بسم الله الرحمن الرحيم
المرجع المدرسي: معرفة الله تكون عبر تسبيحه وحمده
ملخص تفسير(بينات من فقه القرآن الكريم) الليلة الرابعة عشر من شهر رمضان المبارك1431هـ

أكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي على ضرورة التوجه إلى الله سبحانه وتعالى في معرفته ونبذ الطرق الفلسفية والعرفانية الزائفة للوصول إليه، جاء ذلك خلال تفسيره للآيات (18 و19) من سورة الروم الذي يلقيه في ليالي شهر رمضان المبارك على جميع غفير من العلماء والخطباء وطلبة العلوم الدينية.
وابتدأ سماحته بقوله:" للوصول إلى الحقائق يجب أن يسلك الإنسان منهجا معينا، لكن هل المنهج إلى كل الحقائق ثابت أم أن لكل حقيقة منهج خاص ومختلف عن المناهج الأخرى؟"
المناهج المختلفة للوصول إلى الحقائق
فنحن إذا نظرنا إلى أنفسنا نجد أن هناك مجموعة من الحقائق نحتاج للوصول إليها إلى مسائل مختلفة، فمثلا بالنسبة إلى هذا الكون، للوصول إلى حقائقه المادية زوّدنا الله سبحانه بحواس مختلفة، نستخدم كل واحدة منها للوصول إلى مجموعة من الحقائق تختلف عما يمكن الوصول إليه عبر سائر الحواس، بل ولا يمكن الوصول عبر حاسّة معينة إلى حقائق نصل إليها عبر حاسة أخرى. فمثلا لا يستطيع احد أن يميز الأصوات بعينه، ولا أن يرى الألوان بأنفه، ولا إن يتحسس سطح الأشياء عبر فمه و... فحقائق الكون ثابتة لكن الطريق والمنهج للوصول إليه يتغيران بتغير الحقيقة. فالحواس بمثابة نوافذ ينظر الإنسان عبرها إلى الحقائق المختلفة، وكل نافذة تطل على حقائق مختلفة.
وإذا نظرنا إلى العلوم نجد أن البشر اليوم يقسم العلوم المختلفة إلى مئات العلوم، ثم يذكر في بداية كل علم منهج وطريقة دراسة هذا العلم وللوصول عبره إلى الحقائق الكونية، فمنهج الكيمياء يختلف عن منهج الفيزياء وهما يختلفان عن منهج الرياضيات، وهذه المناهج تختلف عن مناهج المنطق والنحو والصرف وهكذا. لهذا علينا أن لا نحاول فهم العلوم والحقائق عبر منهج واحد وأن لا نخطو خطوات متشابهة.
ولهذا لا يمكن أن نستخدم المنهج الواحد في فهم كل الحقائق. وكمثال دقيق على ذلك نقول إننا نكتشف الحقائق المادية في الكون – كما بينا – عبر الحواس المختلفة، لكن هل يمكننا فهم (الحقائق المجردة) عبر ذلك. كالعلم والإرادة والمشيئة وما شاكلهما من الحقائق؟ فنحن نعرف أن هناك رجلٌ عالم، نعرفه لأننا نرى آثار العلم ظاهرة عليه. لكن هل نعرف حقيقة العلم؟ كذلك نحن نعرف العاقل وصفاته والجاهل وصفاته، إذ نعرفهم بالآيات والعلائم، أما ما هي حقيقة العلم؟ وما هو العقل وما هي الإرادة ؟ لا يمكن كشف ذلك عبر الحواس المختلفة.
اذن لا يمكن الوصول إلى الحقائق المختلفة عبر منهج واحد.
لكن حينما نصل إلى بحث أعمق وأعظم وهو معرفة الله عز وجل، لا يمكن حينئذ أن نعرفه كما نريد أن نعرف الأمور المختلفة، فلا يمكن أن نفهمه كما فهمنا الأمور من حولنا، فالمنهج لابد أن يكون مختلفا والطريق لا بد أن يكون مغايراً، لأنه خالق العالم وما فيه وهو خالق الحواس.
من هنا نقول ان من أعقد وأعظم مشاكل البشر في التوحيد أنه يريد ان يعرف الله كما يعرف سائر المخلوقات، فهو يريد أن يراه بعينه أو يحيط به بعقله وسبحان الله عن ذلك، لذلك فهو يقع في طريق الخطأ إلى النهاية، وربما يصل إلى الشرك والكفر بالله في نهاية المطاف.
المنهج السليم لمعرفة الله
لذلك نقول: ما هو المنهج السليم لمعرفة الله سبحانه؟
أولاً: أن نعرف حدود عقولنا، أن نعرف قدراتنا (رحم الله من عرف قدر نفسه) أن نعرف إمكاناتنا، فكل ما نملك من قدرات وضعها الله فينا، نعرف بها مخلوقاته. لكن أعطى لنا قدرة إضافي حيث نستطيع بعقولنا أن ننتقل من المقدمات إلى النتائج، من العلامات إلى ما وراء العلامات، من الغيب إلى الشهود، من المعلوم إلى المجهول.. فإذا رأيت اثر الأقدام عرفت إن أمامك ماشيا، ولهذا أمرنا الله أن نسير في الأرض، أن نتفكر في السموات والأرض وعبر هذه الأمور نصل إلى النتائج.
لذلك فنحن نحتاج إلى منهج مختلف لكي نصل إلى الله سبحانه وهوماً نقرأه في دعاء مأثور يقرأ في أواخر ليلة الجمعة، حيث جاء في الدعاء (اللهم صل على محمد وآله وهب لي الغداة رضاك وأسكن قلبي خوفك واقطعه عمن سواك حتى لا أرجو ولا أخاف إلا إياك) حتى يقول (يا من فتق العقول بمعرفته وأطلق الألسن بحمده).
فالله سبحانه فتق العقول وألهمنا نوراً من معرفته فعرفناه، ولولا مَنّه العظيم علينا لما كنا نعرفه، وفي الدعاء (جعل ما امتن به على عباده في كفاء لتأدية حقه)، فَبِمنِّه علينا نصوم ونصلي وبِمَنِّه أصبحنا موالين لأهل بيت نبيه عليهم السلام، لكن جعل ما امتن به علينا كافيا لكي نؤدي حقه ونشكره ونحمده.
فالله سبحانه هو الذي يُعطي معرفته إلى الإنسان، فلذلك من أدعية الأئمة عليهم السلام طلب معرفته، فكما نقرأ في المناجات الشعبانية (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة).
تنزيه الله وحمده عبر آيات الكون
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ).
فحينما ننظر إلى السموات والأرض لابد أن نصل إلى تسبيح الله سبحانه وتعالى والى حمده.
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ) فالجميع في هذا الكون يسبح بحمد الله، وكل شيء ننظر إليه نجد في ذلك آثار النقص والعجز فنعرف من خلال ذلك أن الخالق لا نقص فيه ولا عجز ، فنسبحه ونقول (سُبْحَانَ اللَّهِ).
والتسبيح يدلنا على أن الإنسان لا يصل إلى الله سبحانه بالتشبيه، فأول خطوة لمعرفة الله تنزيهه عن كل الصفات حيث نقول (سبحان الله) فحينما نجد أن النور محدود والوجود محدود والكون محدود نعرف أن الله سبحانه وتعالى فوق هذا.
لهذا نجد أن أصحاب الأئمة حينما كانوا يعلنون عقائدهم عند الأئمة عليهم السلام كانوا ينزهون الله من التشبيه، (عن عبد العظيم الحسني قال دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي - أي الإمام الهادي- ع فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم، أنت ولينا حقا. فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عز وجل. فقال: هاتها أبا القاسم. فقلت إني أقول إن الله تبارك وتعالى واحد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه).
فقد شهد السيد عبد العظيم الحسني ع بهذه الصفة بأن الله خارج من حدي التشبيه والتعطيل ومعنى ذلك – وسنتحدث عن ذلك في الليالي القادمة- أن ننفي عدم وجود الله وهو معنى (حد التعطيل)، لكن بعد ذلك ننزهه عن كل ما يصل إلى ذهننا من الصفات التي هي صفات المخلوقين فبذلك نكون قد وصلنا إلى معرفته.
وفي رواية أخرى عن محمد بن سنان عن حمزة ومحمد ابني حمران قالا اجتمعنا عند أبي عبد الله (ع) في جماعة من أجّلة مواليه وفينا حمران بن أعين فخضنا في المناظرة وحمران ساكت فقال له أبو عبد الله (ع) ما لك لا تتكلم يا حمران؟
فقال: يا سيدي آليت على نفسي أن لا أتكلم في مجلس تكون فيه.
فقال أبو عبد الله (ع): إني قد أذنت لك في الكلام فتكلم.
فقال حمران: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، خارج من الحدين حد التعطيل وحد التشبيه، وأن الحق القول بين القولين لا جبر ولا تفويض، وأن محمدا عبده ورسولهأرسله بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وأشهد أن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث بعد الموت حق وأشهد أن عليا حجة الله على خلقه لا يسع الناس جهله، وأن حسناً بعده وأن الحسين من بعده ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنت يا سيدي من بعدهم.
فقال أبو عبد الله (ع): ألتُّرُّ تُرُّ حمران.
ثم قال: يا حمران مد المطمر بينك وبين العالم.
قلت: يا سيدي وما المطمر.
فقال: أنتم تسمونه خيط البناء فمن خالفك على هذا الأمر فهو زنديق.
فقال حمران: وإن كان علوياً فاطمياً؟
فقال أبو عبد الله (ع): وإن كان محمدياً علوياً فاطمياً).
وفي ختام حديثه دعى سماحة المرجع المدرسي إلى ضرورة التوجه إلى المساجد والحسينيات باعتبارها بيوت رحمة الله ومهبط ملائكته والتوبة إليه لكي لا يسلبنا الله النعم التي نحن فيها.
موقع مكتب المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي دام ظلّه
--
(ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
( | ~ {قرووب البصيرة الرسالية) . . (للأخبار والمواضيـع الرسالية} ~ | )
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:
http://groups.google.com/group/albaseera
ملحق ذا فائدة:
* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009
* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:
http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق