السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

1 يوليو 2011

مقال سيد حمزة الحسن بعنوان: (الشباب المتظاهرون .. رأسمال الشيعة حتى لا نخذل جيل الشباب مرتين)_ساهموا بنشره معكم


الشباب المتظاهرون .. رأسمال الشيعة حتى لا نخذل جيل الشباب مرتين

تمرّ علينا الجمعة تلو الأخرى، وشبابنا يتظاهرون ويعتصمون في سوح الجهاد، مطالبين بحياة العزّة والكرامة، ومدافعين عن حقوقنا المضاعة جميعاً، بإصرار قلّ نظيره، وفي ظروف غاية في التعقيد والصعوبة، معلنين بلبسهم الأكفان استعدادهم للشهادة في طريق الهدى الذي سلكوه، غير متزلزين ولا مستوحشين.

الآن وقد مضت أسابيع بطيئة على بيانات العلماء والوجهاء الداعية للتهدئة، والتي حملت وعوداً بتغيير السلطة لسياساتها الطائفية، وإطلاق سراح المعتقلين، ومنح آل سعود الفرصة لإصلاح ما أفسدوه، وما اقترفوه، كشرط ابتزازي للمجتمع الشيعي برمّته، بأن يوقف تحركه قبل أن يبدأ النظام بالفعل المقابل.. علينا أن نعود مجدداً لأصول القضية، تذكيراً واسترشاداً لما هو آت.

أهداف التحرك

ثلاثة أهداف رفعها المتظاهرون منذ البداية، وجرى التركيز عليها دون غيرها، وهي أهداف معتدلة عقلانية، وذات مغزى عميق، وهي:

أولاً ـ إطلاق سراح المعتقلين المنسيين، إيماناً من الجميع بأن قضيتهم محقّة، وأنهم أبرياء مما نسب إليهم، وأن الظلم الذي وقع عليهم وعلى عوائلهم الكريمة طال أمده، إلى حد تعجز الذاكرة عن تذكر نظير له في تاريخ هذه الدولة المسعودة. فلا نعلم أن أحداً من المعتقلين السياسيين ـ في طول البلاد وعرضها ومنذ أن تأسس كيان آل سعود السياسي ـ قد اعتقلوا لستة عشر عاماً متواصلة بلا محاكمة، وفي قضية واضحة المعالم بأنهم برءاء منها. إن استمرار اعتقال هؤلاء الأخوة المنسيين، يمثل ظلامة الشيعة، ويظهر عدوان السلطة الطائفية وبغيها. هذه السلطة رأت في هؤلاء الضحية التي من خلالها يتم تركيع المجتمع الشيعي، وتذكير شبابه قبل شيوخه، بأن مصير من يعارض آل سعود سيكون السجن المفتوح. وأمام إصرار وزير الداخلية نايف وأجهزته القمعية المغالية في عدائها للشيعة، وأمام فشل كل وسائل المناشدة، تأكد للجميع بأن غرض السلطة من الإحتجاز ليس مجرد معاقبة أبرياء بالإعتقال الدائم، وإنما إهانة وإرهاب المجتمع الشيعي بأكمله.

ولهذا، كان من الضروري أن تتحول قضية المعتقلين المنسيين إلى هدف كل شيعي غيور يأبى الضيم والإذلال المتعمد، وبهذا بدأت القضية تتحول إلى الشارع كوسيلة ضغط على النظام لإطلاق سراح المعتقلين المنسيين، ولإرسال رسالة إلى النظام، بأن قضية هؤلاء لن تكون وسيلة إخماد للنفوس، بل للتحفيز على الخروج والمعارضة والإحتجاج. بمعنى آخر، لم تعد قضية السجناء المنسيين اليوم شأناً خاصاً بعوائلهم وذويهم، بل هي شأن الطائفة كلها، بشيبها وشبابها، ونسائها، ووجهائها وعلمائها، ففي احتجازهم انتقاص لكرامة كل فرد شيعي، ومحفّز لهم ـ خاصة الشباب ـ للنهوض والقيام والتظاهر والإحتجاج. لهذا اتخذت قضية المنسيين حضوراً بارزاً في ضمير الجيل الشاب، فلم يعد المنسيون منسيين، بل هم الحاضر الأبرز في ساحات التظاهر في مدن المنطقة وقراها؛ وأصبحوا وهم في سجون جلاديهم المحرّك الأكبر للشارع؛ وهم بأنفسهم في زنازينهم من أسقط ورقة ابتزز وتهديد السلطة وأجهزة القمع الطائفية لمجتمعنا. وسيبقى هؤلاء المعتقلون رموزاً يتطلع الجميع إلى إطلاق سراحها، ولن يهدأ الشباب بدون ذلك.

ثانياً ـ إلغاء سياسة التمييز الطائفي، متعدد الجوانب: في الوظائف والتعليم والمناصب العليا والإعلام والخدمات وغير ذلك. نحن أمام نظام طائفي فاشل يعيش خارج عصره، يرى الإستمرار في هذه السياسة الطائفية المنهجية منذ احتلّ مناطقنا عملاً مشروعاً بل مرغوباً. هناك أحقاد تحرّك رموز آل سعود، وقد كشفت وثائق ويكيليكس عن بعضها، وقالت أن نايف ـ مثلاً ـ متحامل على الشيعة، وليس كارهاً لهم وشديداً عليهم بالباطل فحسب. هذه السياسة من صميم العمل السياسي للسلطة القائمة، ولا تريد أو حتى تفكر في التخلي عنها. إن لغة الإزدراء وسوء معاملة السلطة لنا ولأهلينا أمر معروف في كل الدنيا، ولكن النظام لم يكتف بعد بما فعل رغم المتغيرات السياسية الإقليمية، ورغم مرور قرن على احتلال مناطق الشيعة، ورغم أن خيرات البلاد التي أدت إلى طغيان آل سعود إنما جاءت من هذه المناطق. آل سعود وزبانيتهم الوهابيين لا يعاقبون شعب منطقة فقيرة، بل شعب منطقة جاءت لهم بالخير، وحولتهم من بداة جهلة حفاة عراة يتطاولون في البنيان. إن هذا لعمري لهو أسوأ أنواع الظلم والطغيان ونكران الجميل. ومع هذا، يأتي جهلة النظام ورموزه ليقولوا للناس أنهم لم يقصروا مع الشيعة! صحيح ولكن في الظلم والتمييز والمعاملة الدونية.

إزاء هذا، وبسبب فشل مساعي الوجهاء على مدار قرن في إقناع النظام بالتخلي عن سياسته الطائفية، عبر الرسائل والوفود والإنخراط في مشاريعه كالحوار الوطني.. نزل الجيل الجديد، جيل الشباب الذي يعاصر تطورات النظم السياسية والأفكار ودعوات حقوق الإنسان العالمية، إلى الشارع محتجاً، وليقول لآل سعود: كفى تمييزاً، وكفى طائفية؛ لم يعد هناك متسع للتحمل أكثر. أين مزاعم المساواة؟ أين الحوار الوطني؟ أين هي الدولة العادلة؟ أين هي حقوق منتجي الثروة؟ أين هي التعددية المذهبية المزعومة؟ أين هي حقوقنا في العيش الكريم والرفاهية، وأين أموالنا التي تنهبونها؟!

ثالثاً ـ التضامن مع ثورة شعب البحرين؛ فشيعة المنطقة والبحرين شعب واحد، ولهم تاريخ سياسي واحد امتدّ إلى قرون طويلة، فضلاً عن وجود التداخل العائلي، والتجانس المذهبي، والمظلومية المشتركة من نظامين قمعيين. لهذا كان من الطبيعي أن نعتبر إخوتنا في البحرين بمثابة أنفسنا، ونتألم لما أصابهم، ونتطلع لمثل ما يتطلعون إليه، خاصة وأن الطغاة ملّة واحدة، يدعمون بعضهم بعضاً ضد حركة الشعوب المقهورة. إن اليد التي امتدت لقمع ثورة البحرين هي نفسها التي تمارس البطش في مدن القطيف والأحساء. وإن الروح الطائفية العمياء التي سادت البحرين، كان مصدرها الأساس والمروج الأكبر لها هم طغاة الرياض؛ وإن السياسات التي عمل نايف وإخوته على فرضها في البحرين ضد الأغلبية الشيعية هناك، هي ذات السياسات الممارسة المطبقة بحق الأغلبية الشيعية في المنطقة الشرقية. وكما وجد النظام نفسه مناصراً للطغيان ضد شعب البحرين، وجد مواطنونا أنفسهم ـ وعن اقتناع ـ في الضفة الأخرى المقابلة، مع المظلومين والمضطهدين، متفاعلين ومناصرين. ولذا لا غرابة أن يسلط آل خليفة أحقادهم الطائفية على المواطنين الشيعة من الأحساء والقطيف، ويمارسون التمييز بحقهم وإهانتهم أثناء دخول البحرين، برضا من السلطات السعودية ومشاركة لها مع طغاة البحرين. الأخيرون لازالوا يمارسون التمييز على الهوية المذهبية بحق شعب آخر وليس شعبهم فحسب!، كما يفعل آل سعود تماماً.

هذه الأهداف الثلاثة التي رفعها المتظاهرون، هي الأساس، مع أن أهدافاً سياسية إصلاحية برزت بين الفينة والأخرى في التظاهرات، ولكن لم يجر التركيز عليها.

بيد أن تلك الأهداف والدوافع لم تتحقق أو تنتهي، حتى اليوم، رغم مضي أكثر من شهرين:

ـ فالسجناء المنسيون لم يطلق سراحهم، في وقت تحاول فيه السلطة وبعض شياطينها إغفال هذا الموضوع، والتركيز على السجناء الجدد (سجناء التظاهرات) الذين ما خرجوا وعرضوا أنفسهم للإعتقال وغيره إلا من أجل أولئك المنسيين. الشباب يدركون بأن السلطة تريد ابتداع أهداف جديدة للمتظاهرين وليست الأهداف الأصلية. نعم، إن المجتمع كله يطالب بإطلاق سراح سجناء التظاهرات، ولكنه لن يتخلّى عن السجناء المنسيين، فهم الأصل في هذه القضية.

وفضلاً عن هذا، فإن إطلاق سراح سجناء التظاهرات من الشباب الذين رفعوا رؤوسنا عالياً، لم يتم حتى الآن، ولا يبدو أن في نيّة زبانية السلطة إطلاق سراحهم جميعاً، هذا إذا ما قررت إطلاق سراحهم، كما لم يعلم المدّة التي سيستغرقها إطلاق سراح بعضهم.

ـ وأما سياسة التمييز الطائفي، فليس فقط لم يظهر مؤشر على أنها ستنتهي، بل العكس. ظهر مؤشر واضح على التمادي فيها أكثر فأكثر، فالمضايقات تزايدت في شتى مؤسسات الدولة، وسياسة التوظيف صارت أكثر طائفية مما كانت عليه، والأحقاد الطائفية ضد الشيعة والتي ينثرها الإعلام المحلي الرسمي أكثر من أن تحصى، وهناك الإعتداء على النساء بالضرب والإهانة والشتم لأنهن طالبن بإطلاق سراح ذويهن المحتجزين منذ سنوات طويلة، فضلا عن الحواجز الأمنية التي هدفها الأساس تطفيش الناس وإزعاجهم، لاتزال قائمة مع ما يتخللها من إهانات خاصة لرجال الدين الشيعة، حتى اضطر بعضهم إلى عدم التنقل، أو حتى عدم لبس العمامة. إن هذا يمثل إهانة فاضحة لكل المجتمع، فعلماؤنا هم رموز الهوية الشيعية، ويستهدف الطغاة من إهانتهم إهانة كل فرد في المجتمع، فضلاً عن الاستهانة بالمذهب الشيعي نفسه. العمامة رمز لهويتنا، ولا يمكن لنا أن نتسامح مع من يضرب هذه الرموز، أو يزدريها، من الطائفيين الوهابيين وجنودهم، لأن تلك الإهانة ليست موجهة لشخص بعينه، بل لكل فرد من أفراد المجتمع. من المفارقة المؤلمة، أن عدداً ممن توسلت إليهم سلطة الطغيان وضغطت عليهم لتوقيع (بيان التروي والتأنّي) وحل الأمور بالحسنى، تعرضوا هم أيضاً للإهانة عند حواجز الأمن، التي وضعت للإرعاب والتنكيل والتحقير.

وملخص القول هنا، أن الحكومة لم تبد أية حسن نيّة لتعديل سياستها الطائفية، ولم تنجز ما وعدت به في هذا الشأن فتقوم بـ (معالجة القضايا وتوفية الحقوق المشروعة) حسب البيان آنف الذكر.

ـ وأما قضية التضامن مع أهلنا في البحرين، فهي لم تنته بعد. ورغم انكسار آل سعود الجزئي والذي تمثل بسحب (بعض) قواتهم من البحرين، وبالسمعة السوداء الملطخة بالعار في كل الدنيا، فإن رسالة التضامن في الأساس جاءت لشعب البحرين ضد طاغيته؛ وكما تظاهر شبابنا دعماً لانتفاضة فلسطين في أكثر من مناسبة، فإن التضامن مع أهلنا في الجوار سيستمر، سواء اعتبرت السلطة ذلك موجهاً ضدها مباشرة، أو ضد شركائها في الطغيان، إلى أن تحلّ القضية وتستعاد الحقوق، ويحاسب المجرمون على أفعالهم، وفق ما يبتغيه شعب البحرين نفسه.

انتفاضة شبابية وذاكرة جديدة

ما جرى في المنطقة خلال الأشهر الأربعة الماضية من احتجاجات وتظاهرات وغيرها، وما رافقها من نقاشات وحوارات وشحنات هائلة من الوعي، أمرٌ عظيم وإنجاز كبير، له دلالات واضحة:

1/ لقد أثبتت التظاهرات والإحتجاجات، التي كان قوامها الشباب من الجنسين، أن مجتمعنا حيوي، بل هو أكثر حيوية من أية فئة اجتماعية أو مذهبية أو مناطقية أخرى. وأن هذا المجتمع أكثر وعياً من غيره، وأكثر تحمّلاً للمسؤولية، وتجاوباً مع نداء الضمير والإنسانية. لقد فاجأنا شبابنا بوعي غير مسبوق، وبهمّة وروح واستعداد للتضحية فاقت التصورات والتوقعات. أثبت الشباب أنهم ناضجون سياسياً وروحياً وعاطفياً وعملياً، وأثبتوا على أرض الواقع أنهم جديرون بتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق الطائفة، نظراً لما لديهم من كفاءات عالية، ووعي سبق بمراحل الأجيال السابقة. لقد رأينا جميعاً كيف أن شباباً في العشرينيات ـ وأقل أحياناً ـ يتمتعون بمواصفات قيادية، وبمهارات مدهشة، وبتراكم خبرات وكأن أعمارهم شارفت على الأربعين والخمسين! فضلاً عما يتمتعون به من نضج في التحليل، ورؤية للمستقبل، واستعداد لدفع ثمن التغيير اعتماداً على وعي يسبق العاطفة، وفهم يسبق الإندفاع والتهوّر. بكلمة: إن الجيل الشبابي، كما أوضحته التظاهرات وما دار حولها من حوارات وكتابات وجدل، جاهز لممارسة التغيير، حاضر في ساحة الحدث، بل صانع للحدث ذاته، وهذه سابقة لم تتوفر في أية منعطف تاريخي مرّت به الطائفة، خاصة منذ احتلال آل سعود للمنطقة قبل قرن من الزمان.

2/ إن هذا الجيل قد صنع بالفعل لنفسه ولنا نحن أبناء الطائفة ذاكرة جديدة متجددة. هذا الجيل لم يشهد انتفاضة 1400هـ، التي مثلت الإنعطافة الأبرز في تاريخ الشيعة في المنطقة؛ ولكنه اليوم يصنع انتفاضته الخاصة به، ويشكل الذاكرة الجديدة لذاته، ما يجعل ما جرى في الأشهر القليلة الماضية موازياً في الأهمية لانتفاضة عام 1400 هـ، ومراكماً لها، ومتواصلاً معها، تستهدي بهما أجيالنا الحاضرة والقادمة.

3/ إن هذه الإحتجاجات والتظاهرات التي خطط لها ونفذها على أرض الواقع شباب الطائفة، قد أكدت لنا مرّة أخرى على صحّة المراهنة على العنصر الشبابي في المجتمع. هذه الحقيقة رغم بداهتها بالنسبة لأي مجتمع في الكون، ورغم ترديد مقولة (أهمية العنصر الشبابي) إلاّ أنها بقيت مجرد أقوال، طيلة الثلاثين سنة الماضية، أي منذ انتفاضة 1400هـ. يومها تسلّم الجيل الشاب في الطائفة دفّة أمورها، وأخذ زمام المبادرة في الدفاع عنها، وعانى من المصاعب والمشاكل مع الجيل القديم، الذي كان ينظر باستهانة إلى ذلك الجيل، ويطعن في شرعية تحركه، ويصمه بأوصاف بغيضة: (أطفال؛ مراهقين سياسيين)؛ وحاول بشتى الجهود تعويق انطلاقته، والتهوين بقدرته، جهلاً منه بقيمة العنصر الشبابي، ودوره المحوري في أية مجتمع يسعى للنهوض.

الآن تتكرر ذات المشكلة، حيث تتخفّى وراء مقولة (أهمية الشباب) عبارات التنقيص، من أولئك الذين عانوا منها يوماً، حيث تراخوا وترهلوا وتركوا شأن الدفاع عن أهليهم أمام طغيان آل سعود، وصاروا يطلقون ذات الأوصاف على الجيل الجديد، الذي أصبح بنظرهم مجرد (زعاطيط يريدون منّا أن نجري خلفهم!).

كلا.. إن شبابنا ليسوا كذلك. إنهم تاج رؤوسنا، وحماة حاضرنا، وصانعي مستقبلنا.

الجيل الجديد الذي ظهر في ساحات مدن المنطقة، ورفع راية التغيير، سيتسنّم المسؤولية عاجلاً وليس آجلاً.

الجيل الجديد سيرفع الراية التي نكست، عالية خفاقة من جديد. وسيجدد للطائفة حيوتها وشبابها بعد أن هرم من هرم، وسيتسلم المسؤولية من الجيل الذي سبقه بحكم حراكه على الأرض والتفاف المجتمع حوله، خاصة من الشباب. هذه سنّة الله في خلقه: أجيال شابة تقود ثم تهرم وتأتي بعدها أجيال أخرى لتكمل المسيرة.

والمجتمعات الحيّة هي التي تفسح الطريق للجيل الجديد ليصعد بالمسؤولية، وتقوم بترشيده، ونقل الخبرات إليه من الجيل الذي سبقه كيما يعطي في الاتجاه الصحيح، وكيما يستفيد من تراكم تجارب السابقين.

المجتمعات الحيّة والواعية ترفض أن تمارس الوصاية السلبية على الجيل الجديد، لتمديد وضع اجتماعي وسياسي لا يتناسب مع تطلّع المجتمع والطائفة.

من الحكمة بمكان، أن ينقل الجيل القديم المسؤولية إلى الجيل الجديد، فهو أكثر نضجاً ووعياً وامتلاكاً لأسلحة زمانه في عصر التكنولوجيا.

لا تستهينوا بقدرات هذا الجيل، ولا بوعيه السياسي، فهو قد سبق الكثير منا، وهو أكثر استعداد للعطاء. إن شباب الساحات هم درّة التاج للطائفة، وهم يدها الضاربة. هم روحها ونبضها ومستقبلها.

هذا ليس كلاماً يقال، بل حقيقة قررت نفسها في الأشهر الماضية.

هؤلاء ليسوا زعاطيط! ولا متهورين! ولا جهلة! ولا أي شيء مما يتبادر إلى ذهن بعضكم أنتم يا أبناء الجيل القديم.

من هو هذا العاقل الذي يفرّط في هذا الجيل بالمواصفات التي رأيناها؟ كيف يفرط عاقل بمصادر قوته، بل بمصدره الأكثر فاعلية وقوة؟ وبأيّ سواعد وهمم ستستعيد الطائفة حقوقها إن نحن خذلنا هؤلاء الشباب المضحين؟ أهذا جزاء من يدافع عن كرامة شعبه وحقوقه؟ أوترى من الأجدى لنا نحن الجيل السابق أن نبحث عن مناصرين لقضيتنا في شرق الأرض وغربها، بينما نتعامى عن الكنوز التي بين أيدينا من أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا، الذين يتقدمون بشجاعة فننهرهم، ويتحدثون فنخرسهم، ويطالبون بالقليل فنستكثر ذلك عليهم، ويدعوننا لكف اليد واللسان والبنان عنهم، فنزيد في جلدهم بسياط لا ترحم؟

السلطة الطاغية تفهم قيمة شبابنا والإمكانيات التي بحوزتهم وما يمكنهم فعله، وهي تدرك المخاطر المتأتية منهم عليها من خلال ما قاموا به حتى الآن وما بإمكانهم أن يقوموا به في المستقبل؛ ولهذا بادرت بمدّ أذرعها اليهم والتواصل مباشرة معهم، أو عبر أدوات قد تكون مشبوهة، بغية تبريد حماسهم، وخضد شوكتهم، وإضعافنا كطائفة بسحب سلاحنا الأقوى من خلال استمالتهم والتملق اليهم والجلوس معهم. أفلا نفهم ماذا يدور وما يحدث؟ أفلا ندرك قيمة جوهرة الحراك الشبابي التي بين أيدينا ولو من خلال فهم عدونا لها؟

علينا أن نحمد الله صبح مساء أن أخرج لنا مثل هذه الثلّة المجاهدة، التي خرجت من القمقم لتغيّر المعادلة السياسية الجامدة التي لم نفلح في تحريكها وتغييرها إلا قليلا.

علينا أن نشكر الله ونثني على نعمائه أن هيّأ في هذه الطائفة آلافاً مؤلّفة تقاطرت في الساحات والشوارع مدافعة عن حقوقنا جميعاً، ومعيدة لنا نسمات لا تنسى من الكرامة والعزّة والإباء والصمود.

علينا أن ندعو الله بأن يحقق لنا على يد هذا الجيل ما لم تنجزه الأجيال الماضية من عدالة وحرية وحقوق مسلوبة. وأن يعيننا على ترشيد حراكهم ومساعدتهم قدر ما نستطيع، ليكونوا أفضل وأقدر وأكثر بصيرة وعطاءً منّا.

هذا هو المنى: أن يتصدى لشؤون الطائفة والدفاع عن حقوقها جيل قيادي شبابي جديد يفوق من سبقه بمراحل: تضحية ووعياً وإخلاصاً، تفرزه مثل هذه الأحداث التي نعيشها، وتنضجه معارك المواجهة مع الإستبداد الوهابي السعودي، الذي طال ليله الأسود، وتمدد شرره وخطره أفقياً وعمودياً.
 
ماذا بعد؟

الآن يمكننا تقدير حجم الخسارة للطائفة إن تمّ وأد هذا الحراك الشبابي القائم. هي ليست خسارة فرصة سياسية فحسب، فهذا أمرٌ يهون. بل الخسارة الأفدح ـ بنظري ـ تكمن في ضياع جزء كبير من الجيل الشبابي وإبعاده عن ساحته الحقيقية ودوره المحوري في المجتمع، وفي أقلّ الأحوال خسارة سنوات من التأخير في تسنّم هذا الجيل لدوره المناط به، بسبب الإنقطاع بين الأجيال، ومنع تراكم التجربة، وإقفال الأبواب أمام الدماء الجديدة التي تعيد للطائفة حيويتها التي بهتت منذ سنوات طويلة، تلك الحيوية التي بدونها لن تحقق الطائفة منجزاً حقيقياً على الأرض.

حين انطلقت جموع الشباب في ساحات التظاهر في مدن القطيف والأحساء، كان من الطبيعي والبديهي أن تلقى الدعم والتأييد والمساندة من فئات المجتمع السياسية والدينية والإجتماعية؛ وظهرت خطابات علنية من عدد من الرموز الدينية تشجع الشباب وتحثهم على المشاركة في تلك التظاهرات. ولهذا تزايدت أعداد التظاهرات، وشملت الكثير من المدن، كما تزايد عدد المتظاهرين بشكل لافت، بين أسبوع وآخر.

هنا استشعرت السلطة الطاغية وأجهزتها الأمنية الخطر، وهذا أمرٌ طبيعي، فهي ترى أمامها مارداً بدأ بالتحرك. مارداً لا تفيد معه وسائل التهويل ولا التهديد، ولا حتى الإغراء، ولديه صفات فدائية تضحوية، وعنفوان، وسعة اطلاع متميزة، ويمتلك أدوات المواجهة والتواصل التكنولوجي الحديث. لم يكن بإمكان السلطة التعويل فقط على أدوات القمع، ولا استخدامه بتوسع، فقد كانت تدرك حجم الثمن الذي ستدفعه: زيادة في حجم المحتجين والمتظاهرين؛ وتشويه صورتها السياسية والإعلامية في العالم كله؛ فهذا العالم يستطيع وبسهولة مشاهدة ما سيجري من أحداث بعد بضع ساعات من حدوثها في أبعد تقدير. لهذا كانت السلطة حذرة في استخدام القمع الدموي.

أيضاً تبين للسلطة بأن الإعتقالات ليست كافية للحد من عدد المظاهرات وحجم المشاركين فيها؛ ولم يكن لديها متسع من الوقت لتقديم الإغراءات للجمهور الشيعي اللهم إلا أن تكون علنية، وهو ما لم تطق فعله، لأنه تنازل واضح يكسر هيبتها. وفوق هذا زرعت السلطة عدداً من مخبريها، ووزعت مصوريها لتصوير المظاهرات والتعرف على الرؤوس، لكن هذه الوسيلة لم تفدها في إخماد التظاهرات، باعتبارها حالة شعبوية شبابية يصعب قتل روحها ودماغها. وبالتالي لم يكن أمامها ـ إضافة إلى الترهيب وإشاعة أجواء الرعب بجنودها وشاحناتها ومدرعاتها ـ سوى خيارها القديم الذي لم يكن خافياً عليها: (إخماد التحرك الشيعي الشبابي بأدواته المحليّة).

ففيما كانت التظاهرات تتصاعد، وإذا ببيان مشترك يجمع توقيع بعض الفئات المؤيدة للحراك والتي تتمتع بقدر كبير من المصداقية، مع الجهات غير الواعية، أو تلك التي ضد التحرك أصلاً، ويرجو من (إخواننا وأبنائنا الأحبة الأعزاء التروي والتأني وإعطاء الجهود المبذولة من قبل الجميع في تحقيق المطالب المنشودة للطائفة وتهدئة الشارع من أجل التعاون الأخوي للوصول إلى إنجاز مطالبنا الحقة بالطرق المتاحة).

هنا كانت صدمة الشباب المتظاهرين ـ الذين يميّزون بين ميول الموقعين وأصنافهم ـ كبيرة.

لم يكن هؤلاء الشباب جاهلين بحقيقة أن تهدئة الشارع ستؤدي في النهاية إلى قتل الحراك، وحينها لن يكون هناك أية وسيلة أخرى تضغط على السلطة لتجبرها على تحقيق المطالب. ذلك لأن وعود السلطة معروفة كمواعيد عرقوب. ومعظم إن لم يكن كل الموقعين لديهم تجارب مع آل سعود، ويعرفون غدرهم، ولا بد أنهم توقعوا أنه بمجرد أن تهدأ الأوضاع ستتحلل الإمارة من كل شيء، فقد تحقق لها ما تريد، وتم ضرب الحراك الشيعي من داخله.

لم يشأ الشباب تفجير أزمة داخلية في الوسط الشيعي، وكان بإمكانه مواصلة التظاهر، فالشخصيات المؤيدة للحراك معروفة، والجميع يعرف أنه تم الضغط عليها وتهديدها في الإمارة ومحافظة القطيف، وأن التوقيع جاء خلاف رغبتها، ولربما تمنت بعض تلك الشخصيات أن لا يتوقف الشباب عن التظاهر، حتى وإن وقّعت هي على بيان التهدئة الذي تميز بالغمغمة والغموض المقصود.

ومما يكشف نضج مجاميع الشباب، أنها فضلت (الإنسحاب المؤقت) عدا القليل منهم، بقوا يتظاهرون حتى لا تبرد الساحة، ولا تنتصر السلطة، وحتى يمكن معاودة الأمر حين تظهر الحقيقة. لم يكن الخيار المطروح مصادمة قيادات المجتمع الحقيقية، ولا شق الساحة، مع تحمّل بعض الخسائر في هذا السبيل.

الآن وقد انكشفت حقيقة وعود السلطة، وتبين أن منهج التمييز سيظل قائماً، وأن ليس في وارد السلطة إطلاق سراح سجنائنا المنسيين، بل أنهم خارج موضوع النقاش أصلاً، وأن الإهانات والإحتقار لطلابنا ونسائنا وموظفينا وعلمائنا ولأفرادنا العاديين قائمة… لم يتبق من حلّ سوى العودة إلى الشارع مجدداً.

لقد أعطيت السلطة فرصة إصلاح الوضع، وانتهت المدّة، ولم يعد لبيان التهدئة من مفعول أو حجّة على الشباب، كما لم يعد للسلطة من حجّة على أحد ممن وقع البيان.

الآن، بإمكان الشباب المبادرة والعودة إلى التظاهر، ومشاركة (بقية السيف) التي صمدت طيلة الشهرين الماضيين. هذا هو الخيار الصحيح، وأمامنا جمع كثيرة وأيام الله ليست قليلة.

من جهة أخرى، فإن المطلوب الآن من المشايخ وواجهات المجتمع أن يوجهوا ضغوطهم إلى السلطة وأدواتها، وليس إلى شبابهم، فكثير من هؤلاء الأخيرين تربوا في محيطهم وتحت منابرهم. ندعو علماءنا أن يعيدوا بناء الثقة وتجسيرها مع الشباب، وأن لا يضطروهم إلى التحرك منفردين بدون رعاية أو غطاء أو توجيه.

التحية والإجلال لشهدائنا كافة، خاصة شهداء الإنتفاضة المجيدة في محرم 1400هـ.

والشكر والتحية والإجلال موصول لكل أولئك الذين اقتحموا الشوارع والساحات معترضين متظاهرين. تحية لهم فقد رفعوا رؤوسنا، وبعثوا الأمل في نفوسنا، وأثبتوا لنا ولغيرنا بأنهم أهل العزم والشجاعة، وأنهم رهاننا الصحيح في التغيير وإصلاح وضع الطائفة، وأنهم الأمل المنشود، والقيادة التي نتطلع إليها في قادم السنين. تحية لهم جميعاً، وللابسي الأكفان، ممن أبدوا استعدادهم للفداء والتضحية، دفاعاً عن الحق، وإيماناً بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

والشكر والإمتنان للمعتقلين وعوائلهم الذين دفعوا ثمن تحركهم واحتجاجهم، خاصة لأصحاب راية الحق والحرية من السجناء المنسيين، فرج الله عنهم جميعاً.

وأخيراً أتوجه بالشكر والتقدير والعرفان للمشايخ الكرام الذين أدوا أدواراً غاية في الأهمية في التشجيع على التظاهرات، وحثّ الشباب على مواصلة درب الجهاد، سائلاً الله عز وجل أن يزيد في توفيقهم، ويسددهم لاحتضان وترشيد أبنائهم الشباب.

رابط الموضوع http://www.shrq34ll.co.cc/?p=2878



--------------------------------------------------------- --------------------------------------------------------- ---------------------------------------------------------
 
            (ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ) 
             )|ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )

 * للانضمام صفحة البصيرة الرسالية على الفيس بوك لمتابعة جديد ما ننشره:
http://www.facebook.com/ALBaseeraALresaliy
* لمشاهدة مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع المنشورة حديثاً وقديماً:
http://albaseeraalresalay.blogspot.com/
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif

* ليصلكم ما ننشره عبر البريد الإلكتروني اشتركوا في (قروب البصيرة الرسالية):
http://groups.google.com/group/albaseera

* لنضيفكم على القروب ارسلوا رسالة مكتوب فيها (اشتراك بقروب البصيرة الرسالية) على هذا الإيميل:
albaseeragroups@gmail.com 

ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب 
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

* 
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:
 
http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html


ولكم منا كل امتنان وتقدير
ولا تنسوا من صالح دعائكم وأيضاً بإفادة الآخرين مما يصلكم منا
مع تحيات: البصيرة الرسالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق