الخبث اللطيف(2)
الشيخ حسن أحمد آل زايد

الخبث اللطيف(2): النصوص الروائية
في هذه المقالة نستعرض بعض من النصوص الروائية الشريفة التي تذم صفة الكذب ومن يتصف بها.
مفتاح الخبائث:
لا
توجد هناك صفة سلبية أو سلوك شائن إلا ويبرر عن طريق الكذب، بل ولا تنال
الكثير من المصالح والمنافع المشروعة أو غير المشروعة في نظر البعض إلا أن
تسبقها وتتلوها بهارات (كذبية)، إذ هي السلاح الفعال الذي يستخدمه بسطاء
الناس؛ أو خبثاء السريرة؛ أو المتورطون في رذيلة أو فساد أخلاقي أو مادي
لتحقيق مآربهم، ولهذا تكون أشر من كل شر، ومفتاحاً لكل خبيث، فعن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر(ع): (إن الله جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال
الشراب، والكذب شر من الشراب)([1])، عن أبي محمد العسكري(ع) قال: (حطت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب)([2]).
الكذبة الصغيرة:
هناك
روايات عديدة تنهى حتى عن الكذبة الصغيرة؛ بل والهازلة منها، وذلك لخطورة
ما تشكله على الفرد والمجتمع من فساد، ففي إحدى مقاطع إحدى الروايات قال
[رسول الله(ص)]: (إن الكذب يُكتب حتى يُكتب الكذيبة كذيبة)([3])، أي حتى الكذبة الصغيرة تكتب كذلك.
وقد
يصل الإنسان باجترأه على صغير الكذب إلى الكذب في الأمور العظيمة والخطيرة
التي قد تؤدي إلى فساد كبير على الأفراد و المجتمعات، ولهذا ينهى عنه
نهياً مشدداً ومكثفاً، قال [الإمام علي بن الحسين](ع): (أتقو الكذب
الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على
الكبير)([4])،
وعن أبي جعفر(ع) قال: كان علي بن الحسين(عليه السلام) يقول لولده: (اتقوا
الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير
اجترأ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما
يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه
الله كذاباً)([5]).
عادة الكذب:
عندما
تصل صفة الكذب عند الإنسان المسلم إلى العادة والملكة (وقد يكون الأصح
الشيطنة) فعند ذلك يكون عند الله سبحانه وتعالى من الكاذبين، لأنه أختلط
بلحمه ودمه حتى لا يستطيع - وليس حتمياً وإنما باختياره وإرادته- أن يترك
هذا الفعل الشائن، وعند ذلك يرتفع عنه توفيق الله؛ فيتركه الله لشأنه
ويكله إلى نفسه حتى لا يبقى أمر من أمور حياته إلا واختلط بكذبة أو
أكاذيب، فعن الحارث بن الأعور عن علي(ع) قال: (لا يصلح من الكذب جد ولا
هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له، إن الكذب يهدي إلى الفجور،
والفجور يهدي إلى النار، وما يزال أحدكم يكذب حتى يقال كذب وفجر، وما يزال
أحدكم يكذب حتى لا تبقى موضع إبرة صدق فيسمى عند الله كذاباً)([6])،
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(ع) قال: (إن العبد ليكذب حتى يكتب
عند الله من الكذابين، فإذا كذب قال الله عز وجل: كذب وفجر)([7]).
ولاحظ
إتباع الروايات صفة(الكذب) بصفة (الفجور) - والفجور هو الانبعاث في
المعاصي بغير اكتراث- إذ جعلت طريق الفجور يمر عبر الكذب، والنكتة اللطيفة
هنا هو أن هذه الحالة التي يصل إليها الكذاب بسبب عدم وجود موضع إبرة من
صدق فيه؛ فطبيعي أن لا يكترث بأي معصية يرتكبها بعد ذلك.
الكذب وطعم الإيمان
إن
الإيمان لا يتوافق مع الكذب، ولا يجتمع في فؤاد واحد؛ بل هما متباينان
وخصمان لدودان، ولهذا لا يجد المسلم طعم الإيمان وحلاوته إلا بترك جميع
الكذب هزله وجده، ولا يعد مؤمناً إلا بالالتزام بتعاليم الدين في ترك هذه
الصفة، فعن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين(ع): (لا يجد العبد طعم
الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده)([8])،
لأنه من كانت عنده ذرة من إيمان في قلبه فإن الكذب يمحوها منه، ومن يعيش
في إيمان وتقوى فإن الكذب هو دماره وخرابه والماحق له، فالإنسان المتصف
بها بمثابة عامل لخراب نفسه؛ فهو يكنس الإيمان من قلبه بمكنسة الكذب،
ويهدم بنيان إيمانه بمعول الكذب، قال [علي](ع) في خطبة طويلة: (أيها
الناس؛ ألا فاصدقوا إن الله مع الصادقين، وجانبوا الكذب فإنه مجانب
للإيمان، ألا إن الصادق على [شفا] منجاة وكرامة، ألا إن الكاذب على شفا
ردى وهلكة)([9])، [وقال] أبي جعفر(ع): (إن الكذب هو خراب الإيمان)([10]).
ولأن
روح الإيمان – المتمثلة بالملك الموكل به- التي تحميه من الوقوع في مصائد
الشيطان وأحابيله تنفر من نتن ريح الكذب الذي يتلفظ به الكاذب، ولهذا
ينزاح الإيمان من قلب الإنسان فيصبح مرتعاً للشياطين، قال(ص): (إن العبد
إذا كذب تباعد عنه الملك من نتن ما جاء به)([11]).
وقد
أوضحت إحدى الروايات الشريفة أن الأمر الأول الذي نصح به الرسول(ص) لأحد
الرجال الذي كان يفعل بعض المنكرات والمعاصي ويترك بعض الفرائض ليصلحه بها
ويهذب سلوكه بطريقة ذكية وحكيمة هو في ترك الكذب، وهذه دلالة أخرى على عدم
اجتماع الكذب مع الإيمان، وإن الاقتلاع عنه يعني بداية طريق الإيمان.
فقد
جاء في هذه الرواية أنه أتى رسول الله(ص) رجل فقال: إني لا أصلي، وأنا
أزني وأكذب، فمن أي شيء أتوب؟ قال: (من الكذب)، فاستقبله فعهد أن لا يكذب،
فلما أنصرف وأراد الزنا فقال في نفسه: إن قال لي رسول الله(ص): هل زنيت
بعد ما عاهدت؟ فإن قلت: لا، كذبت، وإن قلت: نعم، يضربني الحد، ثم أراد أن
يتوانى في الصلاة، فقال: إن سألني رسول الله(ص) عنها فإن قلت: صليت، كذبت،
وإن قلت: لا، يعاقبني، فتاب من الثلاثة([12]).
فالإيمان
إذن لا يجتمع مع الكذب مع أنه يجتمع مع غيره من الموبقات، وهذه دلالة
ثالثة على خباثة هذه الصفة، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: (سئل رسول
الله(ص) يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، قيل: ويكون بخيلاً؟ قال: نعم، قيل:
ويكون كذاباً؟ قال: لا)([13])، وعنه (ص) قال: (إن المؤمن ينطبع على كل شىء إلا على الكذب والخيانة)([14]).
فمن
كان هكذا حاله هل يجوز للمؤمنين إتباعه؟ والنصوص صريحة في عدم إيمانه،
والإيمان شرط في التصدي للقيادة الدينية؛ ولو كانت قيادة في مستوى
المجتمعات الإسلامية الصغيرة وفي بعض شؤونها الدينية، مثل إمامة جماعة
الناس في الصلاة أو التصدي لحل مشاكلهم وخلافتهم وتوجيههم ثقافياً
وشرعياً..الخ.
أكتفي بهذا المقدار فـ{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}([15]).
هذا وسوف نتناول في المقالتين القادمتين الرأي العقلائي في هذه الصفة المذمومة، ونعقبها ببعض المقالات ذات الصلة بالموضوع.
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
( | ~ {قرووب البصيرة الرسالية) . . (للأخبار والمواضيـع الرسالية} ~ | )
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
(ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
(ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
( | ~ {قرووب البصيرة الرسالية) . . (للأخبار والمواضيـع الرسالية} ~ | )
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:
http://groups.google.com/group/albaseera
ملحق ذا فائدة:
* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009
* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:
http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق