السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

4 فبراير 2012

كلمة الجمعة (الكرامة أولا وأبداً)_لسماحة الشيخ حبيب الخباز حفظه الله_ساهموا بنشره معكم


"الكرامة أولا وأبدا"


الشيخ حبيب الخباز 3 / 2 / 2012م
 https://fbcdn-sphotos-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/421270_363990046963019_227320773963281_1301376_330502679_n.jpg
التأكيد على شعار الوطن والوطنية في ظل سياسات الحكومات المستبدة وأجهزتها الإعلامية فيها من المبالغات والمزايدات، وقد يكون الهدف منها هو التأكيد على الولاء لهذه الحكومات وتحقيق أمنها الذاتي وكذلك تشويه صورة أي معارضة ونقد أو إصلاح، وقمع كذلك لأي حركة ونهضة وثورة من أجل الكرامة.

وهنا نتساءل أمام هذه اللغة والإفراط في استعمالها وإشهارها هل حب الوطن يحتاج إلى إثبات؟ أم هو مرتبط بكرامة الإنسان، فان تحققت يصبح الوطن ذا قيمة وإلا لا خير في الأوطان إلا من أراد الذل والهوان، والقبول بأدنى الحظوظ من العيش دون الطموح والتطلع إلى الأمام، وكما يقول الإمام علي (لا يدفع الضيم الذليل) .


إن حب الأوطان وعشقها من الأمور الطبيعية كأي شيء يعتاد عليه الإنسان ويألفه، فكيف إذا كان الوطن هو مسقط رأسه ونمى في ربوعه وشم هواه واختلط بنسيجه الاجتماعي.

ولذلك قيل لا يلام الرجل على حب أمه وقومه، ولذلك من الصعب التخلي عن الأوطان والهجرة عنها إلا إذا عانى الإنسان من المشاكل والضغوط والإكراه وهي حالات استثنائية، كما يقول الشاعر مبينا عمق التأثير لهذا الانتماء للوطن:

بلادي وان جارت علي عزيزة             وأهلي وان بغوا علي كرام

ولهذا السبب والحالة نجد بعض العقول والكفاءات والشخصيات الواعية لا تحتمل العيش في أوطانها بالرغم من تلك الصعوبة والمرارة والإحساس بالحسرة والفراق من الغربة، ومع ذلك تفضل الغربة على الوطن.

وهذه الحقيقة أشار إليها القرآن وأكد على مشروعيتها وقد تكون مسؤولية على عاتق الإنسان، فلا يجوز للإنسان أن يعيش قابعاً أسيراً مقيدا للظروف والتبعية للناس والنظام الفاسد، خصوصاً عند الشعور بفقدان الكرامة، بل لابد من الإصلاح والتغيير عند القدرة وإلا لا يجوز بحال الاستسلام وتقديم التبريرات والتعليلات. قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) النساء97.

إن التلويح بهذا المصير للمتقاعسين والمستسلمين للواقع الفاسد يدل بالضرورة على القدرة والإمكانيات على التغيير والإصلاح والأمر بالمعروف، أي القدرة على حمل المسؤولية بما أنعم الله على الإنسان من عقل وإرادة وإمكانيات، لكن في الواقع نجد الكثير من الناس والمجتمعات تتملص من مسؤولياتها وتخضع للواقع وتساهم في تكريس الظلم والفساد، ولا يستجيبون إلى نداء ودعوات الإصلاح.

إذا الاستضعاف قد تكون نتيجة مشتركة من الظالم والمظلومين وذلك حين يتركون واجبهم، نعم هناك حالات استثنائية من المستضعفين وهم الذين يفتقدون إلى الوعي والقدرة على الحركة والنهوض من النساء والأطفال والشيوخ، (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) النساء98، أما مع عدم القدرة على الخروج والهجرة من الوطن لأي سبب فيجب أن يتحملوا مسؤوليتهم في داخل البلاد مع قدرتهم على ذلك، ونصرتهم للحق والدعوة والتغيير كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال72، وهكذا فالقرآن يؤكد على حتمية التغير عبر كل الوسائل، كتشكيل معارضة وتظافر الجهود في الداخل والخارج. أي لا بد من وجود مساهمة حقيقية والتحرك حسب القدرة والفرص المتاحة من قبل الجميع الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها ووسعها.

من هنا جاء التأكيد على الحركة والتفكير في خلق الفرص والنظرة الواسعة للحياة والآفاق من اجل سعادة الإنسان وتحسين وضعه ولا يستسلم للقدر (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك 15. (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) العنكبوت 56 (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر10.

ولذلك فان من أهم المبررات للجهاد في سبيل الله هو رفع الاستضعاف عنهم وتحقيق كرامتهم، وان مثل هذا من الجهاد لا يحتاج إلى أوامر كفتوى أو ترخيص من جهة لأنه من الواجبات الضرورة مثل الدفاع عن الدين والحرية والعيش الكريم والتي تعتبر من الأساسيات ومقومات الحياة، كما تشير الآية الكريمة بأسلوب الاستنكار والتوبيخ «أي لا مانع لكم من القتال والجهاد من أجل المستضعفين (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) النساء75.

شهداء الكرامة هم شهداء الوطن

إذا التضحية من اجل الكرامة هو جهاد في سبيل الله ومن اجل الوطن، من خلالها تتحقق هوية الإنسان ووطنيته، وإذا صح هذا الخبر بأن «حب الوطن من الإيمان» لا يمكن أن يكون مجرد عن الكرامة والحياة الكريمة، ومن هو العاقل والواعي الذي يحب وطنه يتشبث به وهو لا يجد فيه سبل الحياة والعيش طريق لتحقيق الأهداف، وما الذي يدعو أصحاب العقول والكفاءات للتخلي عن أوطانهم والمنأى عنه، من هنا نقول أن المعيار السوي لاختيار الأوطان هي ضمان الكرامة الإنسانية فهي سبب للحب والبقاء والدفاع وبدون ذلك فلا قيمة ذاتية للوطن ومصلحة سوى بقاء الذكريات لحياة الصبى والطفولة، مثل التنقل في مراحل الدراسة بين مدرسة واخرى. وفي الحديث (إن الناس جبلوا على حب من أحسن إليهم وبغض من أساس إليهم).

فالوطن الذي لا يمنح السعادة لأبنائه يصبح سجنا ويضيق ذرعا، وهذا ما تؤكد عليه الكثير من الأحاديث منها " ليس بلاد أفضل من بلاد خير البلاد ما حملك".

الرسول الأعظم والهجرة المقدسة:
وتأكيد على هذه الحقيقة هي هجرة الرسول من مكة المكرمة حين وجد نفسه مكبلا من قبل قومه المشركين، ومكة هي العزيزة على قلبه ومسقط رأسه ومهبط وحيه، لكن الشعور بالمسؤولية والواجب فوق كل اعتبار وقيمة، ونتساءل هل هذه الهجرة تدل على الكراهية بدل الحب للوطن، أم هي تحقيق للحب الصادق والمواطنة الصادقة التي تتطلب التضحيات. ولذلك كانت الهجرة سببا للفتح الكبير.

الحكومات الجائرة وشماعة الوطن
من هنا نعرف تلك الأهداف والسياسات من قبل هذه الحكومات التي تؤكد على الوطن والمواطنة وهي تريد بذلك التأكيد على الخضوع والطاعة والولاء لها دون أن تعبأ بحياة الإنسان وأوضاع الناس وكرامتهم في الحياة، ولا يهمها سوى الاطمئنان على أمنها وتزييف الحقائق في سبيل ذلك، وتنكل بكل من ينتقد سياستها أو ينشد الإصلاح، فهل كان هؤلاء الشرفاء لا يحبون أوطانهم إذا من يحب وطنه؟!

ولذلك ليس غريبا ومن السهل إلصاق التهم وتشويه الصورة لكل من يحمل راية الإصلاح ويسعى من اجل الدفاع عن وطنه ورفعته بكل أنواع التهم والخيانة والمؤامرة وهذا في الواقع هو انقلاب في الصورة والحقيقة.

وهذا هو ديدن الطغاة عبر التاريخ، حيث يسعون لتأليب الناس والتأثير عليهم تحت هذا الشعارات والمفاهيم المغلوطة وعلى سبيل المثال لا الحصر، فهذا فرعون الطاغية يتهم موسى ع وهو النبي والرسول والمبلغ والهادي والمصلح، فيقول "(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أو أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر 26 كما أتهم نبينا الأكرم ص بالسحر والجنون وهو من جاء ليخرجهم من الظلمات إلى النور.

ولذلك تسعى الحكومات بكل الوسائل للحد من تأثير الصحوة واليقظة بخلق ثورة مضادة عبر منظومتها الإعلامية بالتأكيد على مفهوم الأمن والاستقرار والحفاظ على الانجازات ومن هذه الوسائل:

1 - الهيمنة والسيطرة على وسائل الإعلام المختلفة والمناهج لتكريس هذه المفاهيم المضادة حسب رؤيتها وسياستها.

2 - استغلال الدين والعلماء لتبرير وشرعنه هذه السياسات والمفاهيم لتصبح سياجا ومانعا من كل الاختراقات والتأثيرات الفكرية والسياسية وكذلك التربص للنيل من كل المصلحين.

3 - بالإضافة إلى هذا الإرهاب الفكري والإعلامي لا تتوانى هذه الحكومات والأنظمة من استخدام القوة المفرطة ووسائل القمع وترهيب الناس بالقتل والتنكيل والمحاصرة والضغوطات والسجون والمنع من السفر وكافة الإجراءات التي تضمن الاستقرار حسب مفهوما.

إن سياسة التكميم للأفواه باتت وسائل معروفة ومفضوحة وإجراءات تعسفية في ظل هذه الحكومات حتى عرفت بدول الصمت.

الثورات العربية والكرامة المسلوبة
ومن الطبيعي أن الحكومات المستبدة المتبقية غير راضية بما حدث من ثورات وشهدت من تحولات في الوطن العربي، وتعتبر ما حدث هو فوضى ومؤامرة وأحيانا تصف ذلك بالتهور، مع أنها كانت سلمية وانطلقت من أهداف واضحة للجميع وذلك بسبب الظلم والحرمان والقهر وانحطاط كرامة الإنسان والتخلف العام.

فهل يمكن الحكم على هذه الثورات الجماهيرية والشعبية بأنها خيانة ضد الأوطان أم أنها ثورات حقيقية ضد سياسات الاستبداد والحرمان والدفاع عن الأوطان والتخلص والتحرير من الطغيان. ولذلك هي ثورات الكرامة المسلوبة على مر عقود من الزمان.

الوطن بين الانتماء والولاء:
ومن المفاهيم المغلوطة والتي تحاول الأنظمة الفاسدة تمريرها على الناس هي تهمة الولاء، أي التشكيك في ولاء المصلحين والغيورين، بأن ولاءهم للخارج وليس للوطن. وهذا غير صحيح بل هي لعبة وخلط للمفاهيم وكذلك تكريس إلى روح الطائفية المقيتة، وهذا التعسف في تقديم وتلفيق التهم خالي من الشواهد والبراهين لأنهم يفتقد إلى المصداقية والموضوعية، لكن مع ذلك فان هذه الأنظمة لا تتورع عن استخدام كل الأساليب التي تصب لصالحها وتحاول أن تؤلب الناس وتجيرهم ضد أعدائها وخصومها حسب زعمها.

من هنا لا بد من التفريق والتمييز بين ا لانتماء إلى الأرض أو فئة أو جماعة معينة لأسباب قد تكون قاهرة وخارجة عن إرادة الإنسان مثل التنشئة والولادة في بلد معين، أو يكون مع جماعة في العمل أو في فصل آو مدرسة في مرحلة من المراحل ثم ينتقل منها، كل ذلك تعبير عن الانتماء وليس له علاقة بالولاء الذي يرتبط عادة بالدين والاعتقاد والقناعات الشخصية، ولذلك يمكن أن يعيش الإنسان وينتمي إلى وطن متعدد الولاءات والأديان وكذلك الجنسيات ومع ذلك فهو يقوم بوظيفته وواجبه ومسؤولياته، من حفظ النظام والسعي نحو تحقيق المصالح العليا، والافتخار ببلده وتمثيلها أحسن تمثيل، خصوصا إذا شعر بدوره وقيمته وكرامته، فلا تعارض بين الانتماء والولاء.

ونجد مثل هذه المشكلة تتضخم وتقبع وتأخذ أبعاداً منحرفة بسبب السياسات الخاطئة والظلم، ولذلك إن هذه المشاكل لا تجدها في تلك الدول الديمقراطية، مع كثرة واختلاف الأديان والتيارات والثقافات، سواء كانت دول غربية أو إسلامية مثل الهند وماليزيا وإندونيسيا، لأنها أولا تحترم خصوصية الإنسان وحريته في قضية الولاء والعقيدة، وثانيا لأنها حكومات منتخبة تعبر عن جميع الطوائف والاتجاهات عبر تمثيلهم في البرلمانات ومجالس الشورى والمشاركة في الحكم حسب الدستور والقوانين التي وضعت، واحترام العقد بين هذه الحكومات وشعوبها، وبسبب ذلك فهي تنأى عن مثل هذه المشاكل التي تعيق حركة الشعوب وتقف عقبة أمام تطورها وتقدمها وتنميتها.

أما السؤال المحير هو: لو قلنا بوجوب الولاء للوطن والحاكم فهل للإنسان المسلم الذي نشأ وانتمى في بلد غير مسلم أن يدين بذلك النظام ويخضع له ويطيع أوامره في كل شيء حتى يثبت ولاءه؟

وبالرغم من إن مسألة الاختلاف في الولاءات لا تتعارض مع الانتماء وحب الأوطان، بل يعد هذا التنوع والاختلاف في الولاءات والقناعات حالة ايجابية تثري الحياة، وتشجع الناس على التفاهم والحوارات وتنمية المعارف وتوسيع دائرة العلاقات الإنسانية، بحيث لا تستطيع أن تفرق بينهم إلا من خلال تميزهم في العمل والكفاءة، فلا فرق بين ابيض أو اسود ولا مسلم ولا مسيحي ولا يهودي، فهم يتفقون جميعهم على العيش المشترك ووحدة الهدف وقاعدة الاحترام. ويرفضون التمييز ويعتبرونه حالة شاذة وانحراف عن العلاقة السوية.

إذا لا بد من القول بأن هناك أهداف سياسية هي التي تخلق هذه المشاكل، عند الظروف التي تواجه هذه الحكومات وعند الأزمات والتحديات لتبرر مسؤوليتها.

خلاصة: نقول أن الشعور بالوطن والوطنية هو شعور ينمو في الإنسان من خلال إطار الحقوق والواجبات والتي تكفلها تلك السياسات الحكيمة والعادلة وليس من خلال سياسات التمييز والقهر والحرمان وسياسات الاستبداد والتي تمزق المجتمع وتحاسب الناس على ولاءاتهم بدل من التأكيد على انتمائهم وتفاعلهم وكفاءاتهم ودورهم ومشاركتهم.

ولذلك أن هذا الاتهام للمواطنين بالولاء للخارج هي قضية سياسية تهدف إلى خلط الأوراق والمفاهيم، وتزييف للحقائق، ويراد منه نقل المشكلات والأزمات الأساسية في البلاد وتصديرها للخارج، وكان الأجدر هو تصحيح السياسات والتأكيد على الانتماءات وتبني خيار الوطنية على أسس سليمة ومقومات حقيقية قائمة على أساس الاحترام والعيش المشترك والشراكة الحقيقية في الوطن، فالمطلوب في النهاية هو التعايش والسعي لتحقيق الرفاهية والانجازات التي تليق بكرامة الإنسان.

معايير الكرامة الإنسانية وتحقيق المواطنة:

أولاً - الحرية الدينية والمعتقد:
فهذه قضية أساسية وحضارية، فلا أحد في الحياة كفرد أو جماعات وطوائف تعيش بلا دين ومعتقد، من هنا اتفقت الشرائع السماوية والحياتية من الدساتير والقوانين على احترام هذه الخصوصية، في كل بلد، فلا يجوز المساس أو التهاون بهذا المبدأ، وبناءا على ذلك من حق كل إنسان أن يمارس حريته في التعبير عن هذه العقيدة، دون إلحاق الضرر بالآخرين، فهذا مقتضى الحرية، أما الحكم على ذلك من حيث الصحة والفساد ليس له مدخليه وأمر ذلك إلى رب العباد الذي يحكم على الناس بما اختلفوا فيه، وهذه الحقيقة واضحة المعالم حتى في سيرة الأنبياء والرسل.

أما محاربة الكفار والمشركين أبان الدعوة الإسلامية وتكسير الأصنام كان الهدف منه تبليغ الإسلام بعد الفتور الطويل من بعثة الرسل، وكذلك التأكيد على كرامة الإنسان، وحينما صدع الرسول بالرسالة وتمت الكلمة لم يتعرض احد إلى الغزو، بل كانت راية السلام هي المرفوعة، وفي الحقيقة كانت هذه الحروب والغزوات هي الدفاع ونصرة المستضعفين في الأرض، الذي لا يستطيعون مواجهة أقوامهم أو نقد عقائدهم على ما عليها من الضلال، فكانت الحكمة والمصلحة الواجب هو إنقاذهم وتحريرهم وهدايتهم من الظلمات إلى النور، أما المبدأ العام والأصل هو احترام عقيد الإنسان وعدم التعرض لأحد يقول تعالى «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» ويقول «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر»، ويؤكد على الرسول ودعوته بالالتزام بهذا المبدأ «(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) ق45.

إذا الإسلام يؤكد على هذا المبدأ ويعتبره من أهم الحقوق التي يجب المحافظة عليها، من هنا شرع الجهاد ضد أعداء الأمة من أجل حفظ والدفاع عن بيضة الإسلام، (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة24، وهذه الآية كما أشار إليها المفسرون تعني بالجهاد الدفاعي وليس الجهاد الابتدائي، ليصبح الجهاد عينا على كل الناس، وهذه الحكمة من مشروعية الجهاد والدفاع تقتضي احترام عقائد وطوائف المسلمين، مهما كان بينهم من اختلاف للعلة نفسها وإلا تعرض بعض المسلمين وطوائفهم إلى الخطر نفسه.

بل قد يكون الخطر الذي يأتي من داخل الدائرة الإسلامية أعظم واشد، وذلك لاجتماع المسلمين والأمة على عدوهم الخارجي من الكفار وغيرهم، بينما الصراع بين المسلمين انقسم مآله إضعاف الأمة وتشتيت قواها والطعن في هويتها ومصداقيتها وهو ما حذر منه القرآن (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال46، نعم إن الاختلاف بين طوائف المسلمين واجتهاداتهم يقتضي بالضرورة الحوار والحكمة للوصول إلى الحقيقة ورفع الاختلاف والالتباس، والمحافظة على جمع الكلمة والوحدة الإسلامية لتنهض بمسؤوليتها، وهذه الغايات كما ترى هي من أعظم الواجبات وهي أولى ومقدمة لجهاد العدو، وإلا حلت الكارثة بهذه الأمة واستضعفت نفسها، فتتكالب عليها الأمم الأخرى، وهذا هو ما حصل بالفعل، بسبب التفرقة وسياسات الطائفية التي تشهدها الأمة في اغلب بلادها فما هي النتيجة؟

إذا هذه المخاطر تقوض كل المبررات والشعارات والأساليب التي تنتهك الحرمات والإعراض وتتعرض إلى الممتلكات وكل الأساليب الإرهاب من قتل وتشريد وتهديد وسجون ضد الناس باسم الدين وإلقاء التهم والحكم على الناس المسلمين بالتكفير والضلال. لأن تكفير الناس واتهامهم والطعن في نواياهم من اكبر الذنوب والمعاصي والانحرافات ففي الحديث «من كفر مسلما فقد كفر». وآخر «للمسلم للمسلم حرام دمه وعرضه وماله».

إذا القاعدة الصحيحة لتحقيق التعايش والوحدة الوطنية هو الاحترام والالتزام بالقوانين الحضارية والإنسانية مع البشر، ومع المسلمين بشكل خاص للتأكيد عليه ضمن الحقوق والواجبات الإسلامية في القرآن والنصوص.

سنة الاختلاف في الحياة:

وهنا مسألة توضيحية بان الاختلاف بين الناس في كثير من الأمور خصوصا في المعتقدات والآراء والاجتهادات تعتبر مسألة طبيعية وسنة حياتية تقتضيها المصلحة والحكمة الربانية من فلسفة الخلق والحياة وهي الابتلاء والصبر على الناس وكذلك المسؤولية والسعي والحرص على الهداية، وليس الإقصاء وفرض الرأي بالقوة، فالرسول إنما بعث رحمة للعالمين، وهذه الرحمة تقتضي الرفق واللين والسماحة يقول تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء107 ويقول أيضاً (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران159.

ويؤكد القرآن على النهج السوي في الدعوة والتبليغ الهداية (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل125 هذا مع الأديان المختلفة عن الإسلام، فكيف بأهل الملة والطوائف الإسلامية، تكون من باب أولى (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة128، وهي إشارة بان مهمة الرسول هي الاقتصار على التبليغ وإلقاء الحجة ليس أكثر، فكيف بغيره يقول تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) الشورى48 .

(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) النساء80 (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) الأنعام107، إذا من الطبيعي أي يسود هذا الاختلاف لأنه يعبر عن سنة في الحياة لاختلاف مدارك الناس وما يحيط بهم من تأثيرات وعوامل مختلفة تاريخية ووراثية واجتماعية وميولات وأهواء، يقول تعالى(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود118، لكن المسالة الضرورية والهامة كيف نواجه هذا الاختلاف دون إلحاق الضرر بالناس وأهانتهم والحط من قدرهم والنيل من كرامتهم، ذلك يكون من الصبر والحكمة والأخلاق الفاضلة، يقول تعالى (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) الفرقان20

خلاصة إن سيرة الرسول الأكرم في الدعوة ومواجهة الخصوم كانت قمة في التعامل والأخلاق، وهي دروس للعبرة والتأمل وتحقيق الانتصارات والانجازات على كل الصعد، فلنتأمل ونعتبر.

ثانيا: ترسيخ مبادئ العدل والمساواة:

فيجب محاربة سياسات التمييز بمختلف أشكاله، والتفرقة بين الناس على أسس باطلة، والحكمة تقول «الحكم يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم»، «والعدل أساس الحكم»، ولذلك فان من أهم وظائف الدولة والحكومة هو ترسيخ قاعدة العدل لتحقيق الأمان والمساواة والاستقرار النفسي والاجتماعي، والسياسة والوطنية الصحيحة هي التي تبرز عناصر قوتها من خلال تحقيق النظام العادل الذي لا يبخس أحدا وخلق التنافس الايجابي، ولذلك نقول أيضاً إن سياسات الحرمان والتهميش من عوامل ضعف الوحدة الوطنية، فالشعور بالغبن هو شعور ضد الكرامة وعندها لا يبقى شيء يمكن التعويض عنه. يقول الإمام علي «القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له»، فلا اعتبار لمفهوم الأكثرية أو الأقلية ولا المحاصصة، إذا كان ذلك يتعارض مع مبدأ العدل والمساواة.

والسؤال كيف يمكن قيام النظام العادل مع عدم وجود الاستقلال في السلطات التي تضمن حقوق الناس والجميع «أي وجود السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية»، وكذلك حرية الرأي والنقد والمعارضة؟

ثالثا - المشاركة السياسية «شركاء في الوطن».

إن الدول الديمقراطية قائمة على أساس المشاركة السياسية والتداول للسلطة حسب الأنظمة والدساتير والقوانين، ولذلك من الصعب لجهة أو حزب أو فئة وطائفة التفرد بالحكم والتصرف بلا حساب وقيود. وبذلك يضمن المواطنون في الغالب حقوقهم. أما في الأنظمة المستبدة فان الحكم بيد القوة المسيطرة «أي من جاء بالقوة»، ويستمر هذا الحكم ما شاء له من الزمان والسنين، إذا لم يعترض طريقه شيء.

فيصبح هو المهيمن على النظام العام للبلاد، يديره حسب ما شاء وليس لأحد الحق أن يعترض أو يتدخل، وتصبح العلاقة القائمة بينه وبين الناس والشعب هي علاقة الحاكم والمحكوم، وليس علاقة الراعي بالرعية. فلا دور للإنسان والمجتمع في عجلة الحياة والبناء سوى الخضوع والطاعة، والاستسلام للقدر.

إن الأنظمة السلطية هي أنظمة فاسدة وباطلة في الأساس لأنها لا تعبر عن رأي الناس وليست منتخبة فهي أيضاً غير مرضية ولا تحظى بالقبول، وان سكوت الناس لا يدل بالضرورة على ذلك خصوصا حينما تواجه القمع والحديد والإرهاب والتنكيل، ونتيجة لذلك ينعدم الشعور بالأمن الحقيقي والاستقرار وتضعف فيه مشاعر الروح الوطنية والإحساس بالكرامة، ولتعويض ذلك تقوم هذه الحكومات عادة بالاهتمام بالشعارات والعنوانين البراقة لتسود الجدران واللافتات في كل مكان، وتعتمد على تزييف الحقائق والتدليس على الناس.

إن بناء الأوطان لا يمكن أن يشيد من خلال سياسات الإقصاء وفرض القوة، بل على التأكيد والثقة بدور الإنسان والمواطن ودوره في عجلة البناء أولاً، والمشاركة في صنع القرار السياسي ورسم الواقع والتخطيط للمستقبل.

فيجب أن يشعر المواطنون بأنهم شركاء في الوطن، ومصيرهم واحد، والنظام الحاكم يجب أن يكوم منتخبا يعبر عن إرادتهم وممثلاً شرعياً، فالملك لله سبحانه وليس لأحد، والناس مستخلفون على ذلك، فالحكم أمانة عظيمة لا يمكن أن ينهض به إلا من توفرت فيه مقومات والمؤهلات، وان الطريق والسبيل إلى ذلك هو انتخاب الناس بعد معرفتهم بذلك، ومن أهم هذه الخصائص هي الأمانة والخوف من الله سبحانه، والكفاءة.

أما سياسة الطغيان والتجبر والاستبداد والوصاية على الناس لا تنتج سوى الظلم والفساد وتجر إلى المهالك. وقد أشار القرآن إلى ذلك (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) البقرة205، ويشير القرآن إلى منطق فرعون وما يتبناه من سياسات استبدادية (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر29(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الزخرف51.

خلاصة، أن الشعور بالوطنية والإحساس بقيمة الوطن إنما هو نتيجة الشعور بالانتماء والمشاركة الفعلية في البناء وليس بالاملاءات والشعارات أو بفرض الأنظمة والقرارات والمناهج والدراسات، فذلك لا يمكن ان يساهم في معالجة السلبيات والمشاكل بسبب سياسات الإقصاء وفرض سياسة الأمر الواقع.

رابعا: الكرامة في العيش وتحقيق التقدم

تحقيق الأمن الاجتماعي وسبل الحياة من العيش والغذاء والمأوى وفرص العمل من أهم المطالب الأساسية لتحقيق السعادة، ومن دون ذلك تتعرض حياة الإنسان إلى المتاعب والصدمات النفسية والانحرافات الأخلاقية والسير في المتاهات التي لا يحمد عقباها. وهذا أمر في غاية الخطورة على الإنسان والمجتمع والحياة البشرية.

والمشكلة والبلوى في العصر الحاضر وفي العالم هي ليس عدم وجود موارد تكفي البشرية وتلبي حاجاتها، إنما وجود احتكار لهذه الموارد من قبل أقليات وسياسات وحكومات متنفذة تسيطر على كل ثروات العالم وبسبب ذلك تجد الفقر والبطالة والفساد، وبسبب حالة الجشع والترف والطمع وتحقيق هذه المصالح تنشأ الحروب وطرق الاستعمار والاستغلال، وتحدث الكوارث هنا وهناك.

فيعيش الغالبية من الناس في العالم ويعدون بالملايين على خط وتحت الفقر، ويفتقدون إلى ابسط مقومات الحياة والعيش، بينما نجد فئة قليلة تنعم بهذه الثروات بلا قيود وحدود من الفساد والترف والتبذير والإسراف، وكأن هذه الثروات حق لهم وحكرا على غيرهم.

وفي ظل هذه الظلم والإجحاف بحق البشرية، نجد المشاكل في العالم تتفاقم والأزمات تتوالى، مما ينذر بمخاطر وكوارث على كل الصعد الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية والحضارية تزيد من المتاعب والصعوبات في حلها. ونتيجة إلى ذلك نجد حتى تلك الدول المتقدمة تعاني ما تعانيه من هذه الأزمات بالرغم من التقدم والتطور في كثير من المجالات والانجازات.

ولن تبقى هذه المشكلة تتعمق كثيرا في المجتمعات النامية والمتخلفة بشكل واضح ليس فقط بسبب هذا الظلم والإجحاف وسوء توزيع الثروة الهائلة، وإنما أيضاً بسبب تلك السياسات المتخبطة في كل الشؤون والجوانب، حيث تنعدم فيها أفاق التنمية والتقدم والتطور، بالرغم من وجود الثروات الطائلة التي تكفي العالم كله وتسد كل احتياجاته، وتلبي متطلباته، لكن عاجزة ومشلولة عن تقديم أي انجاز واختراع أو صناعة حتى إبرة. كما أنها تعاني في نفس الوقت من مشكلة الفقر والبطالة ومعدلات الجريمة التي تفوق حتى تلك الدول التي لا تلتزم بدين ولا شريعة؟

في مقابل هذه الأوضاع المزرية والتخلف والمعاناة الإنسانية والاجتماعية نجد على الضفة الأخرى فئة حاكمة تستأثر بكل شيء وتستبيح كل الحقوق وتبدد الثروات وتتمعن في إذلال المواطنين دون محاسبة ورادع؟

وهذا هو الفارق بين تلك الدول الديمقراطية التي تراعي المصالح وتضمن حق النقد والمعارضة والمحاسبة واحترام القانون، مما يجعلها دائما تحت الرقابة والمسؤولية، دون استثناء لأحد حتى الرئيس، مما يقلص فرص الاستغلال والفساد والنهب للثروات.

كما أن عامل تداول السلطة يضمن هو الآخر عدم الاستمرار في الانحراف والاستبداد، بينما هذه الضمانات معدومة كاملة في مجتمعاتنا وفي ظل حكوماتنا، فليس لأحد الحق في المساءلة والمطالبة بل حتى الاستفسار، لأن ذلك يعد خرقا للنظام السائد وجرأة ما بعها جرأة، وبتعبير آخر أن الحكومات في مجتمعاتنا هي لها الحق المطلق في الحكم والتصرف وهي كذلك أبخص من كل المواطنين على مصلحة البلاد وتحقيق كرامة الإنسان؟

نتيجة لذلك ترى تلك الهوة الساحقة والفوارق العظيمة بين حياة الحكام وليس الحكومات، «لأن الحكومات ما هي إلا جهاز ينفذ الأوامر ويطبق القوانين، فليس لها امتياز على الآخرين»، وبين حياة المواطنين والشعب، ومن ابرز هذه الفوارق الظاهرة والسطحية حينما تتصور كيفية ونمط العيش والحياة، والأموال والثروات التي تملك بغير وجه حق ومشروع، وهذا التصور قد يكون ليس له حدود حينما تعرف بأن رأس مال الحاكم ورصيده هو ارفع من ميزانيات دول غنية في العالم، ومن الطبيعي أن تجدهم على رأس اكبر الأغنياء في العالم أيضاً. ونحن نتساءل من أين لك هذا؟

فهل هذه المظاهر والفوارق بين الحاكم والمحكومين والراعي والرعية تعكس حقيقة الولاء والحب للوطن والحرص على أمنه ومستقبله، أم أنه مصداق لقوله تعالى (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) النمل34 وقوله(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) الإسراء16، وقوله (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) هود117،

ومن الطبيعي في ظل هذه السياسات الحاكمة يعيش الإنسان والمجتمعات البؤس والتذمر وانعدام الثقة وانسداد آفاق التغيير والإصلاح وغياب الطموحات والآمال، وهذا ما يفسر رؤية البعض على التشجيع للهروب من الواقع والهجرة للخارج، من اجل تأمين الحياة وتحقيق الذات، مصداق للحديث «الجوع في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن»، وكم رأينا واجتمعنا مع أناس يفضلون العيش في الخارج وبالخصوص في الدول الغربية وأمريكا عل أوطانهم الأصيلة؟

وهذا حق مشروع ومكفول، بل هو واجب حينما يشعر الإنسان بالغربة في طنه، فلا يجد له مأوى ولا وظيفة ولا فرص للتعبير عن حقه فماذا يعمل، هل من الصحيح أن يعيش الذل والهوان، أم يسعى من اجل الكرامة التي منحها الله إياه كما قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء70،

فقيمة الكرامة هي حق الهي قبل أن تكون قيمة وحق إنساني، وان انتقاص هذه الكرامة لا يجوز بحال، فمن المطلوب من الإنسان أن يكافح من اجل صيانتها والحفاظ عليها بأي ثمن، وإلا سوف يحاسب أمام الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يؤكد عليه الدين والشرع، ففي الحديث «إن الله رخص للمؤمن في كل شيء إلا أن يذل نفسه».

فكل ما يتسبب في انتقاص هذه الكرامة مرفوض شرعا وعقلا وأخلاقاً. ويقول الإمام علي «الحياة في موتكم قاهرين، والموت في حياتكم مقهورين»، فلا يتجمع الإيمان الصادق مع الذل، كما لا تجتمع الفضيلة مع الرذيلة، ولذلك فان الذل في الحياة هي الموت الحقيقي، وكما قال الإمام علي في خطبة له في نهج البلاغة " فذلك ميت الأحياء".

من هنا جاء التأكيد القرآني على الحث الشديد لتحقيق هذه الكرامة، وان لا يبقى أسيراً مكبلا، خصوصا حينما تنعد الفرص والحلول وأفاق التغيير، ولذلك شرعت الهجرة أو التغرب عن الأوطان في سبيل ذلك ومن اجل كل سبب يعزز كرامة الإنسان ويؤمن مستقبله يقول تعالى (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) النساء100،

وأمام هذا الأجر العظيم والمصير الذي كتبه الله له لماذا يقبل بالذل ويصر على البقاء حيث لا بقاء في الدنيا، وهذه النظرة الإسلامية تعكس بوضوح أهمية وقيمة حياة الإنسان وكرامته في الحياة. من أجل أن يبذل هذا الإنسان ما بوسعه لتحقيق هذا الهدف السامي سواء على الأرض والوطن الذي يقبع فيه أم من خلال الهجرة والجهاد في الخارج لتحقيق النصر إن شاء الله.

خلاصة: هذه بعض المعايير، والتي تعكس بدورها حقيقة تلك الشعارات عن الولاء والانتماء للوطن عبر وسائل الإعلام المختلفة من الصحف والمجالات والقنوات وهي تهدف إلى تشويه وتحريف هذه الحقيقة، بينما هي على صعيد الواقع تعمل وتكرس عكس ذلك، والأدهى والأمر أنها في سبيل تحقيق مصالحها تقوم باستغلال الدين وشرعنه هذه المفاهيم والشعارات الفارغة من المضمون والمحتوى لتصبح سياجا ضد أي نقد وإصلاح وتغيير، والطعن في الناس الشرفاء وعلى أساس ذلك يكون المعيار بين ما هو مواطن صالح وبين ما هو خائن، دون النظر إلى واقع.

رابط الموضوع: لطول الرابط اضغط ههنا

--
https://fbcdn-sphotos-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/376557_326950387333652_227320773963281_1190871_984018650_n.jpg 
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
( |  ~ {قرووب البصيرة الرسالية) .. (للأخبار الرسالية والمواضيع الهادفة} ~ | )
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
* لتصفح مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع المنشورة حديثاً وقديماً:
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif 
أو عبر (PickerQrCode)
 
 * للإنضمام لصفحة قروب البصيرة الرسالية على الفيس بوك لمتابعة جديد ما ننشره:
 
* ليصلكم ما ننشره بالبريد الإلكتروني اشتركوا في (قروب البصيرة الرسالية):
http://groups.google.com/group/albaseera
 
الضغط على هذا الرابط التالي:

وتأكيد الاشتراك منكم لتعذر الإضافة مباشرة منا بعد تحديثات قوقل الأخيرة
 
ملحق ذا فائدة (محدث):
* صفحة آية الله المجاهد الشيخ نمر النمر (حفظه الله) بالفيس بوك:
www.facebook.com/Shaikh.Nemer

* صفحة (صفحة جامع الإمام الحسين (ع) بالعوامية) بالفيس بوك:

* لمشاهدة فيديو آية الله النمر في اليوتيوب :
www.youtube.com/profile?user=nwrass2009
 
* إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر (يحوي 1902 محاضرة):
https://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
 
لا تنسونا من صالح دعائكم
وإفادة الآخرين مما يصلكم منا
مع تحيات: البصيرة الرسالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق