السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

7 أبريل 2009

خطبتي الجمعة ‏(صوتاً ونصياً)‏: ‏(الشيخ السعيد: (وللمتقين العاقبة الحسنى ووو)‏ )


الشيخ السعيد: (وللمتقين العاقبة الحسنى)
جامع الإمام الحسين (ع) * - 4 / 4 / 2009م - 8:42 م
الروابط الصوتية للخطبتين:
1- وللمتقين العاقبة الحسنى
http://www.mediafire.com/?iy2jlz0u2qw

2- مجتمعنا وثقافة المرحلة
http://www.mediafire.com/?tejdiz3mmha
كلا الخطبتين: 
http://www.mediafire.com/?3d1xmozvnfi
نص خطبتي الجمعة 07 ربيع الأول 1430 هـ الموافق لـ 03 مارس 2009 م الت ألقاهما سماحة الشيخ عباس آل سعيد [1]  في جامع الإمام الحسين  بالزارة.

الخطبة الأولى

وللمتقين العاقبة الحسنى
صدر الخطبة
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن التقوى هي سبيل الإنسان للوصول إلى الكرامة الإنسانية. إن الله سبحانه هو مصدر القوة التي تهيمن على الأحداث والمتغيرات، بل وتهيمن على كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون. والتقوى هي المشعل الذي من خلاله يرتبط الإنسان بالله سبحانه، الذي يسدد عباده المؤمنين بإرادته وحكمته البالغة.
والتقوى لا تجتمع مع الذلة بحال من الأحوال، وهي التي تدفع الإنسان إلى مدافعة كل جهة تعمد إلى سلب كرامة الإنسان وسحق إرادة المجتمع.  
عباد الله اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، فإن التغيير الجذري والإصلاح الشامل لا يتحقق إلا من خلال الصادقين المتقين الذين يصدعون بالحق ويأمرون بالعدل. فوظيفة المؤمنين هي الكون مع الصادقين ونصرتهم بالكلمة الرسالية والموقف المسؤول. فالله سبحانه قد فرض على المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين في انتماءهم، وأن يساهموا في نصرة القيادات الرسالية التي تتحرك من أجل تحقيق الإصلاح والتغيير. والله سبحانه لا يقبل لعباده المؤمنين أن ينأوا بجانبهم عن الكون مع الصادقين ونصرتهم، فضلاً عن أن يتخذوا المواقف السلبية واللامسؤولة، التي تهاجم المجاهدين أو تثبط من عزيمة الجماهير.
فالبعض قد يستهين بأثر الكلمة التي قد تلقى على الشارع العام، إلا أن الإنصاف أن الكلمة لها أثرها الكبير في بلورة الرأي العام، الذي ينعكس على الموقف الخارجي.
فالكلمة الصادقة هي السلاح الذي يمتلكه أصحاب الكلمة، والذي من خلال يدافعون عن قيم الرسالة، وعن القيادة الرسالية وعن العلماء الربانيين. وهي الأمانة التي استودعها الله عند أهلها، ليبلغوها ويؤدوها ويدعوا الناس من خلالها.
 

العاقبة الحسنى للمتقين
فالله سبحانه قد جعل العاقبة للمتقين الذين يعملون على الإصلاح الجذري والتغيير الشامل واقتلاع الفساد والمنكرات.  فهذه سنة الله في العالمين، أن العاقبة الحسنى لأهل التقوى. والإرادة الإلهية أقوى من كل إرادة، وهي قد تتدخل لكي تمن على المؤمنين وتكفف عنهم أيدي المعتدين، فهي التي تدير التحولات السياسية والتغيرات الاجتماعية، التي تحقق للمؤمنين كثير من المكاسب.
وحينما نراجع التاريخ نجد أنه مليء بالشواهد التي تستعرض نصرة الله لعباده الصالحين،  ليس للأنبياء فحسب، وإنما لعباده المؤمنين الذين أخلصوا من أجله، وتحركوا نحو التغيير وجاهدوا من أجل الإصلاح.  
بصائر القرآن الكريم في الصراع
وحينما نراجع القرآن الكريم وهو المليء بالحديث عن الصراعات والمواجهات بين الأنبياء وبين أقوامهم، نجد أنه يؤكد على مجموعة من القيم الحركية التي ترتكز عليها حركة التغيير، كما يحذر المؤمنين من مجموعة من السلبيات والممارسات الخاطئة التي تضعف من حركة الإصلاح والتغيير.
نصرة القيادات الرسالية
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فالله سبحانه قد تتدخل إرادته لتمنع الاعتداء على المؤمنين، وهذه منة وفضل من الله لكن يجب على المؤمنين أن يتقوا الله ويتوكلوا عليه. فالتقوى هي التي تبعث الإنسان لتحمل مسؤولياته الرسالية والدفاع عن قيادته الربانية. والتوكل على الله هو الذي يمكن الإنسان من مواجهة العقبات والتحديات.
قال تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.  إن الله -سبحانه وتعالى- هو المالك لهذا الكون والمهيمن عليه وعلى ما فيه من أسباب ومسببات، ولهذا يجب  على المؤمنين أن يرتبطوا بالله -سبحانه وتعالى- دون سواه، فحينما يلجأ المؤمنون لله وينصرهم ولا غالب لهم، أما من يسلك طرقاً وأسباباً مخالفة للمنهج الإلهي فلن يجني منها إلا الذل والخيبة، فالله سبحانه وتعالى لا ينصر عباده حينما يخذلون منهجه الحق. ولهذا يجب على المؤمنين أن يثقوا بالله وبمنهجه وبنصرته لعباده، وأن يواجهوا التحديات والأزمات وهم على ثقة بوعد الله ونصره لهم. ومن المهم جداً في وعي الإنسان وفي وعي المجتمعات، أن نؤمن بوعد الله سبحانه بنصرة المظلومين والمستضعفين، متى ما توكلوا على الله، وواجهوا التحديات التي تواجههم بإرادة وعزيمة. 
﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾. فهنا السؤال: متى يقف الله مع عباده المؤمنين ويسددهم؟ هل أن المسألة هكذا مفتوحة، أم أن هناك واجبات ومسؤوليات، الآية القرآنية تبين﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ﴾ في البداية لا بد أن يؤدي الإنسان واجباته الأساسية ويلتزم بالأحكام الشرعية حتى تتهيأ روحه وتصاغ شخصيته لتحمل المسؤوليات الكبرى والتي منها الإيمان بالقيادة الإلهية وبخطها وبمنهجها التي تستقيه من عبق الرسالة وشذى الوحي، وبما أن منهج هذه القيادة منهج متوافق مع الفطرة ومنسجم مع العقل، لذلك كان لزاماً على الناس بعد إيمانهم بهذه القيادة وهذا الخط، أن ينصروا هذه القيادة ويعزروها، وهذا المستوى من النصرة والتعزير أكبر بكثير من مجرد التضامن القلبي والارتياح العاطفي، وإنما لا بد من التخندق مع القيادة في خندقها (خندق الجهاد) والانتصار لهذا المنهج، بل والتعزير هو أرفع من مجرد النصرة، فهو  يشتمل على التعظيم؛ فالقيادة الرسالية لا بد أن تأخذ موقعيتها في قلوب المؤمنين فتعزر وتعظم ولا يُقبل بنحو من الأنحاء الاعتداء عليها أو المساس بكرامتها؛ لأن الاعتداء على القيادة هو اعتداء على كرامة الأمة. ولهذا تعقيب الآية القرآنية ما سبق بقوله تعالى: ﴿وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ والتعزير يستلزم بذل المال والنفس والتضحية في سبيل الله والذي يعبر عنه القرآن الكريم بالإقراض، ولا يخفى لما لهذه الكلمة من دلالات.
أصوات لا يعجبها الإصلاح!
ولأن الإصلاح والدعوة إلى العدالة ورفع الظلم يهدد أصحاب المصالح، تجد أن أصواتهم تتعالى بالتهديد والترهيب، كما تجد أنهم يلجأون إلى تزوير الحقائق  واختلاق الأكاذيب.
نبي الله موسى عليه السلام، والذي كان يتحرك من أجل تحقيق التغيير الجذري والإصلاح الشامل في بني إسرائيل، توجه لتعرية أساس الفساد، حيث كان فرعون يستولي على مقدرات العباد، كما توجه إلى تعرية السلطة الدينية الفاسدة المتمثلة في الأحبار والكهنة والسحرة. ولهذا جاءت الشخصيات الكبرى والمستشارين في دولة فرعون (وهم الملأ) تحذر فرعون من خطر نبي الله موسى وتحذره منه. ومنهج الملأ دائماً ما يعتمد على خلط الأوراق وتزوير الحقائق. فالمصلحون في نظر الملأ وفي نظر أولئك المتملقين مفسدين، والذي يأمر بالعدل ورفع الظلم هو غوغائي ويثير القلاقل الأمنية.   
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ فالملأ والمستشارين والمقربين من فرعون كانوا يحرضون فرعون على نبي الله موسى  وعلى استخدام لغة القوة والعنف والترهيب، وهذا المنطق المتعجرف هو اللغة السائدة عند المتزلفين والمتملقين. فجاء رد فرعون ليؤكد: أننا نسوف نستخدم القوة والغلظة، والقتل والترهيب، لأننا نمتلك القوة والقدرة على ممارسة القهر والظلم: ﴿ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ*قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وهنا يذكر نبي الله موسى  قومه بسنة الله في العالمين، وهي أن الأرض لله سبحانه، فهو الماسك بمقادير العباد، وهو المهيمن والمتسلط على هذا الكون، وبيده أن يمكن في هذه الأرض من يشاء من عباده، إلا أنه يجب على المؤمنين أن يعوا جيداً هذه الحقيقة، وأن يعلموا بأن العاقبة للمتقين. فنبي الله موسى  حينما ذكر قومه بهذه السنة الإلهية، "أراد أن يقول بأن سلطة فرعون ليست أبدية، و إنما هي نتيجة عوامل و معادلات سياسية اجتماعية، و أنه لو غيرنا المعادلة و العوامل سقطت السلطة، و جاء بديلها السلطة الأكثر قوة و كفاءة، و هي حكومة المتقين، ومعرفة هذه الحقيقة تفجر طاقات الجماهير المستضعفة و تعطيها الأمل و الصمود".  ولهذا يجب على الإنسان أن يتحرك من خلال التقوى، بغض النظر عن المصالح الذاتية المادية في هذه الحياة. ومن خلال الآية القرآنية نستخلص عدة توجيهات لنبي الله موسى:
  • الأمر الأول: الاستعانة بالله. "و يتساءل المرء: ما هي الاستعانة بالله ؟
    "ونعرف الإجابة إذا تذكرنا بأن لله الأسماء الحسنى، و حين يؤمن العبد بربه يسعى لتجسيد ما استطاع من تلك الأسماء في ذاته، فالعزة لله و لرسوله و للمؤمنين، و حين يتصل العبد بالله تتجلى فيه صفة العزة الإلهية، كما تتجلى فيه صفة القدرة، و عدم الخضوع لضغوط الشهوات، أو الاستسلام للمتغيرات الآنية العاجلة، و بقدر ذلك تتجلى فيه صفة الرحمة و الشدة و الحكمة و العلم و .. و .. و كلما زادت الأسماء الإلهية الحسنى في المؤمن تجليا و ظهورا كلما أصبح أقدر على مواجهة المصاعب و تسخير الحياة، و الله سبحانه خلق لعباده وسائل للتقرب إليه، و للاتصال بينابيع قدرته و عظمته، و الأخذ بتلك الوسائل هو الاستعانة بالله ، فكلما تمسك المؤمن بتلك الوسائل كلما أصبح اشد قدرة و أكبر عظمة ، و التقوى هي جمـاع تلك الوسائل ، أما تفاصيلها فهي تلك المناهج التشريعية المعروفة في الإسلام وفي سائر الرسالات.
و من أبرز تلك الوسائل هي : الولاية الإلهية التي تتجلى في القيادة الرسالية النابعة من المبدأ، حيث أن الاستعانة بالله تعني بالضرورة المزيد من التمسك بهذه القيادة، و توحيد الجهود تحت رايتها ، لذلك فحين أمر موسى  قومه بالاستعانة بالله كان يعني كل ذلك.
الصبر والتقوى
و لكن مع ذلك ركز موسى  على صفتين أساسيتين هما : الصبر و التقوى، الصبر لرؤية المستقبل و الاستقامة على مشاكل الحاضر، و التقوى للالتزام بكل المناهج المفصلة التي تضمن تفجير الطاقات، و استغلال المواهب، و تربية الشخصية الرسالية العاملة، و بالتالي توفير كافة عوامل النصر في الفرد و المجتمع الرسالي من عوامل مادية أو معنوية."  فالتقوى هي التي تمكن الإنسان من الالتصاق بالوحي، ومن الثبات مع القيادة الرسالية حتى يتمكن الإنسان من تفجير طاقاته وقدراته، التي توافر عوامل الغلبة والنصر، وتهيأ الظروف الموضوعية لتحقق النصر الإلهي.
منطق بني إسرائيل
وهكذا نحن بحاجة إلى معرفة بعض السلبيات والممارسات الخاطئة التي لابد للمجتمعات أن تتجاوزها حتى تتمكن من مساندة حركة التغيير والإصلاح. ولهذا من المهم جداً أن نقف على منطق بني إسرائيل، وكيف كان ردهم على نبي الله موسى.  قال تعالى على لسان بني إسرائيل: ﴿قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ فبنو إسرائيل طفح بهم الكيل، وكاد اليأس يحيط بقلوبهم، فهم لم يكونوا قادرين على أن يتحملوا ذلك الإيذاء، فكان الحل يكمن في تغيير نفوسهم وأرواحهم. وهذه مسألة طبيعية، فحينما تنغلق أبواب الإصلاح أمام الأمة، وحينما تفقد الأمة قدرتها على تحمل الضرر الذي يصيبها تصبح الأمة أمة عاجزة لا حول لها ولا قوة، وهنا لا بد لا بد من تغيير الذات تغييراً حقيقياً، ولا بد من معالجة جميع الإشكاليات التي تفتت من قوة الأمة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر الآخر الذي ينبغي علينا الالتفات إليه ضرورة عدم الاختلاف والتفرق عن القيادات الرسالية التي تدعو إلى الإصلاح وتأمر بالعدل.   قال تعالى:﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.  إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حصن الأمة، وهو القيمة التي من خلالها تتمكن الأمة من خلالها من الحفاظ على مقدساتها. والقيادة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بكل جرأة وشجاعة، يجب أن تلتف حولها كل الطاقات والكفاءات، لا أن تصبح هذه الطاقات عاملاً لبث الفرقة والاختلاف حول القيادة الرسالية.
واجبنا في حفظ جهود المتقين
إن جهود المتقين في الدعوة إلى الإصلاح والأمر بالعدل يجب ألا تضيع بتفريطنا، وإنما لا بد أن تعزز هذه الجهود من خلال إرادتنا وحركتنا. فيجب على كل الرموز والشخصيات والفعاليات الاجتماعية أن تساهم في الدعوة إلى الإصلاح. أما السكوت فهو جريمة كبرى لن تغفرها لنا الأجيال، وسيدونها التاريخ دون أدنى شك. فالعدل حينما يسود، والحقوق حينما تسترد لن تكون مختصة بجماعة معينة، وإنما هي عامة لكل المجتمع.  أسال الله سبحانه أن يوفق المؤمنين والمؤمنات لذلك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.



الخطبة الثانية
مجتمعنا وثقافة المرحلة 
صدر الخطبة
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله. اتقوا الله وكونوا مع الصادقين المجاهدين. فإن حقيقة التقوى تتجلى من خلال الكون مع الصادقين، ومن خلال الدفاع عن الحق وعن قيم الرسالة خصوصاً في أوقات الشدة والأزمة. فالتقوى هي الطاقة المحركة، فبقدر ما يمتلك الإنسان من روح التقوى بقدر ما يتخذ مواقفاً مسؤولة، وبقدر ما يفتقد الإنسان روح التقوى بقدر ما يغرق في التبريرات والذاتيات التي تبعده عن وظيفته العملية، وعن مواجهة التحديات الخارجية.
إن تحقيق التغيير الجذري والإصلاح الشامل بحاجة إلى حركة حقيقية على جميع الأصعدة والمجالات، وإلا فإن المجتمع سيعيش التخلف والجمود والانحدار. كثير من المجتمعات تأمل تحقيق الإصلاح، كمجرد أماني وأحلام يتسلون بها، بعيداً عن الواقع الخارجي، فيستمر فيها الظلم ويبقى فيها التخلف، ويستبد بها الطغيان والاستكبار. بل حينما تتحرك القيادات الرسالية من أجل تحقيق التغيير الجذري والإصلاح الشامل هناك من يقف في طريقها خوفاً من ضريبة الإصلاح والتغيير.  فهناك إرادة عند بعض الفئات على أن تبقى الإرادة الاجتماعية جامدة غير قادرة على أن تتحرك نحو الإصلاح، وهذه الإرادة تثبط كل محاولات التغيير والإصلاح.  
فالواقع الجامد نحو الإصلاح لا بد له أن يكسر. فحينما تنغلق الأبواب أمام المصلحين وتنعدم الوسائل الإصلاحية أمام العلماء، لا بد من وجود فئة تتحمل مسؤولية الدعوة إلى الإصلاح بكل قوة وعزيمة وتكسر الواقع الجامد. ولا شك أن كسر الطوق الجليدي على المجتمع كما أن له إيجابيات كثيرة، كذلك له ضريبة لا بد للمجتمع أن يكون مستعداً من أجل تحملها. 
كيف نتعامل مع المتغيرات؟
قد تمر على المجتمعات الإسلامية أحداثٌ ومتغيرات كفيلة بأن تشكل انعطافة تاريخية في مسيرة الأمة. فيا ترى كيف يجب على مجتمعاتنا أن تتعامل مع المتغيرات، حتى تتمكن من استثمارها بما يغير واقعها؟  هنا يمكن أن نشير إلى مجموعة من الأمور:
الأمر الأول: النظرة الإستراتيجية للحدث

قد تمر على مجتمعاتنا قضايا مفصلية ولكن الكلام في كيفية تعاطي المجتمعات معها؟ هل تتعامل معها تعاملاً استراتيجياً، يؤثر على ثقافتها ومواقفها ومسيرتها، أم أنها تتعاطى مع الحدث تعاطياً لا مسؤولاً، أو أن تتعاطى مع الأحداث تعاطياً عاطفياً سرعان ما يزول؟ 
لا شك أن التغيير بحاجة إلى تفكير استراتيجي، وإلى نظرة بعيدة المدى، فالتعامل مع المتغيرات ينبغي أن يكون تفاعلاً مسؤولاً واستراتيجياً، كما أن التفاعل مع الأحداث والأزمات ينبغي أن يخرج من إطار التفاعل العاطفي، ويدخل في إطار التفاعل العقلاني. ولا شك أن التفاعل العاطفي يموت بانتهاء القضية والأزمة في الخارج. بل إن المجتمعات التي تتعامل مع الأزمات والأحداث الهامة تعاملاً عاطفيا لا تتمكن من تحقيق التغيير، لأن التغيير لا يتحقق إلا من خلال استثمار المتغيرات، والتعامل معها تعاملاً مسؤولاً ينظر إلى المستقبل.

الأمر الثاني: بناء الطاقات:

إن حركة التغيير الجذري والإصلاح الشامل بحاجة إلى مختلف الطاقات والكفاءات في جميع المجالات، الدينية والثقافية، والسياسية والحقوقية. ومجتمعاتنا وإن كانت قد برزت فيها في العقد الأخير طاقات عديدة، إلا أنها بحاجة إلى مزيد من الطاقات والقدرات. كما أن الطاقات يجب عليها أن تتقارب حتى تكسر حاجز العزلة فيما بينها، لأن حاجز العزلة هو الذي يحول دون تلاقي كثير من الطاقات واجتماعها على قضاياها المصيرية.
بل إن الذي ينبغي علينا أن نفعله هو تحشيد الطاقات.  فالتغيير الجذري والإصلاح الشامل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تضافر مختلف الطاقات والقدرات. فلا بد للمجتمع أن يحشد طاقاته المتنوعة، من علماء ونخب مثقفة، حيث أن كل الطاقات يجب أن تساهم في صنع التغيير واستيعاب متطلبات المرحلة. حيث أن كل مرحلة من مراحل التغيير لها متطلبات ثقافية وفكرية لا بد من التصدي لها من قبل طاقات المجتمع.

الأمر الثالث: نشر قيم وثقافة المرحلة:

لا شك أن لكل مرحلة من المراحل ثقافتها التي تناسبها.  وبث الثقافة المرحلية يعد من المطالب الثقافية الضرورية لإحداث التغيير. فالمجتمع حتى يحقق التغيير الجذري والإصلاح الشامل بحاجة إلى شخصيات قادرة على تجاوز التحديات المطلوبة. فالمطلوب تغيير العقلية الاجتماعية للتأهل لمتطلبات المرحلة.
وحينما ندرس القرآن الكريم نجد أنه نزل منجماً طبق الأحداث، فكان يوفر لكل حقبة زمنية خطابها المناسب حتى تتمكن الأمة الإسلامية الفتية من تحقيق الإصلاح الجذري والتغيير الشامل. وهكذا حينما ندرس سيرة الأئمة عليهم السلام نجد أنهم كانوا يركزون على الثقافة المطلوبة في كل مرحلة من مراحل الأمة، حتى يتكامل بناء الأمة وتتكامل شخصيتها. فالإمام السجاد عليه السلام، وبعد ثورة أبيه الإمام الحسين الشهيد عليه السلام بلور شخصية الأمة الإيمانية، وكانت الثقافة التي يغرسها الإمام تركز على إعداد الشخصية الإيمانية القادرة على تحمل مسؤوليات العمل الرسالي.  
فلكل مرحلة خطابها المناسب وثقافتها المناسبة التي تتناسب مع المعطيات الخارجية. وهذا يعني أن يتوجه العلماء والنخب المثقفة نحو الأهداف الكبرى التي يتطلع إليها المجتمع.  ولو نظرنا إلى المرحلة السابقة وقيمنا مسار العمل النخبوي في مجتمعنا، لوجدنا أنه يفتقر إلى كثير من المتطلبات.  ومن أبرز هذه المتطلبات غياب الصبغة البنائية والإصلاحية، سواء على مستوى الفرد أم على مستوى المجتمع. فعلى مستوى الفرد، لا بد من التركيز على الثقافة التي تبني الإنسان وتصحح من تطلعاته وأهدافه، لأن الإنسان لا يتمكن أن يحرك ساكناً، إلا بعد تصحيح أهدافه وتطلعاته. 
وهكذا على مستوى المجتمع، ما هي الطموحات التي يتطلع إليها المجتمع، وهل أن المجتمع مهيأ ومؤهل من أجل تحقيقها في الخارج أم لا؟ فإذا كان المجتمع مؤهلاً فلماذا لا يسعى من أجل تحقيقها على أرض الواقع، و إذا كان المجتمع غير مؤهل فمتى تتحمل النخبة من العلماء والمثقفين مسؤولية إعداد المجتمع؟  
ولهذا نؤكد على ضرورة مراجعة خطاباتنا،  فليس كل خطاب ينفع إلى كل جيل وإلى كل مرحلة، فهناك خطابات عفا عليه الزمن. ولهذا لا بد من تجديد طبيعة الخطاب بما يتناسب مع المرحلة التي تعيشها أمتنا. ولا شك أن هذا الأمر هو مسؤولية العلماء والمثقفين وأصحاب الكلمة.  فيجب على كل من يمتلك ناصية الكلمة أن يسلك خطاباً تجديداً يتناسب مع المرحلة التي نعايشها، وإلا كنا متأخرين عن الأحداث، ولا شك أن هذا التأخر يعيق حركة الإصلاح. فلا بد لخطابنا أن يركز على قيم المرحلة، فيدعو إلى العدالة والحرية والكرامة وإقامة الحقوق. فهذه القيم الكبرى والتي تشكل تطلعات مجتمعاتنا لا بد أن تتحول إلى ثقافة اجتماعية سائدة تنادي به جميع الشرائح الاجتماعية، وهكذا ندخل مرحلة جديدة في مسيرتنا نحو الإصلاح. ثم إن خطاباتنا يجب أن تكون خطابات بنائية تستهدف بناء الإنسان من خلال بث ثقافة الوحي وثقافة القرآن، لأنها هي القادرة دون غيرها على اقتلاع الإنسان من حالة الركود والجمود إزاء قضاياه المصيرية.   

الأمر الرابع: مراجعة مسؤولياتنا:

كما ينبغي على مختلف الطاقات أن تراجع مسؤولياتها الحقيقية، لأن غض الطرف عن المسؤوليات الحقيقية يحول بيننا وبين الوصول إلى أهدافنا وتطلعاتنا. فيجب على العلماء أن ينظروا إلى مسؤولياتهم الأساسية التي تتمثل في بناء الإنسان والنهوض بالمجتمع وتحقيق التغيير الجذري والإصلاح الشامل. كما يجب على المثقفين أن ينظروا في مسؤولياتهم الأساسية والتي تتمثل في معالجة الإشكاليات الاجتماعية والحضارية وبلورة الوعي العام لهذه المشكلات.
نسأل الله سبحانه أن يوفق المؤمنين والمؤمنات لذلك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. بسم الله الرحمن الرحيم.. والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعلموا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

[1]  إمام وخطيب جمعة العوامية بالإنابة.







            (ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera


ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق