بسم الله الرحمن الرحيم
استكمالاً
لمقالات العلامة الحجة الشيخ نمر باقر النمر حول الانتخابات الأمريكية
التي كان يكتبها وتنشر في عام 1429 هـ وتوقف سماحته لظروف خاصة في ذلك
الوقت، فهاهو يستكمل هذه السلسلة ليبصرنا بالرؤى الرسالية.. لنعرف كيف غيرت
مسيرة دولة بأكملها لا سيما أن وضعنا الراهن الآن يشابه تلك الحقبة من رفض
الظلم والاستبداد، ونرى وضع تونس ومصر
وكذا البحرين وليبيا ترفض ما يقرر عليها من سلطة النظام المستبد.. ولكي لا
نطيل عليكم في هذه المقدمة نردف لكم ولمن لم يقرأ المقالات من السلسلة
نذكرها ههنا لتعم الفائدة:
الآن نترككم مع المقال الثالث وهو على جزئين في هذه الرسالة سنورد الجزء الأول ..
ولا نوصيكم بنشره معكم .. ولا تنسونا من صالح دعائكم
﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ
الرَّحِيمِ
﴾
الانتخابات الأمريكية دلالات
وآفاق(3-4) (الجزء الأول)

بقلم آية الله الشيخ نمر باقر النمر (حفظه الله)
قصة الزعيم مارتن لوثر الذي غير وما زال يغير أمريكا والعالم وانتشل أوباما من الوادي السحيق للعبوديه ورفعه إلى قمة الجبل لرئاسة أمريكا والعالم
لقد
رزح الزنوج في الولايات الأمريكية تحت نير العبودية والاستعباد أكثر من خمسة قرون
( 500 عام ) حيث كانوا يتجرعون ذل العبودية بالملكية لأكثر من ثلاثة قرون ( 300
عام )؛ ثم بعد نضال طويل، وتضحيات جسام استطاعوا أن يتحرروا من ذل العبودية
بالملكية؛ ولكنهم ما خرجوا منها إلا وهم داخلون في ذل العبودية العنصرية إلى أكثر
من قرن ( 100 عام )؛ وإلى قبل أقل من خمسين سنة يولد الزنجي في الولايات الأمريكية
ناقص الحقوق والمواطنة بسبب لون بشرته حسب القانون والدستور الأمريكي الذي يعطي
السيادة لصاحب البشرة البيضاء، ويُلزم صاحب البشرة السوداء بالعبودية والسُّخرَة
للبيض؛ فلا يحق لصاحب البشرة السوداء المشاركة في الانتخابات فضلاً عن الترشح
فيها؛ بل لا يحق له أن يستخدم المراحيض التي يستخدمها السيد الأبيض؛ وممَّنْ وُلِد
ناقص الحقوق والمواطنة بسبب لون بشرته الرئيس الأمريكي اليوم باراك حسين أوباما
الذي وُلِد قبل ستة وأربعين عام وهو ناقص الحقوق والمواطنة، ولا يحق له الانتخاب
ولا الترشح ولا استخدام المراحيض التي يستخدمها البيض حسب القانون والدستور
الأمريكي. ولكنه اليوم هو الرئيس الأمريكي الذي انتخبه الشعب الأمريكي ليكون سيد
البيت الأبيض، ورئيس أقوى دولة عسكرية واقتصادية وسياسية وتقنية ونفوذ وتأثير في
العالم على الإطلاق وبلا منازِع لها. وليس حالنا في الشرق الأوسط بأحسن من حال
الزنوج في الولايات الأمريكية قبل خمسين عاماً؛ فها نحن وُلِدْنا في عالم الشرق
الأوسط الذي يتحكم ويستفرد ويحتكر الحكم في كثير من دوله بعض العوائل القبلية
البدوية، وينحصر الحكم في عنصرها القبلي الذي لا يعرف إلا لغة الغدر والبطش، وجثمت
هذه الأسَر الحاكمة على صدور شعوبها قرن أو قرنين أو ثلاثة أو أكثر مستعلية على
الناس ومُتَسَيِّدة عليهم ومُسْتَعبِدة لهم؛ ويولد الشعب بأكمله - وليس فئة منه -
ناقص الحقوق والمواطنة؛ فلا يحق له أن يَنتخب، ولا يحلم أن يترشح، ولا ...
والقائمة تطول بسرد ما لا يحق للشعوب لأنها أطول بأضعاف مضاعفة مما يحق للشعوب؛
ولأن الأصل في الحكم القبلي البدوي هو عدم استحقاق الشعوب للحقوق؛ فالحاكم
مُعَيَّن ومُنَصَّب من قبل آلهة الطغيان وأرباب العدوان وهو في صلب أجداده وإن جهل
ترائب وأرحام أمهاته؛ ولأن الشعب بأكمله لا يولد إلا من أجل أن يكون عبداً منكوساً
ومملوكاً للطاغي، ثم يورِّثه ضمن التركة لأبنائه؛ كما كان الولد يرث زوجة أبيه في
العصر الجاهلي، وليس للشعب مهنة إلا مهنة الإسكافي فيمسح للحاكم أحذيته، ويطليها
بالبوية، ويلمع قندرته، ويسبح بحمد نهبه، ويمجد بطشته، ومن ثم يكافأ بلحس فُتاة
ذيله في خِلْسَتَه لا أكثر. وهذا ما كان يقوم به الزنوج في أمريكا إلى قبل خمسين
عام. والسؤال الذي يُطرح هنا لتشابه الظروف في الجملة؛ ألم يرتقي أوباما سدة
الرئاسة الأمريكية حقيقة؟ أوَليس هو واقع يُشاهد بالعيان ويُدركه ذووا العقول
والأحلام؟ وألا يمكن أن يتحقق مثله في الشرق الأوسط؟ ويكون الحكم للأكفأ من عموم
الناس، أو يكون الحاكم بالانتخابات الحقيقية وصناديق الاقتراع؟ أم أن هذا وكذا
ارتقاء أوباما لسدة الرئاسة الأمريكية وَهْمٌ وسرابٌ من نسج الخيال، وأضغاث أحلام
لتفريج كوابيس المنام؟ ولن يتزحزح الحكم في دول الشرق الأوسط عن أهل القمع والبطش
وقانون الغاب ودستور الظلام.
إن
السُّنَّة الإلهية، والكتب التاريخية، والمسيرة البشرية، والأمثال الشعبية تُجمع وتتفق
على أن الأيام دول، وأن حضارات فضلاً عن قبائل حكمت وسادت ثم تهاوت وبادت، وأن القوس
الإنساني في صعود للكرامة والعدالة والحرية والأمن والمساواة واسترداد الحقوق، وأن
لو دامت لغيرك ما وصلت إليك. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ
شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾. (140) سورة آل عمران.
إن
الواقع الحاضر بسلبياته وإيجابياته، وبخنوعه وشموخه، وهكذا المستقبل ليس وليد
اللحظة، وليس صنيع الظرف الآني، وإنما هو تراكم كمي وكيفي، له امتداد أفقي وعمودي،
وطولي وعرضي، انتظمت فقرات سبحته بمشيئة الله وإرادة الإنسان عبر التاريخ
والجغرافيا بما يحويان في رحمهما من ظروف زمانية ومكانية وموضوعية وشخصية مجتمعة؛
لتُكوِِّن الهيكل الأساسي وتكسوه بشخصيته المتميزة، ومن ثم تعلن ولادة الحاضر
وتقوم بتنشئته، وتشكيل خصوصياته، وتحديد معالمه، وبعد ذلك تعقد نطفة المستقبل
وآفاقه.
إن
للأجيال السابقة اليد الطولََى في تشكيل الواقع للأجيال اللاحقة؛ فلكل جيل سابق
لمساته وبصماته الحسنة أو السيئة على اللوحة الفنية، والتضاريس الجغرافية
السياسية، والخريطة الكونية والإنسانية للأجيال التي تليه. وهذا لا يعني الحتمية
التاريخية على الحاضر؛ وإنما يدلل على التأثير الكبير للتاريخ على الحاضر؛ وإلا
فإن لكل جيل اليد الأعلى في تشكيل وتكوين واقعه؛ وهو الذي يصنع مجده أو خزيه
بنفسه؛ لأنه قادر على التمرد، بل والانسلاخ من التاريخ؛ لأنه لكل جيل سلطانه على
نفسه، ولا توجد سلطة قاهرة لجيل على جيل. بلى هناك لمسات وبصمات سيئة وضعتها
الأجيال السابقة، وتشكلت بها الأجيال اللاحقة، ولكنها ليست بحتمية، وهي قابلة
للإزالة، والأجيال اللاحقة ارتضتها لنفسها بإرادتها واختيارها. يقول الله سبحانه
وتعالى:
﴿ أَمْ
آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ 21 بَلْ قَالُوا
إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ
22 وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا
قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ 23 قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ
عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ 24 ﴾ .
ويقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ
آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
170
﴾ .
ولكن
هناك أيضاً لمسات وبصمات حسنة وضعتها الأجيال السابقة، وتشكلت بها الأجيال
اللاحقة، ولكنها ليست بحتمية، وهي قابلة للإزالة، والأجيال اللاحقة ارتضتها لنفسها
بإرادتها واختيارها. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَوَصَّى
بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ
الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 132 أَمْ كُنتُمْ
شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ
مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 133 ﴾.
وتأثير
الأجيال السابقة في تشكيل واقع الأجيال اللاحقة لا يعني أن الجيل اللاحق لا يتمكن
من إحداث تغيير وإصلاح لنفسه، وأن الواقع لا يمكن تغييره وإصلاحه إلا لجيل آخر
يليه؛ لأن هذا التفكير بحتمية التاريخ أو حتمية جيل الآباء مخالفٌ لصريح القرآن. يقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ
فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. (105) سورة التوبة.
ويقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَن لَّيْسَ
لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾. (39 - 40) سورة النجم.
ويقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾. (7) سورة محمد.
ويقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ
فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن
بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾. (160) سورة آل عمران.
والتفكير
بحتمية التاريخ أو حتمية جيل الآباء مخالفٌ لنهج الأمير عليه السلام الذي استوحاه
من القرآن. يقول الأمير عليه السلام: " ما رام
امرؤ شيء إلا وصل إليه أو ما دونه ". ويقول عليه السلام: " المرء حيث وضع نفسه ". ويقول عليه السلام:
" يطير المرء بهمته كما يطير الطير بجناحيه ".
ويقول عليه السلام: " ميدانكم الأول أنفسكم
فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز".
ويقول عليه السلام:
" دواؤك فيك ولا تبصر *** وداؤك منك ولا تشعر
أتحسب أنك
جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب
المبين الذي *** بآياته يظهر المضمر ".
كما
أن التفكير بحتمية التاريخ أو حتمية جيل الآباء مخالفٌ أيضاً للسيرة والمسيرة
البشرية التي تشهد بالتغيير والإصلاح الذي أحدثته الأجيال اللاحقة خلافاً للأجيال
السابقة، وتؤكد هذه السيرة والمسيرة البشرية على إرادة وحاكمية كل جيل على نفسه،
دون أن تلغي تأثير الأجيال على بعضها؛ وبالتالي هي تؤكد على صحة نظرية تكامل
الأجيال، ونظرية صراع الأجيال في آن واحد.
إن
وحي السماء ينفي سلطان الأجيال على بعضها بعضاً؛ فلا سلطان ولا حتمية للأجيال
السابقة على الأجيال اللاحقة؛ ولكن هذا لا ينفي التأثير الإيجابي أو السلبي
للأجيال السابقة على الأجيال اللاحقة؛ ولذا يبقى للأجيال السابقة دور رئيسي وأساسي
في تشييد ونوعية بناء البيئة وآفاقها السياسية والاجتماعية والفكرية للأجيال
اللاحقة؛ ومن ثم تؤثر في تحديد طبيعة المسار الذي يتحركون فيه، والآفاق التي
يتطلعون إليها، وطريقة التفكير التي ينتهجونها؛ ولذلك يأمر الإمام علي عليه السلام
الأجيال السابقة، ويحملهم مسؤلية الجهاد والسعي والعمل؛ لإحداث نهضة إنسانية
للأجيال اللاحقة تُشَيِّد الحضارة القيمية التي تتخذ الكرامة والعدل والحرية
والسلام قواعد وأركاناً ومراجعاً لكل نظرياتها التشريعية والمعرفية، وتطبيقاتها
التنفيذية والقضائية. يقول الأمير عليه السلام: " جاهدوا تورثوا أبناءكم عزاً ". ولهذه الدُّرَّة العلوية
أنوار لا تنطفئ، تضيء الآفاق لمواصلة واستمرارية العمل الرسالي، والنهوض ،
والتجديد الرشيد، والتنمية البشرية، والإصلاح الاجتماعي، والحراك السياسي، والثراء
الاقتصادي، والتقدم العلمي، والتطور التقني، والبناء الحضاري، والتكامل الإنساني.
فكما يكدح الإنسان ليجمع المال ويورثه لأولاده لِيُؤَمِّن مستقبلهم ويغنيهم عن
الحاجة إلى الآخرين وذل السؤال؛ فكذلك عليه أن يجاهد الفساد والطغيان؛ ليورث
لأولاده عزَّ الحياة. وعلى الإنسان أن يجاهد ولا ييأس ولا يتوقف ولا يتراجع عن
الجهاد، ولا يستعجل الثمرة لأنها لن تضيع؛ فإن لم تساعده الظروف لقطفها فسوف
يقطفها الأولاد الذين نغرس الشجرة من أجل إطعامهم قبل إطعامنا. وممن طبق وعمل بهذه
الدُّرَّة العلوية، وناضل وجاهد وورَّث العز والكرامة لأولاده والأجيال الزعيم
الزنجي الأمريكي مارتن لوثر كينج الذي ترك بصمات حسنة وَرَّثَها للأجيال،
ومَكَّنَت باراك حسين أوباما من الوصول إلى سيادة البيت الأبيض ورئاسة العالم؛ وإن
لم يقرأ مارتن لوثر كينج هذه الدُّرَّة، ولم يعرف أن هناك درَّة للأمير عليه
السلام تحث على العمل والسعي والجهاد للأجيال القادمة. فمارتن لوثر كينج هو الذي
غرس بذرة التطلع بخطابه التاريخي " لدي حلم ". وبعد خمسين عاماً من
غرسها يأتي باراك حسين أوباما ويحصد أعلى وأغلى ثمراتها. فمن هو مارتن لوثر كينج؟
وما هي قصة حياته؟.
مارتن
لوثر كينج
مارتن لوثر كينج جونيور
يُعْتَبَر
مارتن لوثر كينج جونيور Martin Luther King JR من أهم الزعماء
الأمريكيين من أصول أفريقية، ومن أهم الشخصيات التي دعت إلى الحرية والعدالة
والسلام واللاعنف وحقوق الإنسان في الولايات الأمريكية التي كانت منغمسة إلى القعر
في أوحال العنصرية بجميع أشكالها، ومن أهم الشخصيات التي جاهدت وكافحت وناضلت
وطالبت بإنهاء التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري ضد
الأفارقة السود في أمريكا. وهو قس وناشط ومناضل وقائد إنساني وسياسي وميداني
استطاع بعمله ومواقفه وأفكاره أن يغير إلى الأحسن حياة أجيال وأجيال ممن بعده من
الزنوج في أمريكا والعالم. فكان من أركان وأعمدة التغيير والإصلاح الثقافي
والسلوكي والقانوني في الولايات الأمريكية؛ التغيير والإصلاح الذي مكَّن الزنجي
باراك حسين أوباما من الوصول إلى رئاسة الولايات الأمريكية والعالم. يقول مارتن
لوثر كينغ: " ليس هنالك شيء اسمه نضال لأجل حق صغير، أو ظرفي أو مؤقت، بل
هنالك النضال الدائم لأجل إنسان خلقه الله حرّاً، وعليه أن يعيش حرّاً وكريماً
" ويقول: " إذا لم يجد الإنسان ما يضحي لأجله، فهو لا يستحق العيش
". وكان يتطلع مارتن لوثر كينج إلى اليوم الذي تسود فيه الروح الإنسانية في
الولايات الأمريكية، وتحكم فيه العدالة والمساواة والحرية، ويرتفع فيه الظلم
والجور والعدوان، ويندحر فيه الاستعباد والتسلط والاستبداد، وينقشع فيه التمييز
العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري، فكان يتطلع - وإن عبر عن تطلعه
بالحلم - إلى الحياة التي يعيش فيها هو وأطفاله في أمن ووئام وسلام في مجتمع تتحكم
في مسيرته ومساراته قيم النبل الإنسانية التي من خلالها يتحدد مقام الإنسان العام،
ومكانه الاجتماعي، وموقعه المهني في هذا البلد الأمريكي الذي يرفع شعار الحرية
بينما كُبِّل هو وأولاده وبنو جلدته من الزنوج بإصر العبودية، وأغلال الاستعباد،
وتجرَّعوا مرارة الحياة. يقول مارتن لوثر كينغ:
دعنا
لا نسكن في وادي اليأس..
أقول
لكم أصدقائي، بالرّغم من الصّعوبات والإحباطات. مازال لديّ حلم .. حلم متأصّل في
الحلم الأمريكي..
لديّ
حلم أنه في يوم من الأيام ستنهض هذه الأمّة لتعيش معنًى عقيدتها الحقيقي: نؤمن
بهذه الحقيقة: أنّ كلّ الرّجال خُلِقُوا متساوين..
لديّ
حلم أنه في يوم من الأيام وعلى تلال جورجيا الحمراء سيكون أبناء العبيد وأبناء
ملاك العبيد السابقين قادرين على الجلوس معا على مائدة إخاء..
لدي
حلم أنه في يوم من الأيام أنه حتى ميسيسبي التي تتصبّب عرقاً من حرارة الظلم
والاضطهاد ستتحَوَّل إلى واحة حرّيّة وعدالة..
لديّ
حلم أنّ أطفالي الأربعة سوف يعيشون في يوم من الأيام في دولة لن تعاملهم بلون
جلدهم ولكن بمحتويات شخصيّتهم..
لديّ
اليوم حلم..
لديّ
حلم أنه في يوم من الأيام وفي ولاية ألاباما. التي تنثر شفتي حاكمها عبارات التحلل
وإلغاء الآخر. ستُحَوَّل إلى مكان حيث يستطيع أولاد سود صغار وبنات سود صغيرات أن
يتصافحوا مع الأولاد البيض الصّغار والبنات البيض الصغيرات ويمشوا معاً كأخوات
وأخوة..
لديّ
حلم اليوم.. لديّ حلم أنه في يوم من الأيام سيعلوا كل واد، وسينخفض كلّ تلّ وجبل،
ستتضح الأماكن الوعرة، وستستقيم الأماكن المعوَّجة، وسيعلن مجد الرّبّ، وسيكون كل
الناس معاً.. هذا هو أملنا.. هذا هو الإيمان الذي أعود به إلى الجنوب.. وبهذا
الإيمان سَنُخْرِجُ من جبل اليأس نواةَ أمل.. وبهذا الإيمان سَنُحَوِّل التنافر في
أمتنا إلى سيمفونيّة أخوّة جميلة.. بهذا الإيمان سنعمل معاً، ونصلي معاً، ونقاتل
معاً، ونذهب إلى السّجن للدّفاع عن الحرّيّة معاً، مؤمنين بأننا سنكون أحراراً ذات
يوم..".
إن
أقصي ما يتطلع ويطمح إليه أو يطمع فيه أي مواطن أمريكي أسود في ذلك اليوم وما
قبله هو التحرر من إصر وأغلال الظلم الجور والعدوان، والإنعتاق من العبودية
والاستعباد والقهر والتسلط، والتخلص من التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون،
والفصل العنصري، وتحقيق العدالة والحرية والمساواة على مستوى الحياة الشخصية
والفكرية والاقتصادية ونوعاً ما في الحياة السياسية. وإذا كان هناك تطلع أو طموح
عند الزنوج أعلى وأقصى من ذلك فلن يتجاوز تغيير وإصلاح نمط التفكير والسلوك
الأمريكي؛ وهذا التطلع والطموح لن تجده إلا عند القيادة المتفائلة التي تملك الرؤية
الصائبة للتعامل مع الواقع، والنظرة الثاقبة لاستشراف المستقبل؛ وهذه القيادات
قليل ما هم؛ ومن هؤلاء النوادر على سبيل المثال لا الحصر الزعيم الأول والأقوى
والأشهر للأفارقة الأمريكان ملكوم إكس - وسوف تكون هناك دراسة عن استيقاظه بنور
الإسلام وإيقاظه للزنوج من سبات اللهو واللعب والذل والخنوع؛ هذا الإيقاظ الذي غير
الولايات المتحدة من جذورها -، والزعيم مارتن لوثر كينج الذي سعى لتحرير روح
أمريكا من نفسها؛ ومع ذلك لم يتطلع مارتن لوثر كينج ولم يّدُرْ في خُلْدِه ولم
يُحَلِّق خيالُه لا هو ولا غيره من القيادات الزنجية التطلع إلى سدة كرسي العرش في
البيت الأبيض. وقد يكون لهم العذر في تلك الأيام العصيبة لأن هذا التطلع المشروع
لو كان فإن الأغلب من الجلادين والضحايا سينظرون إليه أنه لوث ومسٌّ من الجنون بل
أعلى درجاته.
فحينما
صدع مارتن لوثر كينج في عام 1963م في خطابه التاريخي " لدي حلم "
لم يكن يتصور ولا يتخيل ولا يحلم أنه بعد أقل من نصف قرن ( 50عام ) لن يتحقق له
حلمه فحسب بل وأكثر بكثير مما كان يحلم به؛ فلم يحلم أن ينجح أحد مواطنيه السود في
السابعة والأربعين من عمره وهو المواطن الأسود باراك حسين أوباما الذي لم تضرب
أوتاد جذوره في أدغال أفريقيا السوداء فحسب بل عُجِنَت نطفة أبيه مباشرة ومن دون
فصل فيها، وامتزجت وأشْرِبَت بفطرة الإسلام أيضاً؛ ويتبوأ وبإرادة ودعم وتأييد
السيد الأبيض أعلى مقعد للسلطة، ويكون سيداً للبيت الأبيض والعالم.. وينجز
ويحقق ما يسميه البعض بالأسطورة؛ وهي أن يصبح مواطن أسود سيداً للبيت الأبيض
والعالم؛ الحقيقة والسُّنُّة الإلهية التي لم يتصورها ولم يتخيلها أحد ربما حتي
العام الماضي وليس قبل نصف قرن ( 50 عاما ) غير المخابرات والأيادي الخلفية التي
تهندس وترسم الجغرافيا، وتتحكم وتنحت في تضاريسها السياسية.
تعالَوا
نقرأ الحياة النضالية لهذا الزعيم منذ الولادة إلى الممات لنرى طريق ذات الشوكة،
ونشاهد الصُّوَر الجهادية الحيَّة التي شاركت بل وأسست لهذا الإصلاح الجذري،
والتغيير الشامل، والتحول العظيم في الولايات الأمريكية والعالم؛ لكي نقبر روح
اليأس، وندفن ثقافة التبرير، ونتخلص إلى الأبد من العقيدة الجبرية والقدرية
والحتمية التي أعمت بصيرتنا عن سنَّة التغيير والتحول وتداول الأيام بين الناس،
وأقعدتنا عن السعي، ولكي نتفاءل بالمستقبل، ونسعى لتغيير واقعنا في العالم العربي
والإسلامي وإصلاحه، ولترسيخ وتجذير ثقافة وعقيدة وسنَّة تداول الأيام بين الناس.
ولادته
في
صبيحة يوم الثلاثاء في 15 يناير 1929م في مدينة أتلانتا التي كانت تعج بأبشع مظاهر
وأشكال وأنواع التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصرية ضد
الزنوج؛ كان الجو ملبداً بالغيوم قاتماً، وشديدَ البرودة قارصاً، ويكاد التوتر
يفتك براعي الكنيسة كينج جونيور الذي صب كل جهده، وركز أفكاره على زوجته ألبرت
التي تعيش مخاض الولادة بعد أن عانت بسبب الظلم والاضطهاد والتمييز العرقي،
والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصرية ضد الزنوج أشد العناء في حملها لجنينها؛
وبعد ساعات تطاولت كأنها السنين من الآلام والعذاب وُلِد مارتن لوثر كنج جونيور Martin Luther King JR ولكن نبضات القلوب بدأت تخفق، وكادت أن تتوقف لمَّا بدا لها أن
المولود في عداد الأموات، والكل يحدق بالطبيب، ولسان حالهم يقول له ألا تفعل له
شيئاً لينبض قلبه بالحياة؟ فما كان من الطبيب إلا أن صفع هذا الطفل الذي لم يمضِ
من عمره إلا لحظات صفعة شديدة أذهلت الحاضرين، واعتقدوا بأن الطبيب أصاب عقله لوث
من الجنون لولا أن صَدَرَ صوتٌ خافت، وصراخ واهن من الطفل ليعلن وجوده وحياته التي
انغرزت وامتدت أوتاد جذورها في أعماق أدغال التربة الأفريقية التي اُخْتُطِف منها
أجداده ليُباعوا ويُشْتَرَوا في سوق النخاسين بثمن بخس في الأراضي الأمريكية ولكي
تُسْتَغل أجسادهم وأرواحهم لخدمة ورفاه السيد الأبيض.
طفولته ونشأته
فتح
مارتن لوثر كينج عينيه لكي يرى جمال الحياة، وطبيعتها الخلابة، ولكي يعيش حياة
الإنسان الكريم الذي كرَّمه الله وفضله على كثير مِمَّن خلق؛ إلا أنه وبدلاً من أن
يرى ذلك الجمال الساحر الأخَّاذ كان يرى الاستعباد القهري، والاستعلاء الفوقي،
والتمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري يمارسه البيض على
السود؛ فالأمهات البيض فضلاً عن الآباء يَمْنَعْنَ أبناءهن عن اللعب معه؛ كما كان
يرى أقرانه البيض يحتقرونه وينبذونه ويبتعدون عنه، ويتجنبون مجالسته دون أن يصدر
منه سلوك يدعوهم إلى ذلك؛ كما لم يكن لهذه السلوكيات العنصرية، والممارسات
الاستعلائية أي سبب عقلي، أو مبرر معقول يستسيغه أو يدركه الكبير فضلاً عن الصغير.
فما كان ردُّ فعل الصبي مارتن لوثر إلا البكاء الذي كان يغلب عليه بسبب هذه
المعاملات العنصرية التي تسامت عليها حتى الحيوانات؛ وببراءة الطفولة النقية من
عُقَدِ الاستعلاء، وعقلية الغاب يقف متحيراً مذهولاً عاجزا عن تفسير ما يراه من
ممارسات استعلائية، وما يشاهده من سلوكيات عنصرية تمارس تجاهه والزنوج من قِبَل
البيض؛ إلى أن بدأ الصبي مارتن لوثر كينج يكبر ويعي ما يدور حوله، ويفهم الحياة،
ويعرف أن سبب كل هذه الأفعال والمواقف هو ثقافة وسلوك التمييز العرقي، والتفرقة
على أساس اللون، والفصل العنصري التي نشأ وتربى عليها البيض، ويتوارثونها أبٌ عن
جد، وجيل عن جيل، دون أن يكون لهم أدنى إحساس أو شعور بشري، أو قلب أو ضمير إنساني
حي، غير شهوة الفساد في الأرض؛ لإرواء نزوة طائشة، وهوى سفك الدماء؛ لإشباع غرور
غاشم.
ولقد
كان لنباهة ذهنه وحدة ذكائه معضوداً بنشأته الأسَرِيَّة في بيتٍ يأبى عن الكرامة
بدلاً الدورُ الأساسي والرئيسي في صقل وتكوين شخصيته القيادية الثورية المتطلعة،
والساعية إلى الحرية والعدالة واسترداد الحقوق المسلوبة بعزة وكرامة؛ فتربى وترعرع
في كنف أمّه ألبرت التي كانت تغذيه بالعزة والكرامة والثقة بالذات ليرفض ويقاوم
التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري، ويتحداه بروح مليئة
بالثقة والإرادة والعزيمة؛ فهو دائما يتذكر قولها له حين يشكو لها وببراءة الطفولة
ما يحصل له من ممارسات عنصرية من البيض: " لا تدع هذا يؤثر عليك، بل لا تدع
هذا يجعلك تشعر أنك أقل من البيض؛ فأنت لا تقل عن أي شخص آخر ". وحري بكل أمٍ
حرة - فضلاً عن الأب - أن تربي أبناءها على الإباء والرفض والممانعة والمقاومة
للواقع الجائر وعدم الاستسلام أو الخنوع له. وهكذا كان مارتن لوثر كينج يرتشف
العزة والكرامة، والنضال والجهاد من سيرة أبيه وجده المليئة بالنضال والكفاح ضد
التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري؛ فوالده كينج كان ذا
تطلعات وطموحات وآفاق واسعة وكان مع أبيه يناضل ويكافح التمييز العرقي، والتفرقة
على أساس اللون، والفصل العنصري، وكانا عضوين في حركة نضال السود الأفارقة التي
انضم إليها الولد مارتن لوثر كينج فيما بعد وسار على درب أبيه وجده حتى أصبح من
أشهر الزعماء والدعاة للمطالبة بالحقوق المدنية للأفارقة والأقليات.
ومضت
السنوات، وتصرمت الأيام، ودخل مارتن المدارس العامة في سنة 1935م وكان لنباهة ذهنه،
وحدة ذكائه الأثرُ الواضح لتفوقه على أقرانه مما جعل التفوق عاملاً وسببا لالتحاقه
بالجامعة التي وسَّعت آفاق تفكيره ومداركه وفهمه لنفسه والحياة ولما يدور حوله من
أحداث وتغيرات وتحولات؛ ومن ثم الإيمان بالعمل التطوعي والخدمة لبني جلدته والناس.
وفي سنة 1947م تم تعيينه كمساعد في كنيسة أبيه. وبسبب نبوغه تمكن من الحصول على
درجة البكالوريوس في الآداب في سنة 1948م ولم يكن عمره آنذاك يزيد على 19 عاما.
وفي عام 1953م تم زفافه على الفتاة الزنجية كوريتا سكوت. ثم حصل على الدكتوراه في
الفلسفة من جامعة بوسطن. ولكنه لم يستغل حدة ذكائه لتكريس ذاته وعبودية الأنا على
حساب مجتمعه؛ وإنما كرس هذا الذكاء، وهذه الفطنة لقضيته والدفاع عن بني جلدته
الزنوج المستضعفين والمستعبَدين من قِبَلِ البيض.
بداية الرحلة
وفي
سبتمبر سنة 1954م حط مارتن مع زوجته كوريتا سكوت رحاله في مدينة مونتجمري، واستوطن
فيها لتكون ميداناً لنضاله ومقاومته للقوانين والممارسات العنصرية؛ وهي إحدى مناطق
الجنوب الأمريكي التي كانت تعج بالظلم والاضطهاد والاحتقار، والتمييز العرقي،
والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري أشد من كل المناطق في الولايات المتحدة؛
حيث قاسى وعانى الزنوج السود على امتداد خمسة قرون ( 500 عام ) في أمريكا وبالخصوص
في الجنوب الأمريكي من ممارسات التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل
العنصري، والظلم والإضطهاد والعنف والفقر والجوع؛ فلم يكتفي السيد الأبيض أن ينظر
إلى الزنوج السود على أنهم عبيد يجب عليهم الطاعة، وفعل ما يأمرهم به سيدهم
الأبيض، بل تعدت النظرة الثقافية، والممارسة السلوكية للسيد الأبيض لِتُخْرِج
الزنوج من النوع الإنساني، وتسلبهم الحالة البشرية، وتجعلهم في مرتبة أدنى من
الحيوان؛ فلم ينظر إليهم السيد الأبيض إلا كأدوات وآلات تعمل وتُستغل أجسادهم
وأرواحهم لخدمة ورفاه السيد الأبيض ليس إلا، ومَنْ يرفض الانصياع لهذه الثقافة
وهذا السلوك يكون مصيره الموت والفناء بعد التعذيب والبطش التنكيل.
لقد
مضى قرن ( 100 عام ) على تحرير العبيد من العبودية والاستعباد بالملكية على يد
أبراهام لينكولن ولكنهم ما زالوا يعيشون في غياهب الاستعباد والعبودية بالثقافة
والسلوك؛ فما زال الاستحقار والمهانة التي يمارسها السيد الأبيض تلاحقهم وتطاردهم
في كل مفردات شؤونهم الحياتية، وما زال هناك الإقصاء، والفصل العنصري حاكم على كل
البيئة بجميع تنوعاتها ومفرداتها؛ فالأماكن التي يتواجد فيها نظراؤهم البيض ممنوع
عليهم التواجد فيها، أو الاقتراب منها؛ ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون
العنصري البشع، بل ولم يسمح للزنوج بشراء ممتلكات خاصة بهم؛ أما الفقر المتقع الذي
يكابده الزنوج فلا شبيه له حيث الظلم الاقتصادي قد توغل إلى عظامهم ينخرها؛ ففي
خمسينات وستينيات القرن العشرين كان يعيش الزنوج في مدن المناطق الشمالية هرباً من
ظلم التفرقة العنصرية في الجنوب -والمناطق الشمالية تعتبر جنة مقارنة بالجنوب في
الولايات الأمريكية المتحدة - أكثر من 20 مليون زنجي أي أكثر من 90% من الزنوج في
مناطق الشمال الأمريكي في بيوت فقيرة قذرة متهاوية مبنية من الصفيح المتصدي،
والأخشاب البالية، فضلا عن المصائب السنوية التي يلقاها الأفارقة الأمريكان على
أيدي محصلي الضرائب، والمصائب الشهرية على أيدي شركة التمويل، والمصائب الأسبوعية
على أيدي الجزار والخباز، ثم المصائب اليومية التي تتمثل في الحوائط المنهارة،
والأدوات الصحية الفاسدة، والجرذان والحشرات؛ وأضف إلى ذلك ازدياد البطالة،
وانتشار الجريمة، وتوغل الفساد، واستحكام الجهل، واستفحال الأمراض في الأوساط
الزنجية مما يجعلها مستنقع للأوبئة تتكاثر فيه جميع الجراثيم الاجتماعية التي يصعب
إن لم تستعصِ على الحل والعلاج. ولكنها ستكون أرضاً خصبة للثورة، وبؤرة مضغوطة
قابلة للانفجار في أي لحظة دون الالتزام بعتبات التحول، أو انتظار درجات التغيير.
وهكذا كانت مدينة مونتجمري مسرحاً لأحداث خالدة في ظروف كانت تعج بالكثير من مظاهر
التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري؛ فقد كان المجتمعان
الأبيض والأسود منفصلين عن بعضهما البعض في كل شيء حتى في استخدام المراحيض؛ فلا
يسمح للزنجي باستخدام المراحيض التي يستخدمها البيض؛ ويحكمهما قوانين عنصرية
تُفضِّل المجتمع الأبيض على المجتمع الأسود في كل شيء، وكان السود يعانون العديد
من مظاهر الاضطهاد والاحتقار إلى درجة أن المطاعم تضع على أبوابها لافتات كتب
عليها يمنع دخول الكلاب والسود. كما كان يتعرض الزنوج دائماً للاعتقال والتعذيب
والقتل بسبب عصيان التعليمات العنصرية لشركة الحافلات التي اشتهرت بإهانة عملائها
من الأفارقة!.
ترقبوا الجزء الثاني من هذا الحلقة الثالثة
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
)|ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
( | ~ {قرووب البصيرة الرسالية) . . (للأخبار والمواضيـع الرسالية} ~ | )
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:
http://groups.google.com/group/albaseera
لقراءة المواضيع السابقة التي نشرت في قروب البصيرة:

http://albaseeraalresalay.blogspot.com/
ملحق ذا فائدة:
* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009
* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:
http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
)|ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
( | ~ {قرووب البصيرة الرسالية) . . (للأخبار والمواضيـع الرسالية} ~ | )
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:
http://groups.google.com/group/albaseera
لقراءة المواضيع السابقة التي نشرت في قروب البصيرة:

http://albaseeraalresalay.blogspot.com/
ملحق ذا فائدة:
* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009
* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:
http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق