ حَتَّى يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَلَا يَتَرَدَّى مِنْ سَطْحٍ وَلَا يَتَهَوَّرَ فِي بِئْرٍ وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يُدْرِكَنِي الْمَوْتُ وَلَمْ يُطَهِّرْنِي فَقَالَ لَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ ارْجِعِي فَإِنِّي أَكْفُلُ وَلَدَكِ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِقَوْلِ عَمْرٍو فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِمَ يَكْفُلُ عَمْرٌو وَلَدَكِ قَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي قَالَ وَذَاتَ بَعْلٍ كُنْتِ إِذْ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ وَكَانَ بَعْلُكِ حَاضِراً أَمْ غَائِباً قَالَتْ بَلْ حَاضِراً فَرَفَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَثْبَتُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ وَإِنَّكَ قَدْ قُلْتَ لِنَبِيِّكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِيمَا أَخْبَرْتَهُ مِنْ دِينِكَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ عَطَّلَ حَدّاً مِنْ حُدُودِي فَقَدْ عَانَدَنِي وَضَادَّنِي فِي مُلْكِي اللَّهُمَّ وَإِنِّي غَيْرُ مُعَطِّلٍ حُدُودَكَ وَلَا طَالِبٍ مُضَادَّتَكَ وَلَا مُعَانِدٍ لَكَ وَلَا مُضَيِّعٍ أَحْكَامَكَ بَلْ مُطِيعٌ لَكَ مُتَّبِعٌ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَكْفُلَهُ لِأَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ تُحِبُّهُ فَأَمَّا إِذْ كَرِهْتَهُ فَلَسْتُ أَفْعَلُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بَعْدَ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ لَتَكْفُلَنَّهُ وَأَنْتَ صَاغِرٌ ثُمَّ قَامَ (ع) فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا قَنْبَرُ نَادِ فِي النَّاسِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ إِمَامَكُمْ خَارِجٌ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ إِلَى الظَّهْرِ لِيُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَزَلَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَ بِالْمَرْأَةِ وَخَرَجَ النَّاسُ مُتَنَكِّرِينَ مُتَلَثِّمِينَ بِعَمَائِمِهِمْ وَالْحِجَارَةُ فِي أَيْدِيهِمْ وَأَرْدِيَتِهِمْ وَأَكْمَامِهِمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الظَّهْرِ فَأَمَرَ فَحُفِرَ لَهَا حَفِيرَةٌ ثُمَّ دَفَنَهَا فِيهَا إِلَى حَقْوَيْهَا ثُمَّ رَكِبَ بَغْلَتَهُ وَأَثْبَتَ رِجْلَهُ فِي غَرْزِ الرِّكَابِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَهِدَ إِلَى نَبِيِّهِ (ص) عَهْداً وَعَهِدَ نَبِيُّهُ إِلَيَّ أَنْ لَا يُقِيمَ الْحَدَّ مَنْ لِلَّهِ عَلَيْهِ حَدٌّ فَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ حَدٌّ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهَا فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا فَانْصَرَفَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ كُلُّهُمْ مَا خَلَا أَمِيرَ فَأَقَامُوا عَلَيْهَاHالْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ الْحَدَّ وَمَا مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ(10).

3. شهادة أربعة عدول بواقع الجريمة، وهل الشهادة لخصوص الرجال أم لهم وللنساء أيضاً؟

فرق الفقهاء بين البينة التي تثبت الجلد والأخرى التي تثبت الرجم، فقالوا في الأولى: تثبت بالرجال وحدهم، وبالنساء وحدهن على أن يتضاعف عدد الشاهدات، وباشتراكهما على أن يتضاعف عدد الشاهدات.

وفي الثانية لا تثبت إلا بشهادة الرجال فقط.

وبغض النظر عن جنس الشاهد رجلا كان أو امرأة لا بد أن تكون شهادته عن حس ومشاهدة (11) لخصوص العملية الجنسية، فلو لم تكن كذلك عوقبوا بحد القذف، كما ينبغي التطابق في أقوال الشهود الأربعة بحيث تنبأ شهادتهم عن صدور الجريمة من المتهم في زمان ومكان متفق عليه، وإلا تعرضوا للعقاب.

ويدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن الإمام الباقر (ع) قال: ﴿ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لَا يُجْلَدُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ عَلَى الْإِيلَاجِ وَالْإِخْرَاجِ وَقَالَ لَا أَكُونُ أَوَّلَ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ أَخْشَى الرَّوْعَةَ أَنْ يَنْكُلَ بَعْضُهُمْ فَأُجْلَدَ(12).

وصحيحته الأخرى عن الإمام الباقر (ع) قال: ﴿ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لَا يُرْجَمُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ عَلَى الْإِيلَاجِ وَالْإِخْرَاجِ(13).


o ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾
ابتدأت الآية المباركة بالمرأة، وهذا الابتداء وإن كان لفظياً لا أثر له في واقع العقوبة إلا أنه يوحي بأمرين:

1. أن المرأة هي القاعدة الصلبة التي يرتكز بناء المجتمع عليها، فصدور هذا الفعل الشنيع منها يعني أن المجتمع قد أصيب في قواعده وأساساته.

2. تتقدم المرأة على الرجل بمجموعة من الصفات الخَلقية والخُلقية، كالجمال والرقة والنعومة والحنان... الخ، وهذا الصفات نعم أنعم بها الباري عليها حتى تتمكن من أداء دورها في الحياة.

وهذا العمل الشنيع يكون في الغالب نتيجة للاستخدام السيئ وغير المشروع لتلك الصفات.


o ﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾

العقوبة واحدة يتساوى فيها الرجل والمرأة وهي مائة جلدة، وقد اصطلح على هذا النوع من العقوبة بـ (حد الزنا ).

وظاهر الآية عدم التفريق بين ذي الزوج منهما وغيره، ولا بين الشاب والكهل والشيخ من الجنسين، إلا أن السنة النبوية فصلت في هذه المسألة، ونحن نقتصر على ذكر الأهم فيها:

1. اتفق الفقهاء أن الزاني والزانية إن لم يكونا محصنين حكمهما الجلد بنص القرآن، والإحصان في الرجل هو أن تكون له زوجة دائمة يتمكن من الممارسة الجنسية متى شاء وأراد. وقد جاء هذا المعنى في روايات أهل البيت (عليهم السلام).

ففي صحيحة إسماعيل بن جابر سئل الإمام الباقر (ع): ﴿ مَا الْمُحْصَنُ رَحِمَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ فَرْجٌ يَغْدُو عَلَيْهِ وَ يَرُوحُ فَهُوَ مُحْصَنٌ (14).

وفي صحيحة حريز قال سألت الإمام الصادق (ع) عن المحصن؟ ﴿ فَقَالَ الَّذِي يَزْنِي وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ (15).

وهل إحصان المرأة كإحصان الرجل؟

نعم إحصان المرأة كإحصان الرجل، إلا أن التمكن بالنسبة إليها مما قد وقع الخلاف فيه، والمشهور تحديده مرة كل أربعة أشهر، وهناك من قال حالها حال الرجل، فكما أنه يحق له متى شاء وأراد كذلك لها الحق أيضاً.

قال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل عن الغنية الإجماع عليه لاشتراك معنى الإحصان فيهما نصاً و فتوى ... لكن المراد من تمكنها من الزوج إرادته الفعل على الوجه المزبور لا إرادتها متى شاءت ضرورة عدم كون ذلك حقا لها (16).

وربما يظهر من صحيح أبي عبيدة إرادتها أيضاً واعتبار ذلك حقاً لها، فعن أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَلَهَا زَوْجٌ؟ قَالَ (ع): ﴿ إِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ مُقِيماً مَعَهَا فِي الْمِصْرِ الَّتِي هِيَ فِيهِ تَصِلُ إِلَيْهِ وَيَصِلُ إِلَيْهَا فَإِنَّ عَلَيْهَا مَا عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمَ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ غَائِباً عَنْهَا أَوْ كَانَ مُقِيماً مَعَهَا فِي الْمِصْرِ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِ فَإِنَّ عَلَيْهَا مَا عَلَى الزَّانِيَةِ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ ... الحديث (17).

فقول الإمام "تصل إليه ويصل إليها" ظاهر في موافقة الرأي الذي أشرنا إليه بخلاف المشهور.

2. واتفقوا أيضاً على أن الزاني والزانية إذا كانا محصنين فإن عقوبتهما الرجم، والسؤال هل يكتفى بالرجم دون الجلد أم يجمع بين العقوبتين جلدا فرجما (18)؟

يظهر من الروايات الواردة في هذا الباب إنزال العقوبتين على الزناة من المسنين، وهذا موضع مما لا خلاف فيه.

أما غيرهم؛ فقد وقع فيه الخلاف، بين الجمع جلداً فرجماً، والاقتصار على عقوبة الرجم فقط.

قال المحقق الحلي: وإن كان شابا ففيه روايتان إحداهما يرجم لا غير، والأخرى يجمع له بين الحدين، وهو أشبه (19).


o ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

الرأفة هي الرحمة، بل أرق منها، وهي من الصفات المهمة في شخصية الإنسان المؤمن، والأهم من ذلك توظيفها في الاتجاه الصحيح، وهذه الآية تتناول جانب التوظيف فتنهى عن إعمالها عند تطبيق الحدود الشرعية، ولضمان سلامة التوظيف ينبغي أن توضع في إطار الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله يوجب التسليم والطاعة والانقياد، بينما يوجب الإيمان باليوم الآخر الجزاء ومشاهدة النتائج بصورة عادلة، وهكذا ينعكس هذا الإيمان على واقع الإنسان وتصرفاته وسلوكه فينقاد لأوامر الله وسيرى النتيجة.

وقد فصلت السنة النبوية الشريفة في الكيفية التي تراعي تنفيذ هذا الحد بهذا القيد.

جاء في موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا إبراهيم (ع) عن الزاني كيف يجلد؟ فقال (ع): ﴿ أَشَدَّ الْجَلْدِ قُلْتُ مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهِ قَالَ بَلْ تُخْلَعُ ثِيَابُهُ(20).

وفي مرسل حريز عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: ﴿ يُفَرَّقُ الْحَدُّ عَلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ وَيُتَّقَى الْفَرْجُ وَالْوَجْهُ وَيُضْرَبُ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ يصدق فيها(21).

وفي موثق زرارة عن الإمام الباقر (ع): ﴿ يُضْرَبُ الرَّجُلُ الْحَدَّ قَائِماً وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً وَيُضْرَبُ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ وَيُتْرَكُ الرَّأْسُ وَالْمَذَاكِيرُ(22).


o ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

المقصود بشهود العذاب هو الحضور والمعاينة للاتعاظ، ولكن هل الحضور والمعاينة على نحو الوجوب أم الاستحباب؟

قال صاحب المسالك: أُختلف في أن الأمر للوجوب أم الاستحباب؟ فقيل بالأول؛ واختاره ابن إدريس والمصنف في النافع وجماعة، عملاً بظاهر الأمر، فان الأصل فيه الوجوب. وقيل بالثاني وهو الذي اختاره المصنف هنا – الشرائع - وقبله الشيخ في كتب الفروع لأصالة عدم الوجوب، وحمل الأمر على الاستحباب لأنه بعض ما ورد بمعناه، ولا يخفى قوة الأول (23).

والطائفة: من الطوف وهو الإحتفاف والإحاطة، وعليه فلا بد أن تكون جماعة وأقل الجماعة ثلاثة. ولكن المروي عن أمير المؤمنين (ع) لا ينسجم مع هذا التفسير، ففي تفسير "الطائفة" من هذه الآية قال (ع): ﴿ الطَّائِفَةُ وَاحِدٌ (24).

والاستناد إلى هذه الرواية يتم إن سلمت من الخدش، وهي مخدوشة بالضعف فلا يمكن الركون إليها إلا إذا أجبر ضعفها بعمل الفقهاء. ومن الواضح أنهم منقسمون بين الواحد والثلاثة والعشرة وغيرها. قال شيخ الطائفة: وأقل ذلك عشرة. وبه قال الحسن البصري، وقال ابن عباس: أقله واحد . وقد روى ذلك أصحابنا أيضا . وقال عكرمة: اثنان. وقال الزهري: ثلاثة . وقال الشافعي: أربعة. دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا حضر عشرة دخل الأقل فيه، ولو قلناه بأحد ما قالوه لكان قويا، لأن لفظ الطائفة يقع على جميع ذلك (25).

· الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة

كما الطهر والإيمان والفضيلة تجمع المتصف بها، وتقرب بينهم، فترتقي بهم إلى السمو والسعادة، كذلك الزنا والشرك والرذيلة؛ تكون كالطامورة التي يهوي إليها كل من ساء فعله وخبثت سريرته، فتسحق إنسانيته وتدفع به نحو المزيد من التعاسة والانحطاط.


o ﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾

1. قيل أن هذه الآية نزلت في نسوة من مكة كن مستعلنات بالزنا، وهن سارة وخثيمة والرباب، وكن يغنين بهجاء الرسول (ص) فحرم الله نكاحهن وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن (26).

وقال الإمام الباقر (ع) في جواب من سأل عن هذه الآية: ﴿ هُمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) مَشْهُورِينَ بِالزِّنَا فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أُولَئِكَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالنَّاسُ الْيَوْمَ عَلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ مَنْ شَهَرَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَلَا تُزَوِّجُوهُ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ (27).

2. وقيل أنها نسخت بالآية الثانية والثلاثين من سورة النور ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ.

والصحيح أنها ليست منسوخة؛ لأن القول به يتوقف على أن ورود العام بعد الخاص ينسخ، وعلى إرادة خصوص الزواج من لفظة "ينكح".

قال السيد الخوئي: والحق: أن الآية غير منسوخة، فإن النسخ فيها يتوقف على أن يكون المراد من لفظ النكاح هو التزويج، ولا دليل يثبت ذلك. على أن ذلك يستلزم القول بإباحة نكاح المسلم الزاني المشركة، وبإباحة نكاح المشرك المسلمة، وهذا مناف لظاهر الكتاب العزيز، ولما ثبت من سيرة المسلمين (28).

3. اختلف المفسرون في بيان المراد منها فذهب بعضهم إلى أن سياقها إخبارياً؛ فمن خبثت سريرته وسائت فعلته لاينسجم إلا مع من يشابهه في الخباثة والسوء، ولن يجد الزاني شبيهاً له سوى الزانية، وكذا العكس، أو أفسد منهما وهو المشرك والمشركة.

وذهب آخرون إلى أنها في سياق التقبيح، فاللائق بحال الزاني الزانية، وكذا العكس، أو من دونهما وهو المشرك والمشركة.

وذهب بعضهم إلى أنها في سياق بيان حرمة نكاح الزاني من الزانية والمشركة، وحرمة نكاح الزانية من الزاني والمشرك.

وهذا القول لا يمكن الوثوق به والركون إليه؛ لأننا إذا قلنا بأنها في سياق التشريع - وأغمضنا النظر عن مناقشة ما قيل- فيضاف على ما قيل: جواز نكاح الزاني من المشركة، ونكاح الزانية من المشرك، وهذا باطل بإجماع المسلمين.

ولعل مصدر الإشكال في هذا القول هو حمل لفظ النكاح على معنى التزويج إلحاقاً لها بنظيراتها من الآيات التي ورد فيها لفظ النكاح وكان يعني التزويج.
ولفظ النكاح وإن ورد في اللغة بمعنى العقد إلا أنه ورد أيضا بمعنى الوطئ. قال الجوهري: النكاح: الوطئ، وقد يكون العقد (29)، وقال الشيخ الطوسي: وقيل النكاح - ههنا - المراد به الجماع (30). فحمله على هذا المعنى هو الصحيح.


o ﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾

وبناءا على ما تقدم يكون الزنا هو الذي حرم على المؤمنين وليس نكاح الزناة بعضهم مع بعض أو المشركين.

نعم بينت السنة النبوية أحكام هذه التفاصيل فراجع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي؛ ج 2، ص 95.
(2)
وسائل‏الشيعة؛ ج28، ص 67.
(3)
مناهل العرفان؛ ج 2، ص 160.
(4) 
لمزيد من البيان؛ راجع كتاب: البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي؛ ص 312.
(5) 
جواهر الكلام؛ ج41، ص 258.
(6)
مختلف الشيعة؛ ج 9، ص 161.
(7)
جواهر الكلام؛ ج41، ص 366.
(8)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص57.
(9)
المبسوط؛ ج 8، ص 4.
(10)
من‏لا يحضره ‏الفقيه؛ ج 4 ص 32.
(11)
قال السيد الخوئي (قدس سره): ما ذكره جمع من الأصحاب من اعتبار الرؤية في الشهادة، ولزوم أن تكون على الجماع والإيلاج والإخراج كالميل في المكحلة، واستندوا في ذلك إلى معتبرة أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): ﴿ لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة ﴾. وإلى صحيحة حريز عن أبى عبد الله (ع) قال: ﴿ القاذف يجلد ثمانين جلدة ... ولا تقبل شهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة ﴾.
والظاهر أن ما ذكروه أمر لا يتحقق في الخارج إلا في فرض نادر، ولازم ذلك سد باب الشهادة في الزنا نوعا، مع أن كثيرا ما تحققت الشهادة على الزنا في زمان رسول الله (ص) ومن بعده، ورتب على الشهادة أثرها من رجم أو جلد، فالجماع كغيره من الأفعال التي يمكن الشهادة عليها من جهة رؤية مقدماتها الملازمة لها خارجا المحققة لصدق الرؤية والحس بالإضافة إلى المشهود به عرفا.
وأما معتبرة أبي بصير فلا دلالة فيها على اعتبار الرؤية في الإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة، وإنما المعتبر فيها الشهادة على ذلك . وقد عرفت أن الشهادة تتحقق برؤية الأفعال الملازمة له خارجا، فيشهد الرائي على الإدخال كالميل في المكحلة. وأما صحيحة حريز فلابد من حملها على رؤية المقدمات الملازمة له خارجا الموجبة لصدقها بالإضافة إلى الجماع عرفا. مباني تكملة المنهاج؛ ج 1، ص 179.
(12)
وسائل‏الشيعة؛ ج 27، ص 409.
(13)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 94.
(14)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 68.
(15)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 69.
(16)
جواهر الكلام؛ ج 41، ص 277.
(17)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 125.
(18)
ينبغي الإشارة إلى ورود روايات يظهر منها إنزال عقوبة الرجم على المسنين من الزناة رجالا ونساءً، كصحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: ﴿ الرَّجْمُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ ﴾. وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 62.
وصحيحة سليمان بن خالد قال قلت للإمام الصادق (ع): في القرآن رجم؟ فقال (ع): ﴿ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ وَ الشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ ﴾. وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 67.
ونجيب: بناءا على إجماع أهل الإسلام على عدم وقوع التحريف في بالزيادة والنقصان في القرآن الكريم، فإن هذه الروايات وأمثالها محمولة على التقية خصوصا وأن هذا الأمر ورد عن الخليفة الثاني؛ ففي مسند الإمام أحمد بن حنبل روى كثير بن الصلت قال: ﴿ كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. فقال عمر لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبنيها قال شعبة فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وان الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم مما لاشك فيه ﴾. مسند احمد، الإمام احمد بن حنبل؛ ج 5، ص 183.
(19) 
شرائع الإسلام؛ ج4، ص 937.
(20)
وسائل‏الشيعة؛ ج 20، ص 310.
(21)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 93.
(22)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 91.
(23)
مسالك الأفهام؛ ج 14، ص 387.
(24)
وسائل‏الشيعة؛ ج 28، ص 93.
(25)
الخلاف، الشيخ الطوسي؛ ج 5، ص 374.
(26) 
تفسير الصافي، الفيض الكاشاني؛ ج 3، ص 416.
(27)
الكافي؛ ج 5، ص 355.
(28)
البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي؛ ص 362.
(29) 
الصحاح، الجوهري؛ ج 1، ص 413.
(30) 
التبيان، الشيخ الطوسي؛ ج 7، ص 407.




            (ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera


ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق