السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

8 سبتمبر 2009

مقال قيم: ‏(المثالية والواقعية في الحراك السياسي لأهل البيت (ع)‏ )_ساهموا بنشره معكم لتعم الفائدة

المثالية والواقعية في الحراك السياسي لأهل البيت(عليهم السلام) (*)



http://www.14nooor.net/uploads/images/14nooor.net4c7d8362a8.jpg

الشيخ عباس السعيد 
‏14‏/09‏/1430 هـ

مقدمة

مع ازدياد التحديات السياسية التي تواجهها الأمة الإسلامية، يشتد الجدل حول رؤى ومناهج العمل السياسي ومدى أصالتها وشرعيتها، فقد أضحت مناهج العمل السياسي موضوعاً لجدلٍ واسع ونزاع شديدٍ لم تقف حدوده عند التجاذبات الاجتماعية، بل خلف انقسامات واضحة المعالم في أغلب المجتمعات التي تواجه التحديات والاختناقات السياسية.
ثمَّة سؤال محوري ومفصلي لا يزال موضوعاً للجدل في المنتديات والصالونات الخاصة ومحلاً للتجاذبات بين الناشطين والمهتمين بالعمل السياسي: هل نختار الواقعية السياسية كمنهج للعمل والممارسة في الساحة الإسلامية، أم نختار المثالية والقيمية في العمل والممارسة السياسية؟
إن الواقعية السياسية هي التي تراعي خصوصيات الواقع وتحترم ما فيه من معطيات، وتكون قراراتها ومسيرتها وفقاً لهذه المعطيات، ولهذا يقولون بأن الواقعية السياسية هي فن الممكن؛ فكل قرار له تأثيره على الواقع السياسي لا بد أن يلحظ الإمكانيات، ونقاط القوة ونقاط الضعف، ولهذا لا بد من الاعتراف بموازين القوى الموجودة في الواقع، فتكون الحركة والممارسة السياسية بناءً على العقلانية وبناء على الواقع وما فيه من خصوصيات ومعطيات، أما المثالية والقيمية السياسية هي التي تبدأ من القيم وتنتهي إليها بصرف النظر عن المعطيات والخصوصيات التي يفرزها الواقع الفاسد.
والترديد بين الواقعية السياسية وبين المثالية عادةً ما يرد في مقام حل النزاعات والصراعات السياسية، سواءً بين دولتين، أو بين دولة وحزب أو تنظيم، فحينها هل يُحل النزاع بناءً على أساس الواقعية السياسية، أم بناءً على المثالية؟
منظمة التحرير الفلسطينية حينما وقعت اتفاقية أوسلو مع إسرائيل وتخلت عن المطالبة بتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، كانت تتمسك بالواقعية السياسية، وهكذا تسويات عديدة لنزاعات وصراعات سياسية أُبرمت، وتجلبب أصحابها بجلباب الواقعية السياسية.
ولأن الإسلام له رؤيته وضوابطه في العمل السياسي، نحن بحاجة إلى أن نعرض كلا المنهجين على الإسلام ونصوصه، الأمر الذي يفرض علينا إعادة قراءة التاريخ والنصوص الدينية قراءةً جديدة تبلور الضوابط الدينية وتضع المعايير لتقييم الحراك السياسي بناء على الرؤية الشرعية.
حينما تختلف العقول تسطع بارقة الحقيقة، إلا أنها بحاجة إلى عقل مستنير يتلقفها ويتلقاها، وهذا شأنُ كثيرٍ من المذاهب الفلسفية التي أصابت جزءً من الحقيقة وضيعت الجزء الآخر، وهذا عينه يجري في الواقعية السياسية والمثالية حرفاً بحرف، ولذا ليس من الصحيح التعامل الحدي الذي لا يقبل إلا القبول المطلق أو الرفض المطلق، بل ينبغي الانفتاح عليها بعقلٍ متبصر ببصائر الوحي لنحدد موقف الإسلام حول الواقعية والمثالية السياسية، وهذا ما يمكننا من تقييم العمل السياسي للدول الإسلامية أو الأحزاب والحركات أو التيارات والجماعات بناءً على الرؤية الدينية.

الواقعية والمثالية في النصوص الدينية

وهنا نستعرض جملةً من الآيات القرآنية التي يمكن من خلالها أن نستوحي رؤية القرآن الكريم حول الواقعية السياسية والمثالية.

الآية الأولى

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)([1] حيث إن الضغوط الاجتماعية والسياسية التي مورست على حركة الرسول (ص) لم تكن ضغوطاً قليلة، ولهذا تشدد هذه الآية في نهي الرسول (ص) عن طاعة الكافرين والمنافقين وعلى ألا يتنازل الرسول (ص) عن القيم الرسالية ومسؤولياته الإلهية من أجل ترضية الكفار والمنافقين، وهذه الآية تبين -أيضاً- أن منهج الأنبياء والرسل والقيادات الرسالية هو وحي السماء، فالقيادة الرسالية لا تتحرك من خلال ضغوط الواقع فلا تقدم تنازلات على حساب القيم من أجل إرضاء الطغاة والكفار والمنافقين، وإنما تتحرك من خلال وحي السماء.
البعض يقول بأنه ينبغي على القيادة أن تتصف بالواقعية السياسية، فحينما تنسد الحلول السياسية ينبغي على القيادة أن تقدم تنازلات على حساب القيم وتتصف بالواقعية من أجل حل الأزمة، طبعاً في غير مورد التقية لا يجوز للقيادة الرسالية أن تتنازل من أجل إرضاء الطغاة والكفار والمنافقين، بل إن القرآن الكريم وسيرة أهل البيت (ع) تفند الواقعية السياسية بهذا المعنى -والذي تعني التنازل عن القيم من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية- وإنما القيادات الرسالية تتحرك من وحي السماء، بل إن وظيفة القيادات الرسالية هو أنها تتحرك من وحي السماء وضمن قيم الرسالة، فوظيفتها الإتباع، وليس ابتكار منهج حسب ما يتلاءم مع مصالحها، أو أن تجعل الوحي تبعاً لمصالحها فتلوي النصوص الدينية والتاريخ بما يتناسب مع مصالحها، فالمطلوب أن تتبع القيادة الوحي لا أن تجعل الوحي تبعاً لأهوائها ومصالحها.

الآية الثانية

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً)([2]) حيث أن الجهاد ومواجهة الكفار والمشركين في الأيام الأولى للإسلام كان انتحاراً سياسياً، ولهذا نهى رسول الله (ص) المسلمين آنذاك عن الجهاد والمواجهة، ولكن حينما تغيرت الظروف والإمكانيات جاء الأمر الإلهي بالجهاد، وهذه واقعية سياسية أشار إليها القرآن كانت تلحظ نقاط القوة ونقاط الضعف والمعطيات الخارجية وتحدد القرار السياسي بناءً عليها.
فالقرآن الكريم يؤيد الواقعية السياسية بمعنى التدرج في العمل والممارسة السياسية بحسب الظروف وبحسب الإمكانيات، حيث كان يراعي الخصوصيات الراهنة للواقع الاجتماعي، ولكنه في ذات الوقت لا يقبل التنازل عند القيم والمبادئ إلا في حدود التقية والخوف على النفس.

الواقعية والمثالية في سيرة الأئمة (ع)

إن الأئمة (ع) مثلوا حقيقة الإسلام ومنهجه في حُقبٍ زمنيةٍ مختلفة، كانوا فيها روّاداً للتغيير الجذري والإصلاح الشامل، والأئمة (ع) وإن كان أغلبهم لم يحكم الأمة سياسياً، إلا أننا نتمكن من قراءة منهجهم السياسي بناءً على مواقفهم السياسية، فالرؤية الصحيحة للتاريخ والقراءة الواعية لسيرة أئمة أهل البيت (ع) هي الخطوة الأولى للتحرك الصحيح.
وهنا يبرز سؤالٌ هام من أجل قراءة المنهج السياسي للأئمة (ع) قراءة صحيحة: هل كان الأئمة (ع) يسلكون مسلك الواقعية السياسية في التغيير والإصلاح، أم كانوا يسلكون مسلك المثالية والتمسك بالقيم مهما تكون النتائج؟

الممارسة السياسية لأمير المؤمنين (ع)

لا شك أن الممارسة السياسية لأمير المؤمنين علي (ع) كانت التجربة الأبرز من بين الأئمة (ع)، ولهذا لا بد أن نأتي إليها ونبدي الاهتمام والجدية، والذي يتأمل سيرة الأمير (ع) أيام خلافته خصوصاً يجد فيها عدة مواقف تسترعي الانتباه والتوقف.
حينما تسنم أمير المؤمنين (ع) سدة الحكم صادر جميع القطائع والأموال التي أعطاها الخليفة الثالث عثمان للطبقة الثرية، فقال أمير المؤمنين (ع) كلمته المشهورة:
"أيها الناس إني رجل منكم لي ما لكم وعلي ما عليكم وإني حاملكم على منهج نبيكم ومنفذ فيكم ما أمره، إلا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء وملك الإماء وفرق في البلدان لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق".
ولا شك أن السياسات الاقتصادية للخليفة الثالث خلفت أمراً واقعاً من الصعب تجاوزه، إلا أن أمير المؤمنين (ع) لم يسلم بهذا الواقع وإن استلزم الأمر الاصطدام والمواجهة، وهكذا قال أمير المؤمنين (ع):
"أتأمرونني أن اطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ والله لا أطور به ما سمر سمير، وما أم نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله؟".
ولأن الممارسة السياسية لأمير المؤمنين (ع) كانت قيمية، قالوا بأنه (ع) لم يكن يمتلك الواقعية والحنكة والعقلانية السياسية، بل اتهم أمير المؤمنين (ع) بالتهور في كثير من ممارساته السياسية فقط لأنها كانت قيمية، لهذا قالت فاطمة (ع):
"ما الذي نقموا من أبى حسن؟! نقموا و الله منه شدة وطأته و نكال وقعته و نكير سيفه و قلة مبالاته لحتفه و تبحره في كتاب الله و تنمره في ذات الله". ([3])
ولهذا إذا كانت الواقعية السياسية تعني التغاضي عن القيم حينما تتعارض مع المصالح أو مع خصوصيات الأوضاع الراهنة فهي مرفوضة في منطق علي (ع).

الممارسة السياسية للإمام الحسن (ع)

وهكذا نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى الممارسة السياسية للإمام الحسن (ع) خصوصاً في قضية صلحه مع معاوية حتى نحدد ما هي الواقعية السياسية التي انتهجها الإمام الحسن (ع) في مقام حله للصراع والنزاع مع معاوية، وما هي المثالية والقيمية التي برزت في الممارسة السياسية للإمام الحسن (ع).
حينما نأتي ونتأمل في صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية نجد أنه كان يعكس واقعية وحنكة سياسية حيث أن الإمام (ع) تعامل مع خصوصيات الوضع الراهن بواقعية، ولاحظ نقاط الضعف في جبهته، كما لاحظ نقاط القوة في جبهة معاوية، واختيار الصلح واستبعاد خيار المواجهة كان ينبع من تشخيص دقيق لأوضاع المجتمع وللمتغيرات التي تمر بها الأمة، وحينها كانت المواجهة مع معاوية ستؤدي إلى نتائج مريرة لجبهة الإمام الحسن (ع)، بل كانت ستؤدي إلى تسديد ضربة موجعة للمجاهدين والرساليين الذي كانوا مع جبهة الإمام الحسن (ع)، ولهذا صالح الإمام الحسن (ع) وحافظ على شيعته.
ولكن في الوقت الذي كان الإمام الحسن (ع) واقعياً في تعامله مع معاوية نجده في المقابل كان متصلباً في مبادئه، حيث أكد في بنود الصلح مع معاوية على أن يسير معاوية بكتاب الله وسنة النبي (ص) وسنة الخلفاء الصالحين الذين يقيمون العدل، كما أكد على رجوع الخلافة له (ع) وإلى الإمام الحسين (ع) من بعده، وأن يترك سب أمير المؤمنين (ع)، وألا يتعرض إلى الشيعة أو يضيق عليهم أمنياً، ومبدئية الإمام الحسن (ع) لم تقتصر على بنود الصلح، بل كانت السمة العامة التي اصطبغت بها مواقفه مع النظام الأموي.
فالواقعية السياسية عند الإمام الحسن (ع) لا تعني التنازل عن الأهداف الكبرى وعن قيم الرسالة، وإنما كان الإمام (ع) متصلباً في القيم، وحتى الخلافة ليست هدفاً وإنما هي وسيلة من وسائل تطبيق القيم، ولهذا قد تقتضي الواقعية السياسية التنازل عن بعض الوسائل تبعاً للظروف والخصوصيات.
ولهذا فأئمة أهل البيت (ع) مزجوا بين المثالية وبين الواقعية، فهم من جهة تمسكوا بالقيم؛ فلم يرضوا بظلم، ولم يعطوا الشرعية للنظام الظالم، ولم يتخلوا عن مسؤولياتهم التي تفرضها عليهم الشريعة، وكانت أهدافهم مستمدة من الوحي، فلم يلغوا الأهداف العليا من خطاباتهم تمسكاً بالواقعية، بل إنهم (ع) وإن لم ينخرطوا في مقاومة خلفاء بني أمية وبني العباس إلا أنهم لم يدينوا المجاهدين، بل على العكس تماماً، باركوا الحركات التغييرية التي قادها زيد وغيره، والتي كانت تستهدف إرجاع الحق إلى أئمة أهل البيت (ع)، ومن جهة أخرى كانت الممارسة السياسية للأئمة(ع) تتسم بالواقعية ومراعاة الظروف الموضوعية وخصوصيات الأوضاع الراهنة.

الممارسة السياسية عند المسلمين بين الواقعية والمثالية

وإذا نظرنا إلى واقع الممارسة السياسية في واقع الأمة الإسلامية نجد أنها تتراوح بين تطبيق الواقعية السياسية وبما لها من معانٍ سلبية، وبين تطبيق المثالية السياسية التي تعتمد على الصرامة في تطبيق القيم والمبادئ، وبين الاتجاهات التي تحاول أن تمزج وتزاوج بين المثالية والواقعية السياسية.
وهكذا الفهم والتقييم الاجتماعي للممارسات السياسية التي يصدرها الواقع، نجد أنها تتراوح أيضاً بين الواقعية السياسية وبين المثالية، ولهذا تجد أن الواقع مليء بالتجاذبات التي تصل إلى درجة التناحر والتشرذم بسبب الاختلاف على بعض الممارسات السياسة، والتي تنبع من هذه النقطة المحورية: هل نعتمد على الواقعية السياسية وفن الممكن ونتحرك بحسب ما تسمح به الظروف وخصوصيات الأوضاع الراهنة، أم نتحرك بحسب القيم والمبادئ والتي هي كفيلة بتغيير الأوضاع الفاسدة؟ أو نمزج بين هذا وذاك؟
خلال العدوان الإسرائيلي على غزة وبعده ازدادت رقعت الخلاف بين من يرى الواقعية السياسية، وبين من يرى المثالية القيمية، وتحديداً بين حركة المقاومة الإسلامية حماس، وبين حركة التحرير الفلسطينية فتح؛ فكانت فتح ترى بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يمكن أن يكون بعيداً عن التسليم بالحقائق الواقعية، حيث ينبغي التعامل مع قوى الاحتلال على أساس كونها قوة إقليمية عظمى، وأن الزمان هو زمانها، وبالتالي لا مفر من التفاوض معها، بدلاً من المقاومة ورفع الشعارات الجوفاء والتهور والتي تؤدي إلى خسارة مادية وبشرية كبيرة بدون تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
أما حماس فترى بأن الصراع والمواجهة مع إسرائيل هو أمرٌ لا بد منه، وأن القوي مهما كان قوياً لا يمكن أن يحافظ على قوته إلى الأبد، ولهذا لا بد من المدافعة والمقاومة ودفع التضحيات، أما المفاوضات واستجداء الرأي العام ليس إلا إراقة لماء الوجه، فالشارع الدولي قد يتعاطف مع الضحية ويذرف معها الدموع، إلا أنه لا يقيم وزناً إلا للقوي، بل حتى إسرائيل لا يمكن أن تجدي معها المفاوضات بدون قوة وبدون ورقة ضغط تجبرها على قبول التسويات، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المسلوبة.

وقفة مع الواقعية السياسية

ولو جئنا إلى الواقعية السياسية كمسار موجود في الأمة الإسلامية، وأردنا أن نحاكمه ونقيمه بناء على الثوابت الدينية، لوجدنا بأن الواقعية السياسية كتطبيق فيه كثير من السلبيات وعليه كثير من الملاحظات، حيث قد تتجاوز كثير من القيم الدينية بذريعة الواقعية السياسية، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً.
فالواقعية السياسية ينبغي ألا تعني الاعتراف بشرعية النظام الظالم وإضفاء الشرعية على وجوده، كما وقعت في ذلك حركة فتح، وهذا الأمر تجده في صلح الإمام الحسن (ع) حيث لم يعطي الشرعية لحكم معاوية بل إنه فضح هذا النظام وعرّاه أمام الملأ في مناسبات متعددة.
وهكذا من ينادي بالواقعية السياسية ينبغي ألا يدين المجاهدين الذي يتحملون مسؤوليتهم الدينية والرسالية في الإصلاح ومدافعة الظلم، وهذا ما نجده حينما تتحمل حركة المقاومة الإسلامية حماس مسؤولية مقاومة كيان الاحتلال الغاصب، ترى بأن هناك من يُحمّل حماس الأضرار المادية التي خلفها العدوان على غزة، ويصفها بالتهور والطيش واللاعقلانية، مع أنها تحملت مسؤوليتها في الجهاد، فباسم الواقعية السياسية يدان المجاهدون المقاومون الذين يتحملون مسؤولية الإصلاح والتغيير، كما ينبغي على من يسلك مسلك المثالية في العمل السياسي ألا يتهم الآخرين بالعمالة والانهزامية إن هم أدَّوا مسؤوليتهم الوطنية والاجتماعية.
وهكذا الواقعية السياسية ينبغي ألا تعني تمييع الأهداف الكبرى من باب التسليم بالأمر الواقع، كما وقعت في ذلك بعض الحركات والتيارات الإسلامية حينما استبدلت أهدافها الكبيرة بالفتات من الأهداف.
والمشكلة في أصحاب الواقعية السياسية الاستمرار في مرثون المفاوضات مدة طويلة، حتى وإن لم يحققوا نتائج ملموسة، كما هو الحال مع فتح، حيث تنصل الكيان الغاصب من كل الوعود والعهود والاتفاقيات، فالعدو لا يعترف إلا بالقوي، ولا يمكن له أن يقدم تنازلات إلا أمام الأقوياء، ومن الخطأ أن يتعامل دعاة الواقعية مع القوي بواقعية، لكنهم يستأسدون مع الآخر الذي يختلفون معه في الداخل!

خاتمة

 لا شك أن التنوع في العمل والاختلاف في أساليب العمل السياسي أمرٌ لا بد منه بل هو أمرٌ ضروري، لكن الكلام حينما يكون هناك صراع بين من يتبنى الواقعية السياسية وبين من يتبنى المثالية، حيث ينبغي ألا يتحول الخلاف في النظرة وفي المنهج إلى صراع يدمر القوة الذاتية للمجتمعات، بل لا بد أن يكون هنالك اتفاق على أن تعدد الأساليب يخدم المصلحة العامة للمجتمعات وللأمة، ولكن بشرط ألا يكون هناك إخلال بالثوابت العامة والقيم المشتركة.


(*) المقال صياغة سماحة الشيخ عباس السعيد لخطبتي الجمعة التي القاهما في تاريخ 14-9-1430 هـ وروابط الخطبتين:

عنوان الخطبة (1) المثالية والواقعية في الحراك السياسي لأهل البيت (ع)
http://www.mediafire.com/?yqzmqz02nyw

عنوان الخطبة (2) قطيعة الأرحام: الأسباب والعلاج
http://www.mediafire.com/?mz1gotzzzyz

كليهما
http://www.mediafire.com/?w2ymmmmmttm
[1] سورة الأحزاب/ 1-2
[2] سورة النساء، 77
[3] دلائل الإمامة: 125، الاحتجاج 1: 147


            (ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera


ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق