البصيرة الرسالية: مقال الدكتور حمزة الحسن: (الإنتفاضة الثانية: حراك مستمر رغم العنف والمؤامرات)

الإنتفاضة الثانية: حراك مستمر رغم العنف والمؤامرات

د. حمزة الحسن

https://fbcdn-sphotos-a.akamaihd.net/hphotos-ak-snc7/430543_379621112066579_227320773963281_1344377_1387228614_n.jpg

حين نقول أن منطقتنا تعيش حراكاً تاريخياً، فإننا نقصد من ذلك أمرين:

الأول ـ أن ما يجري من تحرك مستمر يقوم به شبابنا الشجعان له تأثير استراتيجي على أوضاع الطائفة بشكل خاص، وعلى أوضاع المملكة بشكل عام. وهو حراك أدخل الطائفة في مرحلة جديدة متقدمة من أجل نيل حقوقها المشروعة، اعتماداً على قواها الذاتية، بما يشكل تراكماً في العمل الجهادي، الذي سيفضي بإذن الله الى تحقيق ما نصبو اليه جميعاً.

والثاني ـ أن هذا الحراك غير مسبوق تاريخياً، سواء من حيث عدد المتظاهرين، أو من حيث الإستمرارية التي امتدت الى ما يقرب من عام، حيث الإصرار المتواصل من شباب الإنتفاضة الثانية على مواصلة الدرب مهما كانت الظروف. مثل هذا الحراك، سبقه حراك تأسيسي في الإنتفاضة الأولى عام 1979 (محرم 1400هـ) وهذه الإنتفاضة الثانية تأسيسية مثل الأولى من جهة؛ وهي من جهة ثانية تبني على الإنتفاضة الأولى وما تحقق منها. ولعلّي لا أكون مبالغاً حين أقول بأنه لم يحدث في تاريخ الشيعة (المكتوب والمعروف) حراكاً مشابهاً لما هو قائم اليوم؛ كما لم نشهد في تاريخ الشيعة الحديث تحديّاً للنظام مثل هذا التحدّي الذي أظهره مجتمعنا، وفي مقدمته شبابه الغيارى، الذين فتحوا صدورهم للرصاص، ولازالوا، وهم يواصلون الخطى رغم القمع والدمّ، وتساقط العديد من الشهداء، ووضع قائمة حكومية بأسماء العديد منهم ضمن المطلوبين (الإرهابيين بزعم نايف).

نحن واثقون بأن هذا الحراك الشبابي التاريخي في انتفاضة شعبنا الثانية، ستتواصل بإذن الله، بإرادة وشجاعة وتضحية شباب هذا الحراك الذين سيحققون في النهاية آمال مواطنينا، رغم الأشواك والمصاعب والآلام. وهنا ليسمح لي الأخوة والأبناء من شباب هذا الحراك أن ألفت نظرهم، ونظر بقية أفراد المجتمع، إلى النقاط التالية:

الأولى ـ إن مواصلة الحراك تتطلّب أمرين: أحدهما، رفده بالمزيد من الطاقات الشبابية بحيث يزداد عدد المشاركين فيه. وثانيهما، توسعة الحراك أفقياً ليشمل كل البلدات والمناطق، بما فيها الأحساء، التي سبقت القطيف في حراكها، والتي تعاني من الإستبداد والطائفية بأكثر مما يجري في القطيف. لقد أصدر مشايخ الأحساء قبل أيام بياناً يشكرون عليه، ينددون فيه بالسلطة وطغيانها؛ ونحن ننتظر من شباب الأحساء أن يشمّروا عن سواعدهم وأن ينزلوا الى الشارع محتجين متظاهرين، كما فعلوا من قبل، وكانوا السباقين في الدفاع عن المعتقلين. يفترض أن يقوم رجال الدين عامة بدورهم في حثّ الشباب على المطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية؛ فهذا أضعف الإيمان، مع أنهم مدعوون ـ على الأقل بعضهم ـ لأن يكونوا في طليعة المحتجين المتظاهرين؛ كما في طليعة المقاطعين للسلطة ورموزها في المنطقة كابن جلوي، ومحمد بن فهد. ومن جانب شباب الحراك، فإنه ينبغي صرف جهد أكبر في الإعداد للمظاهرات، والقيام بحملات التشجيع والدعوات قبل وقت كافٍ حتى تكون التجمعات متميّزة.

الثانية ـ لقد مضى عام على بداية التظاهرات؛ أظهر خلالها الشباب قدراً كبيراً من النضج، وكسب فيها المتظاهرون قدراً من الخبرة، انعكست على تنظيمهم للتظاهرات، والشعارات، كما حدثت قفزة في المجال الإعلامي الذي يغطّي الحراك الشعبي. بيد أنه لازالت هناك نواقص في هذه المجالات وغيرها. وهنا ندعو أصحاب الخبرة والمعرفة والدراية للمساهمة في إنضاج التحرك بما لديهم من إمكانات وطاقات؛ كما ندعو الى سدّ بعض النواقص المهمة، وبالذات فيما يتعلق بالموضوع الحقوقي، وتسجيل الإنتهاكات التي تقع، والتواصل مع أصحاب الشأن. لدينا عدد كبير ممن يصنفون ضمن النشاط الحقوقي، ولكن ـ حتى الآن ـ لم نرَ عملاً يتناسب مع حراك المجتمع وتضحيات شبابه.

الثالثة ـ في ذات الإتجاه السابق، ندعو الشباب الى زيادة التنسيق فيما بينهم والإلتحام أكثر ببعضهم البعض، وبأكثر من المشاركة في التظاهر في الشارع، الى العمل المشترك، وتشكيل لجنة إشرافية عليا على هذا الحراك، تخطط له، وتنظّم جهد أفراده، وتصدر البيانات بإسمه. هذه الخطوة يجب أن يصل اليها الشباب في أسرع وقت ممكن.

الرابعة ـ ليعلم شبابنا المجاهدون أن السلطات في حيرة من أمرها في كيفية التعاطي مع تظاهراتهم واحتجاجاتهم. لقد فشلت السلطة في استغلال ورقة الوجهاء التي طالما لعبت بها؛ وهي اتكأت منذ البداية على العنف الأعمى، وعلى الرصاص والقنص؛ كما اعتمدت على سلاح الطائفية في تجييش المواطنين ضد المنطقة وأهلها، والحمد لله لم يستجب لها إلا من هم في جيبها أصلاً، وهي تخشى أن تنتقل تجربة القطيف الى المناطق الأخرى. كما استخدمت السلطة سلاح الدعاية والإعلام بشكل مشوّه، واتهمت المتظاهرين بالعمالة للخارج تارة، وبالإرهاب تارة أخرى، وأوصلت التهديدات عبر الصحف مباشرة الى المواطنين وكأنها في معركة فاصلة معهم. وهنا يأتي السؤال: ماذا بإمكان السلطة أن تفعل أكثر مما فعلت؟ لقد نضبت خياراتها؛ ولم يتبق لها إلا التنازل؛ ولكنها لا تريد أن تفعل ذلك حتى لا تؤسس لتجربة يقوم بها مواطنون آخرون.

ما تبقى لدى النظام، هو المزيد من العنف الأعمى، وهذا له كلفته: فماذا لو لم يفد العنف والقتل كما هو الحال الآن؟ وما هي الكلفة السياسية والإعلامية؟ وكيف سيكون ردّ الشارع على تغوّل النظام؟ ألا يخشى آل سعود اشتعال المنطقة المليئة بالنفط؟ ألا يخشى آل سعود من اضطراب مزمن في المنطقة يؤثر على إمدادات النفط؟

هذه تساؤلات لم يحسمها النظام، ولكنه ـ حتى الآن ـ قلق من التبعات الكبيرة من التصعيد الأعمى.

وما يهمنا هنا؛ هو أن بعض الأصوات ظهرت تتحدث عن (مشكلة شباب) أو عن مشكلة بلدة (العوامية) وليست مشكلة مجتمع مع نظام طائفي ومستبدّ وفاسد. وبهذا يراد لفلفة الموضوع وإيقاف الحراك، مقابل أثمان تافهة: (حل مشكلة الرامس أو التلاعب بها مجدداً) أو إيجاد وظائف للشباب العاطلين عن العمل!

مشكلتنا مع النظام لها علاقة بأصل وجودنا. بكرامتنا وحريتنا وديننا. ولا يجب أن نقبل بأن تحول الى مشكلة صغيرة وتافهة بحيث يقفز أصحاب الوجاهات على قضيتنا؛ ويبيعونها في سوق المزايدة والنخاسة والمهاترات. وطالما أن شبابنا حاضرون في الساحة، يستحضرون تجارب من سبقهم، وتجربتهم الماضية أيضاً، فإنهم قادرون على إفشال مخططات السلطة، ووفودها الغادية والرائحة، ولن يتوقفوا عن الإحتجاج والتظاهر.

الرحمة والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

ألف تحيّة لأولئك الذين سطّرت أسماؤهم في قائمة الشرف والكرامة والحريّة؛ الذين يدفعون التضحيات، ويخسرون الوظائف، ويحرمون من الدراسة؛ وتعطل مصالحهم في الدوائر الرسمية، ويعانون من الإجراءات الأمنية في تنقلهم، بما يجعلهم يعيشون حياة تضحوية صعبة يؤجرون إن شاء الله عليها.

هؤلاء الأخوة في قائمة الـ 23، هم نموذج وقدوة لبقية شبابنا؛ نشيد بصمودهم وثباتهم، وندعو المجتمع الى احتضانهم والتضامن معهم ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه. إن هؤلاء الأبطال الذين لازالوا يرابطون في ساحات الجهاد، متظاهرين متحدّين غير عابئين ببيان الداخلية، سيء الصيت، لهم حقوق علينا جميعاً يجب أن لا نهملها أو ننساها؛ فتضحيات هؤلاء الأبطال من أجلنا جميعاً ومن أجل غد أفضل لأبنائنا وأحفادنا.

في ذات الإتجاه، نحن مسؤولون عن عوائل السجناء والشهداء، بتعضيدهم ومساعدتهم وتشجيعهم والوقوف الى جانبهم. مجتمعنا يعيش تحديّاً كبيراً في معركته مع الإستبداد والتمييز الطائفي، وبالتالي لا بدّ أن يكون أفراده كالبنيان المرصوص، يتحمّلون المسؤولية المعنوية والماديّة تجاه من ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله وفي سبيل عزّة وكرامة أمّتهم ومجتمعهم.

الحرية لمعتقلينا في سجون الطغيان السعودي.

خالص الشكر والإمتنان والتحية لشبابنا وشاباتنا وهم يواصلون المسير في درب الإباء والشموخ والحرية؛ الذين يملأون الساحات عزماً وإصراراً وفداءً.

https://fbcdn-sphotos-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/376557_326950387333652_227320773963281_1190871_984018650_n.jpg

(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ) ( \| ~ {قرووب البصيرة الرسالية) .. (للأخبار الرسالية والمواضيع الهادفة} ~ \| ) (ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
* لتصفح مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع الحدية والقديمة: http://albaseeraalresalay.blogspot.com
أو عبر (PickerQrCode)