تبريرات التيار المضلل والموقف الحسني

بقلم: منتظر الشيخ أحمد
عجباً للمجاهدين المحبين لمحمد وأهل بيته (عليهم السلام) كيف يصبرون على الأذى في سجن الطواغيت، ويضحون بحريتهم وأمنهم في سبيل سلامة الإسلام والمسلمين وهم بذلك راضين مناجين ربهم "لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلاّ بك".
نعم لقد تشربوا حب أهل البيت (عليهم السلام) فباعوا هذه الدنيا ورضوا بالآخرة دار مقر وسلام، فصاروا يجاهدوا المشركين ويقاوموا الطغاة والمترفين ويتحدون تيارات الفساد والضلال والتشكيك، فصار كل الأذى الذي يتعرضون له لذة لهم في سبيل من أحبوا وأرخصوا لأجلهم أرواحهم.
لقد آثروا على أنفسهم التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) وفضح تيارات الفساد والضلال والتشكيك التي دائماً ما تُبرر شهواتها وجبنها وتخاذلها عن نصرة المستضعفين في الأرض بتأويل أحاديث ومواقف أهل البيت (عليهم السلام) وتجييرها بما يناسب أهدافهم الدنيوية.
ومن المواقف التي دائماً ما يثيرها ذلك التيار هو صلح الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) مع معاوية مبرراً به تراجعه عن حمل راية الجهاد وركونه ومبايعته للطاغوت وأعوانه.
هنا نقف قليلاً لدفع تلك الشبهات ورد تلك التبريرات التي يجيرها التيار التشكيكي المضلل في سبيل تبرير جبنه وتخاذله، لنثير بعض التساؤلات التي في الحقيقة طرحها بعض العلماء والباحثين والمفكرين الإسلاميين وأجابوا عنها، وهنا نجمعها ونرتبها بما يناسب الطرح.
لماذا صالح الإمام الحسن (عليه السلام) ولماذا لم يحارب؟:
الشق الأول من السؤال قد أثير كثيرا في حياة الإمام (عليه السلام) وفي حياة الأئمة (عليهم السلام) وقد تصدوا إليه، والشق الثاني ينتفي التساؤل عنه بالإجابة عن الشق الأول.
فجواب (لماذا صالح الإمام"عليه السلام"؟) أضعه في سببين:
السبب الأول: عدم وجود الناصر:
و يظهر ذلك في الرواية التي ينقلها الاحتجاج ج .2:
عن سالم بن ابي الجعد، قال: حدثني رجل منا قال: اتيت الحسن بن علي (عليه السلام)، فقلت: يا ابن رسول اللّه أذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً، ما بقي معك رجل، قال: ومم ذاك قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية قال: واللّه ما سلّمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم اللّه بيني وبينه. ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، إنهم لا وفاء لهم، ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا وان سيوفهم لمشهورة.
و يذكر الإمام هنا عدم وجود الجيش، وأن الجيش الذي كان سيقاتل معه كان منقسم وغير راغب في الحرب، فظاهره النصرة ولكن وكما يصفهم الإمام (لا وفاء لهم، ولا ذمة)، فضلاً عن ليس كل من في الجيش موالي ومؤمن بالإمامة الإلهية لأبي محمد الحسن (عليه السلام) .
و نرى أيضاً في خطبة للإمام الحسن (عليه السلام) :
خطب الحسن (ع) بعد وفاة أبيه (ع) فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما والله !.. ما ثنّانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قّلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشِيب السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا .
ثم أصبحتم تصدّون قتيلين: قتيلا بصفين تبكون عليهم، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر .
وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله فنادى القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة[1].
هكذا كان ذلك الجيش، منقسم، يريد السلامة، لا يرغب في الحرب، ولو قاتل فلن يقاتل بإيمان، فما كادوا يسمعون أمر الصلح حتى تنادوا (البقية البقية الحياة) .
السبب الثاني: خيانة قيادات الجيش:
هكذا كان عامة الجيش، أما قيادات الجيش التي كان معاوية يغريهم بالأموال فبدرت منهم الخيانة كعبيدالله بن عباس والكندي اللذان أغراهما معاوية بالأموال فقلبا على الإمام الحسن (عليه السلام) .
فضلاً عن تآمرهم في أسر الإمام وتسليمه لمعاوية، حيث يقول (عليه السلام): والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، فوالله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره أو يمنّ علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على هذا الحي منا والميت[2].
(فإذا عدم وجود الناصر الصادق هو السبب في عدم الدخول في الحرب ضد معاوية. وأما وجود مجموعة سواء قلنا كبيرة أم صغيرة، ضمن الجيش تحمل الولاء الصادق فهو غير مفيد هنا، وذلك لعدم تميزها، وأيضاً أنها صغير جداً بالنسبة لمجموع الجيش) [3] فالصلح كان مفيد لحفظ تلك المجموعة المؤمنة الصادقة.
لماذا لم يضحي الإمام الحسن (عليه السلام) ؟
يقول الشيخ عبد العزيز المصلي في كتابه (اتفاق الحسن وكربلاء الحسين"عليهم السلام") :
إن التضحية بالملك والصبر على ذلك أعظم من التضحية بالنفس.
ويضيف "إن هذا الجواب غير كاف لتعليل عدم التضحية بالنفس"
و يرجع الشيخ الفاضل عدم التضحية إلى "عدم وجود موضوع للتضحية"، مضيفاً بأنه بالعودة إلى ظروف قضية استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) نجد أمرا مهماً لم يكن موجوداً في قضية الإمام الحسن (عليه السلام) وهو أن ابن زياد حصر أمر الإمام الحسين (عليه السلام) في اثنتين: القتال أو الاستسلام، حيث أرسل إلى قيادة جيشه المتمثلة في عمر بن سعد كتابا قال فيه:
(انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث إلي بهم سلما وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم) .
و بهذا أخبر الإمام الحسين (عليه السلام) في خطبته حيث قال في آخرها:
(ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القلة (السلة) أو الذلة وهيهات منا الذلة)[4].
فالإمام الحسين (عليه السلام) قد حصر بين القتال أو الاستسلام (السلة والذلة) وقد اختار القتال والشهادة، وأما الإمام الحسن (عليه السلام) فقد حصر أمره إما بالقتال والتسليم لمعاوية أو الصلح وبهذا يتضح أن كليهما ليس أمامه إلا أمر واحد.
فصلح الإمام الحسن (عليه السلام) وشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) كلاهما جاءت لرفضهما الذلة.
الإمام الحسن (عليه السلام) لم يعطي الشرعية للطاغوت:
لقد جاءت مصالحة الإمام الحسن (عليه السلام) من موقع القوة والبأس بدلاً من موقع الاستسلام واليأس، فلم يكن صلحه صلحاً استسلامياً، فالإمام-عليه السلام- لم يفقد أوراقه الأساسية بعد-ظاهرا على الأقل- إذ كان لا يزال زعيم جبهته ولا يزال لديه أتباع من كبار الصحابة وأبناؤهم من القيادات السياسية[5].
وحتى بعد اتفاقية الصلح لم يعطي الإمام (عليه السلام) لمعاوية الشرعية أبداً، فبُعَيْدَ المصالحة صعد معاوية المنبر، وجمع الناس فخطبهم وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً، ولم يَر نفسه لها أهلاً، وكان الحسن (ع) أسفل منه بمرقاة.
فلمّا فرغ من كلامه قام الحسن (ع) فحمد اللـه تعالى بما هو أهله، ثمّ خطب خطبة طويلة قال فيها:
وإنَّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، ولم أرَ نفسي لها أهلاً فكذب معاوية، نحن أولى بالناس في كتاب اللـه عزَّ وجلَّ وعلى لسان نبيه (ص)، ولم نزل أهل البيت مظلومين، منذ قبض اللـه نبيه (ص)، فاللـه بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء ومنع أُمَّنا ما جعل لها رسول اللـه (ص).
وأُقسم باللـه لو أنَّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول اللـه (ص) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتهـــا، وما طمِعتَ فيها يا معاوية . فلمّا خرجتْ من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعتْ فيها الطُّلَقـاء، وأبناء الطُّلَقاء - أنت وأصحابك - وقد قال رسول اللـه (ص): ما ولّت أُمّة أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ما تركوا..الخ
كما نجد موقف الإمام الحسن (عليه السلام) الذي زلزل نظام معاوية في عقر خلافته في الشام وفضحه حيث يروى أنَّ عمرو بن العاص قال لمعاوية: إنَّ الحسن بن علي رجل عَيِيٌّ، وإنه إذا صعد المنبر ورمقوه بأبصارهم خجل وانقطع، لو أذنت له . فقال معاوية: يا أبا محمّد لو صعدت المنبر ووعظتنا !. فقام فحمد اللـه وأثنى عليه، ثمَّ قال:
"مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ، وابن سيدّة النّساء فاطمة بنت رسول اللـه (ص) . أنا ابن رسول اللـه، أنا ابن نبيِّ اللـه، أنا ابن السراج المنير، ومازال يقول أنا حتى خشي معاوية أن يفتتن به النّاس، فقال: يا أبا محمّد انزل فقد كفى ما جرى . فنزل فقال له معاوية: ظننتَ أن ستكون خليفة، وما أنت وذاك،فقال الحسن (ع): إنّما الخليفة ممن سار بكتاب اللـه، وسنّة رسول اللـه، ليس الخليفة من سار بالجور وعطّل السنّة، واتّخذ الدُّنيا أباً وأُمّاً، ملك ملكاً مُتّع به قليلاً، ثمَّ تنقطع لذَّته، وتبقى تَبِعَتُه".
هنا نرى أن الإمام الحسن (عليه السلام) لم يمدح معاوية بل فضحه وألقى عليه الحجة.
وهنا نستغرب من بعض اللذين يبررون جبنهم ويحاولون أن يعطوا تطبيعهم مع الحكومات الظالمة الشرعية متخذين صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية مطية وهم ما أن تسنح لهم الفرصة في ملاقاة الطواغيت حتى يتسارعوا لمدحه والثناء عليه وإعطاءه الشرعية بغية رضاه وهداياه، أينهم من تلك المواقف التي جرت بعد الصلح مع معاوية؟!.
معرفة أهل البيت (عليهم السلام) تعرفنا بالقيادة الصحيح:
إن معرفة أهل البيت (عليهم السلام) توصل الإنسان لتمييز القيادة الصحيحة التي تسير على نهج أهل البيت (عليهم السلام) من القيادة الفاسدة التي تتبع أهوائها وشهواتها.
فمعرفة أهل البيت (عليهم السلام) تجعلنا نشخص الخط السياسي الحق والأصيل من خلال سلوكهم مع الحكام، ومنهاج تحركهم. فالموالي لهم لا ينحرف عن خطهم المستقيم إلى اليمين أو الشمال، لان خط أهل البيت خط نقي واضح لا يقبل المداهنة والمساومة والعمالة، ولا يعرف الخيانة، ولا يرضى بالدهاء والمكر.
إن مذهب أهل البيت يعرج بالبشرية بجناحي العاطفة والعقل. فظلامة الصديقة الزهراء عليها السلام، ومصائب سيد الأوصياء الإمام علي عليه السلام، ومراثي السبط الأول الإمام الحسن عليه السلام، وعاشـوراء السبط الشهيد الإمام الحسين عليه السلام، وما جرى على الأئمة من ولده عليهم السلام.. كل ذلك جناح العروج الأول. أما الجناح الآخر، فيتمثل في الخطبة الفدكية لفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السـلام، وبنهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليه السـلام، وكلمـات السبطين عليهما السلام، والصحيفة السجادية زبور آل محمد الذي جرى على لسان خيار المتهجدين الامام السجاد عليه السلام، ووصايا ودروس الباقرين الصادقين ثم الكاظم والرضا.. وسائر كلمات الأئمة الرشيدة.
وإذا رأيت خللاً في حياة بعض أتباع أهل البيت، فلأنهم قد ابتعدوا عن كلمات قادتهم التي هي مناهج حياة، وبرامج جهاد، وسبل هدى، ووسائل تقدم.
فلنعد إلى رحاب أهل البيت (عليهم السلام) ولننتفع بكل كلمة من تراثهم العظيم، لكي نوحّد جهودنا، وننظم حياتنا على أسس عقلانية رشيدة في ضوء وصاياهم، وليتحمل كل فرد منا مسؤولياته من دون تبريرات واهية.
(ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
( | ~ {قرووب البصيرة الرسالية) . . (للأخبار والمواضيـع الرسالية} ~ | )
)|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:
http://groups.google.com/group/albaseera
ملحق ذا فائدة:
* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009
* لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009
* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:
http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق