السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

28 فبراير 2009

الشيخ السعيد: دفاعاً عن مظلومي البقيع والرسول الأعظم النعمة العظمى_نص خطبتي الجمعة_‏(3-3-1430 هـ)‏ ساهموا في نشرها معكم

للاستماع للخطبتين:

(1) دفاعاً عن المظلومين في البقيع

http://www.abrarevoice.com/sounds/index.php?act=playmaq&id=24378

(2) الرسول الأعظم النعمة العظمى

http://www.abrarevoice.com/sounds/index.php?act=playmaq&id=24377





خطبتا الجمعة
بتاريخ1 /03/ 1430 هـ
الخطبة الأولى: دفاعاً عن المظلومين في البقيع[1]

صدر الخطبة:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فمن خلال التقوى تنبع كل القيم والفضائل، فما من قيمة رسالية ولا فضيلة دينية إلا ومنبعها تقوى الله، فالتقوى هي أساس الشخصية المتكاملة، و التقوى هي صمام الأمان الذي يضبط أقوال الإنسان وأفعاله، فالتقوى هي التي تكبح اللسان من التجاوز والجوارح من الاعتداء، فالفئة المؤمنة التي تتحلى بصبغة التقوى لا تتجاوز الحدود، ولا تعتدي على الأبرياء ولا تنتهك الحرمات، ولا تحركها الحزبية والطائفية.
فالتقوى هي الضمانة التي تؤسس إلى الأمة الواحدة، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)[2]فبقدر ما تملك الأمة من روح التقوى بقدر ما تتمكن من المحافظة على وحدتها وكيانها الواحد، وبقدر ما تفقد الأمة روح الإيمان والتقوى بقدر ما يصدر منها الاعتداء والتجاوز فتتفكك وتتناحر، فالتقوى هي الأرض الصالحة التي تنمو فيها العلاقات الصالحة، وهي التي تحفظ سلوك الإنسان من البغي والاعتداء، وفقدان التقوى هي بذرة السوء التي منها ينبع كل فساد وإفساد، فاعلم أن أي تفكك في جسد الأمة مرده إلى انعدام التقوى، فما من صراع بين طائفتين إلا وإحداهما أقلاً تفقد روح التقوى.
والأمة الإسلامية وإن اختلفت على الصعيد الفكري والعقائدي والفقهي إلى آراء ومذاهب وفرق، إلا أنها على الصعيد الاجتماعي لا بد أن تبقى أمة واحدة لا يفرقها اختلاف الآراء والقناعات، والدين الإسلامي بث تعاليمه السمحة بين المسلمين، ولم يدعو إلى الغلظة والتشدد في حوار الآخر المختلف، وإنما دعا إلى لغة الحوار الهادئ مع أبناء الديانات المختلفة فضلاً عن المذاهب الإسلامية، و أئمة أهل البيت (ع) والذين يمثلون حقيقة الإسلام دائماً ما يؤكدون على وجوب حفظ الوحدة على الصعيد الاجتماعي بين المذاهب الإسلامية، ونبذ العنف والأفكار المتطرفة.
قال تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[3]فتعاليم الإسلام تؤسس إلى أسلوب حواريٍ راقٍ يعتمد على احترام الآخر المختلف لا على إقصائه واتهامه بالشرك والبدعة، ومن هنا نعرف بأن تلك الخطابات المتطرفة والمتشددة ليست من الدين في شيء، فهي لا تمثل تعاليم الإسلام ولا أخلاق الإسلام.
إن الإسلام يبني عقائده على الدليل والبرهان والحجة، وهكذا مذهب أهل البيت (ع) قائمٌ على الدليل والبرهان والحجة العلمية وهو لم يعتمد في يوم من الأيام على أسلوب القوة والإرهاب، وإنما يقوم على قوة الفكر لا فكر القوة، فمن يمتلك الحق لا يخشى مواجهة الباطل، ومن يمتلك قوة الدليل لا يخشى المحاورة والمناظرة، أما الذي يعيش حالة الخواء الفكري هو الذي يلجأ إلى قتل الكلمة وخنق الأصوات وتكسير الأقلام، حتى يملأ الفراغ الذي يعيشه، ولكن هيهات إن الشمس لا تغطى بغربال، ولم تعد لغة الحجب قادرة على أن تحجب نور الحقيقة.
وفي هذه الأيام حيث نعيش ذكرى وفاة الرسول الأعظم (ص) يتقاطر المؤمنون من كل حدب وصوب لزيارة الرسول الأعظم (ص) ولزيارة أئمة البقيع (ع) والتوسل بهم (ع) ومع صراحة الأدلة التي تدلل على مشروعية زيارة القبور والتوسل بالأنبياء والصالحين (ع) إلا أنه تجد من يشنع على المؤمنين ويتهمهم بأبشع التهم، وما ذلك إلا بسبب التعامي عن الأدلة الواضحة والصريحة في جواز التوسل بالنبي (ص) حياً وميتاً، والتي أثبتها القرآن والسنة وسيرة المسلمين.
 يقول بعضهم بأن زيارة القبور تارة تكون زيارة شرعية، ويقصد بها السلام على الميت والدعاء له إن كان الميت مؤمناً، وتارة أخرى تكون الزيارة زيارة بدعية، ما أنزل الله بها من سلطان، وهي من جنس زيارة النصارى التي يقصد منها الإشراك بالميت، وطلب الحوائج منه والتوسل به، فالتوسل بالأموات وطلب الحوائج منهم هو شركٌ محض حسب ادعائهم وحسب فهمهم للإسلام.
ولهذا فإن كلامنا معهم سوف ينصبُ في بيان جواز زيارة القبور والتوسل بالأنبياء والصالحين (ع) في حال الممات كما هو في حال الحياة، فهذا الأمر ليس زيارة بدعية، وإنما هي زيارة شرعية دلت عليها الآيات القرآنية والروايات وسيرة المسلمين.

أدلة جواز الزيارة والتوسل:
الدليل الأول: القرآن الكريم: ويمكن أن ندلل على ذلك بالآيات القرآنية التي أجازت زيارة الأنبياء (ع) والمجيء إليهم والتوسل بهم بشكل مطلق، ولم تفرق بين حالة الحياة وحالة الممات.
قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)، ولو لم يكن لدينا إلا هذه الآية القرآنية في بيان جواز بل واستحباب زيارة الرسول الأعظم (ص) والتوسل به لكفت، فهذه الآية مطلقة سواء كانت في حال حياته أم في حال مماته، فرسول الله (ص) بعد وفاته ليس عدماً لا ينفع ولا يضر، وإنما هو حيٌ عند ربه ومقامه عند الله يتصاعد في كل يوم وليلة، وهذه الآية القرآنية حينما تأمر المؤمنين بالمجيء إلى الرسول الأعظم (ص) وطلب الاستغفار منه، تتحقق بعد وفاته من خلال زيارته والتوسل والاستغفار عنده (ص)، فهذه المزية وهذه البركة العظيمة التي من الله بها على المؤمنين ما كان الله وهو الجواد الكريم أن يمنعها عن المؤمنين بعد وفاة حبيبه الرسول الأعظم (ص).
وهذه الآية ليست خاصة بزمان النبي (ص) لأن الروايات دالة على أن الأعمال تعرض على عليه (ص) وأنه يستغفر للمؤمنين من أمته، حيث قال الرسول(ص): "حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم"، هذا الحديث رواه البزار ورجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي في مجمعه.
 وقد روي عن النبي (ص) أنه وقف على قليب (بدر) وخاطب المشركين الذين قتلوا وألقيت جثثهم في القليب، عن أنس بن مالك: سمع أصحاب رسول الله (ص) رسول الله (ص) من جوف الليل وهو يقول يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ريبعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، فعدد من كان منهم في القليب: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فقال المسلمون: يا رسول الله (ص) أتنادي قوماً قد جيفوا؟ قال (ص): ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني[4]."
روى الإمام مسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى (ع) قال: حدثنا هدّابُ بنُ خالد وشيبانُ بنُ فَرّوخٍ قالا: حدّثنا حماد بنُ سَلَمةَ عن ثابتٍ البُناني وسُليمان التميمي عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) قال: "أتيتُ (وفي رواية هدّابٍ: مررتُ) على موسى ليلةَ أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يُصلي في قبره"، أي أن الأنبياء بعد وفاتهم لا يتحولون إلى عدم، وإنما هم أحياء عند ربهم!
وقال رسول الله (ص): "من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي من بعيد أُعلمته"، قال الحافظ في الفتح وسنده جيد، ورواه البيهقي في حياة الأنبياء بلفظ من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: "من صلى عليَّ عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا منه أُبلغته".
الدليل الثاني: الأحاديث الشريفة: وقد وردت عدة أحاديث تدل على جواز التوسل بالنبي (ص) وهذه الروايات أيضاً مطلقة وليست خاصة بزمن الحياة.
          ومن هذه الروايات ما روي عن عثمان بن حنيف أنه قال: إن رجلاً ضريراً أتى النبي (ص) فقال له أدعُ الله لي أن يعافيني، فقال (ص): إن شئتَ أخرت لك وهو خير، وإن شئت دعوت، فقال: ادعُه، فأمره أن يتوضاً فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في".[5]
الدليل الثالث: سيرة المسلمين: بل إن سيرة المسلمين تدل على ذلك، فقد جرت سيرة المسلمين أثناء حياة الرسول (ص)وبعد مماته على التوسل بالرسول (ص) وبأولياء الله والاستشفاع بمنزلتهم عنده، وفي ما يلي نماذج من تلك السيرة:
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن موسى النعماني في كتاب مصباح الظلام: إن الحافظ أبا سعيد السمعاني ذكر فيما روينا عنه عن علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: " قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله (ص) بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر النبي (ص) وحثا من ترابه على رأسه، وقال يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك، ووعين عن الله سبحانه ووعينا عنك، وكان فيما أنزل (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله..) وقد ظلمت نفسي، وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر: إنه قد غفر لك"[6]، فهذا النداء الذي سمعه الأعرابي يدلل على مشروعية التوسل بالرسول الأعظم (ص) بعد وفاته، وأن الله جعله طريق لاستجابة الدعاء وقضاء الحوائج.
جاء في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون).[7]
وعلى هذه الرواية يعلق الشيخ المعروف محمد متولي الشعراوي بأن هذه الرواية ليست دليلاً على عدم جواز التوسل بالأموات، وإنما هي دليل على الجواز، لأن الصحابة لم يتوسلوا بالعباس إلا لكونه عم الرسول الأعظم (ص)[8] فمع وجود من هو أفضل من العباس من الصحابة في المقام والقرب من الله إلا أن الصحابة لم يتوسلوا إلا بالعباس، فهي آلت إلى النبي (ص) في نهاية المطاف، فمقام الرسول الأعظم (ص) وجاهه عند الله كما هو ثابتٌ في أيام حياته هو أيضاً ثابتٌ بعد وفاته.

بعض القائلين بجواز التوسل من غير الإمامية:
ونقل ابن تيمية عن أحمد بن حنبل في (منسك المروزي) التوسل بالنبي (ص) والدعاء عنده، ونقل ذلك أيضاً عن ابن أبي الدنيا والبيهقي والطبراني بطرق عديدة شهد لها بالصحة.[9]
بل إنه قد نقل عن الإمام الشافعي أنه قال: "إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد أن تقضى"[10]، فإذا كان الإمام الشافعي يزور قبر أبي حنيفة ويتبرك به ويجعله وسيلة بينه وبين الله، أفلا يجوز لمحبي الرسول الأعظم أن يأتوا لزيارة قبره وأن يتوسلوا به!
 بل إن القول بجواز التوسل بالنبي بعد حياته كان الرأي المشهور عند المسلمين حتى جاء ابن تيمية وقال ما قال،فالقول بجواز التوسل بالرسول الأعظم (ص) ليس محصوراً على الطائفة الشيعية، وإنما يقول بها كثير من علماء المذاهب الإسلامية الأخرى، واتهام الشيعة الإمامية بالشرك يستوجب اتهام بقية العلماء من المذاهب الأخرى بالشرك أيضاً.

الآثار المعنوية لزيارة القبور:
وهنا أطرح سؤالاً: ما هي الآثار المعنوية لزيارة قبور الأنبياء والأولياء؟
لا شك أن زيارة قبور الأنبياء والأئمة (ع) وعظماء تاريخ الإسلام فيها نوع من الشكر والتقدير لهذه الشخصيات العظيمة على ما سطروه من تضحيات من أجل خدمة الدين[11]، بل إنه من خلال الزيارة يجدد الإنسان العهد مع هؤلاء العظماء على المضي على ذات المبادئ وذات القيم التي جسدها الأنبياء والأئمة (ع) والعظماء في حياتهم، بل إن زيارتهم فيها تخليد لتلك الشخصيات وتعظيم لشأنها، ولقيمها ومبادئها.
 ولهذا تجد تأكيد الروايات عن الرسول الأعظم (ص) وعن الأئمة الطاهرين (ع) على ضرورة زيارة الرسول الأعظم (ص)وعلى ضرورة زيارتهم الأئمة (ع)، حتى في أوقات التضييق من قبل المخالفين، بل إن زيارتهم في أوقات الحضر والمنع هي أعظم عند الله من بقية الأوقات.
عن أبي عبد الله (ع) قال: قال الحسين (ع) لرسول الله (ص): ما جزاء من زارك، فقال: يا بني من زارني حياً أو ميتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك، كان حقاً علي أن أزوره يوم القيامة حتى أخلصه من ذنوبه.[12]
وقال رسول الله: يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي، أو زارك في حياتك أو بعد موتكن أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما، ضمنت له يوم القيامة إن أخلصه من أهوالها وشدائدها، حتى أصيره معي في درجتي.[13]
وعن ابن بكير، عن أبي عبد الله قال: قلت له: إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح، فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائف، أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة.[14]

من الذي ينتفع بالأدلة العلمية؟
وهذه الأدلة العلمية إنما ينتفع بها من حكم عقله لا من حكم الأهواء والشهوات والمصالح والعصبيات، فهؤلاء لا تنفعهم الأدلة العلمية ولا تنفهم الآيات والروايات.
قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)[15]، فالذين يتكبرون على الآخرين بغير الحق ويمارسون الظلم والعدوان على الآخرين لا ينتفعون بآيات الله، ولا تنفعهم الأدلة الواضحة التي تمثل شاهداً واضحاً على حقيقة القضية، لأن الاستكبار يحجب القلب من التسليم للأدلة والبراهين والآيات مهما كانت واضحة.

أحداث البقيع:
ولا شك أن كلنا تابع الأحداث الأخيرة، وما وقع على أتباع مذهب أهل البيت (ع) من انتهاكات واعتداءات سافرة ووحشية وثقتها وسائل الإعلام، فلم تراعي تلك الزمرة المتطرفة والمتشددة حرمة تلك البقعة الطاهرة، فكان ذلك الظلم امتداد لمسيرة الظلمة والطغاة على مر التاريخ، وهنا نطرح عدة أمور:
الأمر الأول: إن الله جعل عاقبة الظالمين الزوال:
إن الله سبحانه قد جعل للظلم عاقبة سيئة، بل جعل عاقبة الظالمين والمجرمين الإهلاك والزوال، فكل فئة مارست الظلم والاعتداء وتمادت واستمرت في غيها وإجرامها، فلن تكون عاقبتها إلا الفناء والزوال، وهذه سنة الله في الظالمين،(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)،[16]فحينما تتمادى الأقوام والجماعات في ظلمها وتكذيبها بالقيم الرسالية والبينات الواضحة والحقائق الدامغة التي تكشف بوضوح براءة المظلومين، فلا تسمع تعاليم الأنبياء ولا تسمع نصح الناصحين، فإن الله يهلكهم ويذهب بشوكتهم.
فهؤلاء يكذبون بقيم الرسالة وليس بالضرورة أن يكون تكذيبهم تكذيباً نظرياً، وإنما قد يكون تكذيبهم تكذيباً عملياً، فلا يسلمون بحقوق الآخر الذين يختلفون معه، ولا بكرامته وحريته في ممارسة شعائره وإظهار عقيدته، فطغيانهم يمنعهم من الإيمان بحقوق الطائفة الشيعية مما يقودهم إلى الظلم والإجرام والعدوان، وظلمهم هو طريقهم إلى فنائهم وذهاب شوكتهم.
"وإن جزاء الظالمين في الدنيا قد يتأخر، وقد تطول الفاصلة الزمنية بين العمل وبين الجزاء كبيرة، ولكن هذا لا يعني بأن الجزاء لا يأتي، فالجزاء آتٍ آت، وقد يعجل الله جزاء الظالمين في الدنيا، وقد يؤجله للآخرة[17]، فيجب على الظالمين والمعتدين أن يعلموا بأن التمادي في الظلم سوف يكتب لهم عاقبة سيئة حينما تتوفر عوامل هلاكهم.
قال تعالى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) ،[18] فحينما تنكسر شوكة هذه الفئة المتطرفة وتتعرض إلى الإبعاد، فهذا ليس ظلمٌ لهم، وإنما هم الذين ظلموا أنفسهم، وحينما يأتي أمر الله بزوالهم وفنائهم لن تغنيهم تلك الحصون التي يتحصنون من ورائها والتي تدفعهم إلى الظلم والإجرام والعدوان.
الأمر الثاني: لا بد من إدانة التطرف والطائفية:
لا شك أن الفكر المتطرف هو الذي يشجع تلك الزمرة من الجهلة على الكراهية والبغضاء، والهتك والاعتداء، وهذا الفكر المتطرف لا بد من إدانته من قبل الجهات التي تمتلك فكراً معتدلاً من جميع المذاهب الإسلامية، كما أن أحداث البقيع الأخيرة كشفت بشكل واضح وبلغة فصيحة الاصطفاف الطائفي الذي يمارس من قبل جهات متعددة ضد أتباع مذهب أهل البيت (ع)، ولا شك أن هذا الأمر يهدد الاستقرار ويقوض الجهود الإصلاحية ويشتت من قوة الأمة.
والسكوت على هذه المواقف وعدم إدانتها يشجع المتطرفين على تطرفهم والطائفيين على طائفيتهم، فلا بد أن تتعالى الأصوات الإصلاحية المعتدلة في داخل الأمة في قبال تلك الأصوات الناشزة التي لا تمثل الفكر الإسلامي وتعاليمه السمحة،فالفكر المتطرف والطائفي هو السبب الرئيس في تأجيج الإثارات، وستبقى الأمة الإسلامية تعيش في دوامة الصراعات المذهبية إذا ما فتحت الأبواب لهذا الفكر المتشدد.
وإذا تساءلنا عن منشأ الفكر المتطرف الذي تنشأ منه الممارسات الطائفية المتطرفة والعنف لوجدنا بأن لغة التكفير تمثل سبباً رئيساً لمثل هذه الحالات، ولهذا تجد أن بعضهم يدعي بأن هذه الممارسات التي تطفح بالبغي والظلم والاعتداء على الأبرياء هي من أجل صيانة التوحيد، وعدم تسلل الشرك إلى عقائد الأمة، فتجد أن بعض المتشددين الذين لم يفهموا حقائق التوحيد يعيشون حالة من الهوس، فكل ممارسة من الممارسات إما أن تكون شركاً، أو هي مقدمة إليه، وليس من الصحيح أن تمارس فئة من المسلمين دور الوصاية على بقية المذاهب الإسلامية، فتتهم بقية المذاهب بالشرك والابتداع، فمقاليد الدين ومفاتيح الحق لم تعطى لفئة دون بقية الفئات حتى تمارس عنوة دور التصحيح العقائدي لبقية المذاهب!
الأمر الثالث: لا بد من محاسبة المعتدين:
يجب على المسؤولين محاسبة الجهات المتطرفة التي تقف وراء تلك الانتهاكات والاعتداءات التي مورست بحق النساء والأبرياء، فالتغاضي عن مثل هذه الممارسات المتشددة وعدم محاسبة المتسببين في هذه الاعتداءات يفتح المجال لتكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل، بل إن فتح الباب مشرعاً أمام المتطرفين قد يتسبب في حدوث نعرات طائفية متشنجة وغير عقلانية قد تؤدي إلى صراعات ومصادمات واشتباكات مستقبلية تذهب باستقرار مجتمعاتنا، فهذه المواقف المتطرفة تقوض كل الإرادات الجادة للإصلاح والتقارب بين المذاهب الإسلامية، وتجعل من تلك الأراضي المقدسة ساحة للاصطدامات بين أبناء الدين الواحد.
وحتى نحتوي هذه المشكلة بشكل صحيح وعادل لا بد من تطبيق القانون على كل المعتدين وتعويض كل الفئات البريئة والمتضررة من تلك الاعتداءات الهمجية، ورد اعتبارها والاعتذار إليها.
 إن الإسلام الذي تنتسب إليه كل المذاهب الإسلامية يكفل لكل إنسان حقوق، مهما كانت ديانته ومهما كانت عقيدته،قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[19] فينبغي على كل جهة تتبوأ موقعاً مسؤولاً أن تعمل على إقامة القسط والعدل واتخاذ المواقف الصحيحة العادلة، فالاختلاف في المذهب لا يبرر السكوت ولا يصحح التغاضي عن المعتدين، فعلى الجهات المسؤولة أن تكون شاهدة بالقسط، فبعد اتضاح الأدلة وبعد ثبوت الجرم على المعتدين، الذين انتهكوا الحرمات واعتدوا على الأعراض وخرقوا حقوق الإنسان يجب أن يتخذ الموقف العادل اتجاه هذه الأحداث وعدم التبرير للظالمين والمعتدين.
الأمر الرابع: فتح المجال أمام حرية التعبير:
ثم إنه ينبغي فتح المجال أمام الحريات الدينية، فالحرم النبوي الشريف ومقبرة البقيع ليست ملكاً لطائفة معينة وإنما هي لكل المسلمين، ولهذا ليس من الصحيح التضييق على أتباع مذهب أهل البيت (ع) بحجة أنهم يمارسون أعمالاً شركية، أو غير مقبولة لدى بعض المذاهب.
ومن هنا نطالب بضرورة الاعتراف الرسمي بمذهب أتباع أهل البيت (ع) وعدم التغافل عن النسبة التي تمثلها هذه الطائفة في هذا البلد، فهذه الطائفة جزءٌ لا يتجزأ من هذا البلد، والتغافل عن هذه الطائفة هو الذي يتيح المجال للمتطرفين المجال لممارسة العدوان والاضطهاد، يجب أن نفتح المجال لجميع المذاهب حرية التعبير، فكل مذهب من المذاهب يحق له أن يعبر عن عقيدته وشعائره وآرائه، بدون أن يتعرض للمضايقات والمزايدات من قبل الفئات والمذاهب الأخرى.
 وختاماً أقول: إن ما حدث في البقيع هو اعتداء على حق الطائفة الشيعية في ممارسة عقيدتها وشعائرها، وهذا الاعتداء ما كان ليتحقق لو لا الفكر المتطرف ولو لا الإقصاء التي يمارس بحق الطائفة الشيعية، ولهذا لا بد من إدانة هذا الفكر المتطرف ومحاسبة المعتدين وتطبيق القانون بحقهم، ولا بد من الاعتراف الرسمي بهذه الطائفة وبحقها في التعبير عن عقيدتها وشعائرها بدون وصاية من أحد، نسأل الله أن يوفقنا لذلك، إنه قريب مجيب الدعاء، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً احد.



الخطبة الثانية: الرسول الأعظم النعمة العظمى

صدر الخطبة:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن التقوى هي التي تبعث الإنسان على الاستقامة في طريق الله، وهكذا الإنسان الذي يتحسس آثار أسماء الله يسير على الطريق الحق ويستقيم في عبادة الله، فإيمان الإنسان بأسماء الله الحسنى له أثر بالغ في توجيه سلوكه إلى الاستقامة على عبادة الله ولزوم طريق التقوى، فالله سبحانه وهو رب السموات والأرض وإله العالمين بصيرٌ بعباده، مطلعٌ على ضمائرهم ونواياهم وحقائق أعمالهم، وهذه الحقيقة الكبرى تكفي الإنسان للاستقامة على الصراط المستقيم، إلا أن مشكلة الإنسان هي في الغفلة عن ذكر الله، فيا عباد الله اتقوا الله (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).[20]

الوحي أعظم نعمة:
إن أعظم نعمةٍ منّ الله بها على الإنسان هي نعمة الوحي والرسالة وإرسال الرسل، فمن خلال رسالة الله يكون الاتصال بين السماء والأرض، بين مركز النور ومركز الظلمات، فمن خلال الاتصال بالوحي يتكامل الإنسان وتبنى المجتمعات وتقوم الحضارات.
الوحي وبناء الفرد:
إن استجابة الإنسان لرسالة الله ولتعاليم القيادات الرسالية هو طريق الإنسان إلى البناء والتكامل، فبصائر الوحي هي التي تفجر طاقات الإنسان وتوجهها في الطريق الصحيح.
 إن الرسول الأعظم (ص) بيّن أصول العلم وجوامع الكلم وبثها في الناس حتى يرقى بالإنسانية إلى أعلى المراتب،وحينما كان الرسول الأعظم (ص) يبث بصائر الوحي كانت هناك فئة من الناس تأخذ من تعاليم الرسالة بمقدار يسير، لأنها كانت تشتغل بالأموال والبنون وإصلاح أمور الدنيا، قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ،[21] فالذي يمنع الإنسان من الاستجابة إلى وصايا الرسول الأعظم (ص) هي إتباع الأهواء والشهوات والمصالح والمكاسب الدنيوية.
 وكان هناك في المقابل من يتلقى بصائر الوحي بكل جوارحه فيصبح مؤهلاً لاستقبال جوامع العلم وأصول المعارف الإلهية، كما كان أمير المؤمنين (ع)الذي نزلت فيه الآية القرآنية: ( لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) ،[22] فقلبُ عليٍ(ع) كان مشكاة لنور الله، فاستوعبت روحه بصائر الوحي وجوامع العلم التي بثها الرسول الأعظم (ص)، وقد قال أبو عبد الله (ع): إن رسول الله (ص) قد أنال في الناس و أنال وأنال، يشير كذا وكذا، وعندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه و أواخيه.[23]
سلمان الفارسي نموذجاً:
وحينما ننظر في شخصيات تلاميذ الوحي وتلاميذ الرسول الأعظم (ص) نجد أنهم بلغوا أسمى مراتب الإيمان والكمال لأنهم استجابوا للوحي وتتلمذوا على تعاليم الرسول الأعظم (ص)، ولهذا يروى عن رسول الله (ص) أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان، بل إن الإيمان عشر درجات، وكان سلمان في العاشرة، بل قال فيه الرسول الأعظم (ص) سلمان منا أهل البيت! يا ترى كيف بلغ سلمان تلك الدرجات العلى من الإيمان والقرب من الله ومن رسوله (ص)، لا شك أن استجابة سلمان للوحي وانقياده لأوامر القيادة الرسالية هي التي خطت لسلمان هذه المكانة.
بل إن الرسول الأعظم (ص) لم يصل إلا ما وصل إليه من الكمال إلا لإتباعه للوحي، فالله سبحانه قد أدب رسوله الأعظم (ص) على الأخلاق والكمالات والفضائل حتى بلغت روحه أعلى مراتب العصمة والكمال حتى دنا فتدلى.
وقد قرن الله سبحانه بالرسول الأعظم (ص) ملكاً عظيماً يرشده إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، فالتصقت روح الرسول الأعظم (ص) بهدى الوحي وعجنت بآداب الله حتى يتأهل الرسول (ص) إلى تحمل مسؤوليته العظمى في الدعوة إلى رسالة الإسلام وتحمل دين الله الخاتم *، *قال أمير المؤمنين علي **(ع)** **في خطبته
القاصعة وهي من أفصح خطب نهج البلاغة وأبلغها وأطولها، يذكر فيها رسول الله **
(ص)**: ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق
المكارم، ومحاسن أخلاق العالم.[24] <#_ftn24>*

*الوحي والتكامل الحضاري:*

*وكل هذا حول تأثير الوحي على المستوى الفردي، أما على مستوى الأمة فأقول بأنه:
** **على منهج الوحي وقيم الرسالة تقوم الحضارات، فالحضارة الإلهية لا تقوم إلا
على المنهج الحق الذي يتناغم مع سنن الحياة ويتوافق مع قوانين التكامل*، *ففي
حقل السياسة هناك سنن وقوانين بها تقوم الحضارة في الحياة السياسية وإلا سيطرت
على الحياة الأهواء والمصالح البشرية، وفي الحقل الاجتماعي هناك سنن وقوانين
بها تقوم الحضارة في الواقع الاجتماعي، وإلا سيطرت على العلاقات حالة التفكك
والتمزق والتصارع. ***

*وفي الحقل الاقتصادي هناك سنن وقوانين بها تقوم الحضارة في الحياة الاقتصادية
وإلا سيطرت على الثروات والموارد حفنة بغيضة من البشر*، *فالحضارة لها سنن
وقوانين تضمنتها الرسالة الإلهية التي نزلت من عند الله، خالق هذا الكون،
والعالمِ بالنظام الأصلح لهذه الحياة*، *والحضارة البشرية هي حضارة ناقصة
ومبتورة وهي لا تكتمل إلا من خلال اكتمال جميع السنن التي تبينها بصائر القرآن
الكريم. ***

*وتغيير الواقع من التخلف الثقافي إلى الرشد الثقافي، ومن الواقع السياسي
المظلم إلى الواقع السياسي المشرق، ومن الواقع الاجتماعي المفكك والمتشرذم إلى
الواقع الاجتماعي المتماسك لا يكون إلا بفضل من الله، والله لا يتفضل على عباده
بالتغيير إلى بعد إتباعهم لمنهج الوحي الذي عليه تقوم الحضارة المتكاملة*، *وبدون
الاتصال بمنهج الوحي ستظل البشرية في حاق الجهل والتخلف السلوكي، لأن التطور في
العلوم المادية مع الغفلة عن الغاية من الخلق والحاجة لهدى الوحي لن يزيد
البشرية إلا غروراً واستعلاءً على الدين وعلى الرسالات الإلهية، وجهل البشرية
بجهلها هو أعظم مراتب الجهل وأكثرها تخلفاً.*

* *

*لماذا الوحي دون غيره هو القادر على صناعة الإنسان؟*

* **وهنا يأتي السؤال: لماذا الوحي هو القادر دون سواه على أن يصنع الإنسان
ويشيد الحضارة؟***

*إن صناعة الإنسان وبناء المجتمعات وتشييد الحضارة بحاجة إلى منهج، وهذا المنهج
يجب أن يكون متناغماً مع خصائص الإنسان وتكوينه الداخلي، وما الذي يصلحه وما
الذي يفسده، حتى يصح الاعتماد عليه، وهكذا بالنسبة إلى المجتمعات؛ بناء
المجتمعات بحاجة إلى منهج يبين عوامل نهوض المجتمعات وأسباب صلاحها وأسباب
فسادها حتى يصح الركون إليه*، *وكل المناهج البشرية على امتداد التاريخ أثبتت
عجزها عن تقديم الأطروحة الصحيحة والمتكاملة التي تنهض بالإنسان وتبني الحضارة*،
*أما الوحي ورسالة السماء فقد نزل من عند الله العالم بمن خلق، وقد جعل الله
غاية رسالته إلى عباده صناعة الإنسان وبناء الحياة.*

*مهمة الأنبياء والقيادات الرسالية: *

* الله سبحانه قد بعث رسوله الأعظم (ص) وأرسل رسالته للأميين لإخراجهم من
الضلال المبين إلى رحاب الهداية، من ظلمات الأهواء والشهوات والمصالح البشرية
إلى رحاب القيم الرسالية*، *فتغيير الواقع يكون من خلال الأنبياء والأئمة
(ع)والقيادات الرسالية التي تنتشل المجتمع من الحالة الجاهلية إلى رحاب
القيم
الرسالية*، *قال تعالى: **(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا
مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُّبِينٍ*وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ* ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).[25] <#_ftn25>*

*"وكلمة الأميين لا تقتصر على المجتمع الذي لا يقرأ ولا يكتب، وإنما هي كلمة
عامة تشمل كل أبعاد الجاهلية، فحينما يكون الإنسان مدركاً لبعض المعارف إلا أن
هذه المعارف لا تنعكس على سلوكه وشخصيته هو يعدُ إنساناً أمياً، وهكذا كل
مجتمعٍ لا تنعكس عقائده ومعارفه على سلوكه يعد مجتمعاً أمياً جاهلياً. *

* يقول القرآن الكريم** في سياق حديثه عن أهل الكتاب و هم يقرؤون و يكتبون و
فيهم دعاة العلم، قال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ
الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)[26] <#_ftn26>فهؤلاء
الذين ينعتهم القرآن بأنهم أميون لم يكونوا جاهلين بالقراءة والكتابة، وإنما لم
تتحول كلمات الوحي وآياته إلى بصائر تنير لهم الطريق وتوجه لهم السلوك، ولهذا
نعتهم القرآن بالأميين*، *"فهم يتعاملون مع الكتاب كمجرد أماني يتسلى بها
الضعفاء، ويتغنى بحروفه المكروبون والمحرمون، **بدلاُ أن يكون صاعقا يفجر
طاقاتهم، و حافزاً يثير عقولهم و نظاماً لتوجيه حياتهم و علاقاتهم، وبعبارة
أخرى، إن الكتاب في نظرهم أصبح مجرد أحلام يمنون أنفسهم بها دون القيام بأي
نشاط حقيقي من أجل تحقيق أهداف الكتاب.[27] <#_ftn27>" *

*قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)*
*،[28]<#_ftn28>
** فالله سبحانه قد وعد رسوله (ص) بإظهار هذا الدين على الدين كله، فهذه سنة من
سنن الله، وهي حاكمية رسالة الله على واقع الحياة البشرية وإظهار الإسلام على
جميع الأديان في نهاية المطاف*، *إلا أن هذه السنة لا تجري في الحياة بطريقة
غيبية، وإنما لا بد من توفر أسبابها الطبيعية*، *نحن قد نمر على هذه الآية
وغيرها كمجرد أماني وأحلام نتسلى بها، لكنها لا تغير من واقعنا شيئاً. *

*إن الرسول الأعظم** **(ص) قد دفع الإنسانية بشكل هائل إلى قيم السماء، ولا
يزال هذا الدفع يخترق حجب الزمان والمكان ويتموج عبر الأجيال، إلا أننا لا بد
أن نشارك في هذه المسيرة الإلهية التي تستهدف تغيير العالم أجمع، وتحكيم رسالة
السماء على الحياة*، *والقيادات الرسالية هي التي تفقه الكتاب وتجعل من آياته
بصائر للتغيير والبناء، لأن تغيير الواقع وإصلاح الفساد ليس بالظنون والأماني،
وإنما هو بالعمل والجد والاجتهاد والمسؤولية. *

*ختاماً أقول: إن الرسول الأعظم (ص) برسالته الخالدة هو أعظم نعمة من الله بها
على الإنسانية، وهو رحمة الله المهداة إلى خلقه، التي ينال منها كل إنسان وكل
مجتمع بقدر إرادته وبقدر سعيه*، *نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك، اللهم اغفر
للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات*، *بسم الله
الرحمن الرحيم، والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات،
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. *

------------------------------

[1] خطبتا الجمعة، وقد ألقيتا في مسجد الإمام الحسين (ع)
بالعوامية، بتاريخ1/3/1430ه

[2]  سورة المؤمنون، 52

[3] <#_ftnref3> سورة سبأ، 24

[4] صحيح البخاري 5: 76

[5] سنن ابن ماجة 1: 441 الحديث 1385 ومسند أحمد 4: 138 ح16789
ومستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري 1: 313 والجامع الصغير للسيوطي : 59 ومنهاج
الجامع 1: 286

[6] وفاء الوفاء للسمهودي 2: 1361

[7] صحيح البخاري: باب صلاة الاستسقاء 2: 32 الحديث 947

[8] http://www.youtube.com/watch?v=4SdsK33SFGc
 
[9] التوسل والوسيلة: لابن تيمية: 144-145 ط دار الآفاق سنة 1399ه

[10] تاريخ بغداد 1: 123 باب ما ذكر في مقابر بغداد.

[11] الزيارة ي الكتاب والسنة، جعفر السبحاني، ص9

[12] كامل الزيارات، ص40

[13] كامل الزيارات، ص40

[14] كامل الزيارات، 243

[15] سورة الأعراف، 146

[16] سورة يونس، 13

[17] من هدى القرآن،ج4، آية الله السيد محمد تقي المدرسي

[18] سورة هود، 101

[19] سورة المائدة، 8

[20] سورة البقرة، 233

[21] سورة القصص، 50

[22] الحاقة، 12

[23] الاختصاص:308

[24] نهج البلاغة، خطبة رقم192، د. صبحي الصالح

[25] سورة الجمعة، 2-4

[26] سورة البقرة، 78

[27] من هدى القرآن، ج1، آية الله السيد محمد تقي المدرسي

[28] سورة التوبة، 33 .









            (ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera


ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html

25 فبراير 2009

بيان لسماحة المرجع المدرسي دام ظله حول الاحداث الاخيرة في المدينة المنورة‎

بيان لسماحة المرجع المدرسي دام ظله حول الاحداث الاخيرة في المدينة المنورة‎
في بيان صدر عن سماحته حول الاحداث الاخيرة في المدينة المنورة
المرجع المدرسي يدين التعدي السافر على زوار الحرم المدني الشريف ويطالب بتحقيق عاجل في تلك الاعتداءات الطائفية

 أدان المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله الوارف) في بيان صدر من سماحته اليوم الاربعاء، أدان التعدي السافر على زوار الحرم المدني الشريف بالضرب و الإهانة مما أدى إلى شهادة عدد منهم و جرح آخرين، وطالب سماحته السلطات السعودية "بتحقيق سريع في تلك الاعتاداءات الطائفية و إدانة الجهات التكفيرية المارقة عن الدين و إجراء القصاص فيمن ثبت إدانته منهم".
وجاء في البيان: "إن هناك أيادي خفية تحاول تمزيق الأُمة، و إن اللامبالاة تجاهها تعرض أمن المنطقة بخطر عظيم".
وسأل سماحته الباري عزوجل في ختام البيان بأن "يتغمد الشهداء بواسع رحمته ويحشرهم مع النبي (صلى الله عليه وآله) و أهل بيته (عليهم السلام) وأن يمن على الجرحى بالشفاء و على المعتقلين بالنجاة، انه سميع الدعاء".

--------------------------------------------------------------
للاستفسار والمعلومات الاتصال على الارقام التالية
  07602002073- 07803889050 -  07702653994
اللجنة الإعلامية ـ مكتب المرجع الديني سماحة اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله الوارف).
الهاتف الارضي لمكتب سماحة المرجع المدرسي دام ظله (032320369  ).



            (ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera


ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html