السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

28 ديسمبر 2011

سلسلة دراسة: (المجتمع والطائفية والسلطة: رؤية قرآنية (الحلقة (3) ثالثاً: الطائفية في الدولة)_ساهموا بنشره معكم

المجتمع والطائفية والسلطة: رؤية قرآنية (4 / 3) (*)

م عنوان المقال لقراءة المقال عبر الرابط
1
الحلقة (1)  توطئة +أولاً: وقفة مع البحث
2
الحلقة (2) ثانياً: الطائفية في المجتمع
3
الحلقة (3) ثالثاً: الطائفية في الدولة
4
الحلقة (4) رابعاً: موقف الإسلام من الطائفية + خاتمة
الدراسة بقلم سماحة الشيخ عباس السعيد
https://fbcdn-sphotos-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/381860_328845080477516_227320773963281_1196309_964324040_n.jpg
ثالثاً: الطائفية في الدولة
تتبع الأنظمة السياسية الدكتاتورية سياسة الطائفية كوسيلة لحماية العرش من السقوط والاهتزاز، وتجنّد لذلك نخبها الدينية والسياسية. وبحسب التتبع والاستقصاء القرآني، فإن استغلال الطائفية لتحقيق أهداف سياسية قد أسند في الآيات القرآنية إلى ثلاث جهات أساسية:

1. الطاغوت السياسي.
2. الملأ.
3. السلطة الدينية الفاسدة وعلماء السوء.
وليس من شكٍ، أن طاغوت السياسة هو الصانع الأبرز من بين صناع الطائفية، لما يمتلكه من مال وإعلام ونفوذ وإمكانيات مادية. وكلما كان الطاغوت أكثر خبثاً ودهاءً ونفوذاً، كلما استطاع تجنيد صناع وفواعل الطائفية واستعمالهم استعمال الملك للجنود والسيد للعبيد. وحينها سيكون إسناد الطائفية إلى الطاغوت السياسي على نحو الحقيقة، وإلى غيره على نحو المجاز.
1-الطاغوت السياسي واستغلال الدين
أشار القرآن الكريم إلى منهج الطاغوت في استثمار الدين وتوظيفه لتحقيق أجندة سياسة خاصة. قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) (1). ومن خلال التدبر في الآية الكريمة نستخلص ما يلي:
1. إن الطاغوت قد يواجه من عصبته من يخالفه في اللجوء إلى القمع وسفك الدماء والفتك بالمعارضة. وهنا يضطر إلى توظيف الدين والاختلافات الدينية في إقناع العصبة بالخيار العسكري. والظاهر أن هنالك من عصبة فرعون من كان يعارضه في قتل نبي الله موسى (ع)، بحسب ما يظهر من قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى) .
2. يبدو أن خطاب فرعون كان موجهاً لبعض الكهنة أو الوجوه البارزة من عصبته المنتفعة من بقاء المعتقدات الدينية الباطلة على حالها. ومن هنا أراد فرعون استثمار أطماعها واستعدادها للمتاجرة بالدين لتقف معه صفاً واحداً ضد الدين الجديد الذي يهدد سلطتهما معاً. وتعبير الآية الكريمة على لسان فرعون ( إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) يظهر إرادته في توظيف الدين من أجل تحقيق أمرين أساسيين:
أ: الشحن المذهبي والتعبئة الطائفية، ونسبة الدين للعصبة المُخاطبة في قوله: (دِينَكُمْ) يشعر بهذا المعنى. ومن الواضح أن فرعون لم يكن حريصاً على الدين، بيد أنه أراد من خلال إظهار حرصه الكاذب على الدين استثمار العصبية الطائفية عند قومه وتأجيج مشاعرهم، ليتمكن من خلال الاتكاء على العصبية من تأليبهم على نبي الله موسى (ع) .
وكلما كانت العصبة المنتفعة بالدين أكثر عصبية لدين السلف والآباء والأجداد، كلما كان أسهل على الطاغوت استخدامها في صراعاته مع حركات التحرر. والأسهل من ذلك حينما تلتقي أطماع طاغوت السياسة مع أطماع السلطة الدينية في حب التسلط والهيمنة على المجتمع. وعلى هذا، فإن الطاغوت لا يتمكن من تفعيل سلاح الدين في صراعاته مع رسالات الأنبياء (ع) وحركات التحرر لولا الزمرة الفاسدة التي يستعملها لإثارة عواطف الجهلاء والبسطاء من الناس.
ب: تبرير القمع والإرهاب الدموي، والذي غالباً ما يلجأ إليه الطغاة قبل كل هجمة عسكرية. فالطاغوت مهما بلغ من درجات الطغيان والإفساد، هو لا يستغني عن الغطاء الديني ليمارس بطشه وإرهابه ضد كل من يهدد عرش السلطة.
3. حتى يحافظ الطاغوت السياسي على مشروعه في العلو والاستكبار، هو بحاجة إلى الطائفية في أمرين أساسيين:
أ: الاستقطاب: حيث أنه في لحظات التزاحم أو الصراع على المواقع والمناصب، لا يستغني الطاغوت وكل الطامعين في العلو عن استقطاب مزيدٍ من الأتباع لحماية مواقعهم من أي سقوطٍ أو اهتزاز. وتلعب الطائفية دوراً حيوياً في الاستقطاب، من خلال إثارة الحمية والعصبية للانتماء الديني والمذهبي.
ولا غنى للطاغوت عن الخداع والتزييف من أجل أن ينجح في إثارة عصبية الجماهير وتحريكهم نحوه، فما يفتأ ينفث سمومه وأكاذيبه فيصور تعرض الدين والمذهب والطائفة لحرب إبادة حقيقية ينفذها خصومه السياسيون.
قال تعالى: (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى *قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى *فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى *قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) (2)، وهكذا تصبح الطائفية أفضل الأسلحة وأقواها في التجييش والاستقطاب.
ب: التفريق: إذ أن الطاغوت وكل الطامعين في العلو والسلطة لا يحافظون على ما لديهم من امتيازات ذاتية إلا بعزل الخصوم وإسقاط ما لديهم من رصيد في المجتمع. والطائفية هي السلاح الذي يمكنهم من عزل من يصارعهم أو يزاحمهم على مواقعهم وامتيازاتهم الذاتية من خلال قدرتها على استدعاء بؤر الخلاف والتوتر وتفعيل مشارط الانقسام ونكأ الجراح المندملة، ومن ثمّ إعادة إشعال نار الحقد والكراهية المدفونة تحت الرماد. وهكذا تصبح الطائفية أفضل وسيلة إعلامية للتفريق والتعبئة ضد الخصوم.
ونظراً لما تقدمه الطائفية من دور في الاستقطاب والتفريق، دأبت الأنظمة السياسية الجائرة على شهر سلاح الطائفية مع كل صراع وأزمة سياسية، فتجند لذلك الإعلام وعلماء البلاط وأنصاف المثقفين لتتمكن من تجييش الجهلاء والبسطاء وتحشيدهم لتضييق الخناق وتضييع الخيارات السياسية على المعارضة.
ويبقى وعي المجتمع بالدوافع الحقيقية للطائفية عنصراً حاسماً في معادلات الصراع على المواقع والامتيازات، ذلك لأن الطامعون في الرئاسة لا يتمكنون من إمرار أجنداتهم الخاصة إلا عبر استغلال الجهال والركوب على ظهور البسطاء. قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ *أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ *فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ *فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (3).
2- العصبية بديلاً عن الحق والعدالة
قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (4). تعتبر الآية المتقدمة من غرر الآيات التي أشارت إلى منهج الطاغوت في التقسيم والتمييز الطائفي وتوظيفه لتحقيق أهداف سياسية. وهي قد اختزلت الملامح السياسية للحكم الفرعوني في عدة أسس:
1. التقسيم الطائفي:
اعتمد النظام الفرعوني سياسة تقسيم المجتمع إلى فرق وطوائف متناحرة : (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا)، ذلك لأن تحقيق الطاغوت لمشروعه " العلو في الأرض" يتوقف على ظروف ثقافية واجتماعية خاصة تساعده في تحقيق أطماعه في احتكار السلطة والاستئثار بالاقتصاد. ولهذا يبادر الطاغوت في بث ثقافة طائفية تقسم المجتمع إلى طوائف عالية وأخرى سافلة ودانية من أجل تفكيك المجتمع وإشغاله بالصراعات الداخلية.
ولذا بعد أن ابتدأت الآية القرآنية ببيان مشروع فرعون الإستكباري (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ) أعقبت ذلك مباشرة بسياسته في تقسيم المجتمع إلى طوائف (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) .
وليس من شكٍ أن التنوع الطائفي هو سنة اجتماعية نابعة من حقيقة الاختلاف بين البشر، إلا أن حالة الصراع والتناحر بين الطوائف المتعددة هي من صناعة الساسة وأصحاب المآرب الشخصية.
ويعد التقسيم الطائفي وسيلة أساسية يستخدمها الطاغوت لتحقيق عدة أهداف:
أ: تشتيت قدرات وإمكانات الأمة واستنزافها في الخلافات الطائفية، لإبعادها عن مواجهة الفساد السياسي.
ب: إشغال الأمة عن المعارضة السياسية بالسجالات البينية والصراعات الجانبية، حيث يصنع الطاغوت لكل طائفة عدواً من الطوائف الأخرى تنشغل بالصراع والسجال معه.
ج: منع الطوائف من تشكيل ائتلافات مناهضة لسلطته.
2. ممارسة التمييز الطائفي
بعد أن نجح النظام الفرعوني في تقسيم المجتمع المصري إلى طوائف، انتهج سياسة التمييز والاستضعاف لفئات اجتماعية خاصة بناءً على معيارية الانتماء الطائفي، (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ) .
ذلك لأنه ليمارس النظام الدكتاتوري سياسة التمييز والتهميش ضد طائفة بعينها، هو بحاجة إلى مبررات تصنع الطبقية بين الطوائف، وتجعل من ممارسة التمييز مقبولاً عند الطوائف الأخرى.
ومن هنا يوظف الطاغوت الاختلافات الدينية والمذهبية في شق الصف، وليتمكن من ممارسة التمييز والتهميش لطوائف معينة وإبعادها عن المشاركة في صناعة القرار السياسي.
ولهذا لم تشر الآية الكريمة المتقدمة إلى أن فرعون مارس التمييز الطائفي: (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ) إلا بعد أن أشارت إلى تقسيمه للمجتمع إلى طوائف: (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) .
3. العصبية للحزب الحاكم
إن تقسيم المجتمع إلى طوائف عالية وأخرى سافلة ودانية هو الذي يؤسس لنظام سياسيٍ قائم على حكم العصبة، حيث يتعصب الطاغوت بالطائفة التي يصنفها بأنها عالية، ويجعلها له كالحصن.
أما الطائفة التي ينظر لها بأنها أدنى فمصيرها التمييز والاستضعاف الطائفي.
وكان الحكم الفرعوني قائماً على حكم العصبة، واستئثار طائفة اجتماعية بكل مواقع الحكم وامتيازاته دون غيرها من الطوائف. ويستفاد ذلك من خلال التدبر في الآية بوضوح، إذ لا يمكن ممارسة التمييز على طائفة واستضعافها إلا بطائفة أخرى تحتكر السيادة والقوة والمال والنفوذ. إذ أنه بدون الاحتكار وتجريد الخصم من أسباب القوة، فإن طبيعة العلاقة تصبح من باب صراع الأنداد، وليس من باب استضعاف القوي للضعيف.
4. البطش والإرهاب الدموي
دأب النظام الفرعوني على ممارسة القمع والإرهاب ضد الطوائف المخالفة لحكمه وطائفته، (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ)، إذ أنه بعد أن ينجح الطاغوت في تقسيم المجتمع بمشارط الطائفية، يبدأ بممارسة الإرهاب والتنكيل بمن يخالفه.
وعلى هذه اللبنات الأربع تتأسس منظومة الفساد التي يمارسها كل طاغوت.
3- رجالات الطاغوت والطائفية
لا يتمكن النظام السياسي الدكتاتوري من تحقيق مشروعه الطائفي إلا بتعميم ثقافة الطائفية وتحويلها إلى منطق يتحكم في طبيعة العلاقات بين الفرقاء الدينيين والمذهبيين. وهنا نلاحظ جهتين أساسيتين ينفذ الطاغوت السياسي من خلالهما مشروعه الطائفي:
1. الملأ
ويتكئ الطاغوت في إرساء قواعد المنطق الطائفي وتعميمه على عصبته وزمرته الفاسدة، والتي تقابلها كلمة " الملأ" في تعبيرات القرآن على ما يبدو. والملأ "اسم للأشراف، لأنهم يملؤون القلوب هيبة، والأنظار زينة ونظارة "(5).
قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) (6)، إذ أن الزينة التي آتاها الله سبحانه فرعون وملأه تعبيرٌ عن الجاه وأسباب القوة التي تملأ القلوب هيبة والأنظار بهاءً وجلالاً.
ولأن الامتيازات الذاتية للملأ مستمدة من وجود النظام السياسي الدكتاتوري ومرتهنة ببقائه، يتقمص الملأ المنطق الطائفي طوعاً وكرهاً ويحتفظ به كأهم الخيارات لحماية عرش الطاغوت من السقوط والاهتزاز.
وقد أشارت آيات قرآنية متعددة إلى الدور الأساس الذي يمكن أن يلعبه الملأ في صناعة الطائفية وممارسة التمييز ضد الآخر الديني والمذهبي لتحقيق أجندة سياسية.
ويتضح ذلك بملاحظة الآيات القرآنية التي تعرضت إلى الدور الذي لعبه ملأ فرعون في صراع نبي الله موسى (ع) والمجتمع الإسرائيلي ضد النظام الفرعوني.
والآيات الكريمة ترشدنا إلى أن دور الملأ لا يتوقف على تنفيذ مشروع التقسيم الطائفي للنظام الديكتاتوري، وإنما يمكن أن يمارس دور التحريض الطائفي والتعبئة السلبية،كما يشير لذلك قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (7)، ويظهر من الآية إتباع الملأ لمنهج التحريض الطائفي ودفع فرعون للخيار العسكري والإفراط في استخدام القوة كمطية لحماية العرش والحفاظ على امتيازات السلطة.
وقال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ *فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ *قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ *قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ *وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ *فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ *وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ *فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (8).
ونستوحي من الآيات الكريمة المتقدمة ما يلي:
أ: إن جعل المقابلة بين موسى وهارون (ع) وبين فرعون وملئه، وكذا إسناد الآيات الإجرام لهما في ذيل قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) يظهر منه أن ملأ فرعون لم يكونوا مجرد هيئة استشارية، وإنما كانوا يمثلون مُكوناً أساسياً في بنية النظام وسياسته الطائفية ضد بني إسرائيل. والظاهر أن موقع ملأ فرعون يقترب من موقع الوزراء في النظام السياسي المعاصر.
ب: كشفت هذه الآيات القرآنية الخلفية الحقيقة التي دفعت فرعون وملأه إلى إظهار الحرص على الدين واللجوء إلى خيار المواجهة الطائفية مع نبي الله موسى (ع) وبني إسرائيل، إذ قال تعالى: (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) (9)، إذ يظهر من مقالتهم وحرصهم الكاذب خوفهم من إسقاط النظام الفرعوني.
وأيضاً أشارت الآيات القرآنية إلى ذلك في موطنٍ آخر، فلاحظ قوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ *إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ *فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) (10)، إذ أنها صرّحت على لسانهم بأن التكذيب وما تبعه من الصراع والمواجهة الطائفية لم يكن إلا لحماية عرش السلطة السياسية والتي مكنتهم من استعباد بني إسرائيل وإذلالهم.
وقد أشارت خاتمة الآيات الكريمة المتقدمة إلى دور الملأ في ممارسة الانتهاكات الطائفية لثني بني إسرائيل عن الالتحاق بالحركة الرسالية التي قادها نبي الله موسى (ع) لإسقاط النظام الفرعوني، إذ جاء فيها: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ) .
2- علماء البلاط
إذا كانت الأنظمة السياسية هي الأقدر على صناعة الطائفية نظراً لما تتيحه لها السلطة من إمكانيات ونفوذ، فإن السلطة الدينية تتفوق على غيرها من صناع الطائفية في جدارتها في تمثيل الدين والحديث باسمه. ولأن الموقع الرسمي الذي تتبوؤه السلطة الدينية يمنحها القدرة على الجذب والاستقطاب، أصبحت سلطة الدين في معرض التوظيف والاستغلال من قبل الطاغوت السياسي.
ومن هنا، دأبت الأنظمة السياسية الدكتاتورية على توظيف سلطة الدين والعلم في تحقيق أهدافها وأجندتها السياسية ضد الخصوم.
ويوظف النظام السياسي الدكتاتوري ما لديه من ثروات وإمكانات مادية في استقطاب المرتزقة من العلماء إلى بلاطه، لاستغلال سلطة الدين والعلم في استقطاب وتفريق الجماهير مع كل صراع وأزمة سياسية. وقد أشارت الآيات القرآنية إلى توظيف فرعون لسلطة العلم التي كان يتبوأها السحرة في صراعه الطائفي السياسي مع نبي الله موسى (ع) .
قال تعالى: (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ *قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (11).
ومن هذه الآيات نستوحي ما يلي:
أ: إن العلاقة بين علماء السوء والنظام الطاغوتي قائمة على تبادل المصالح. ولذا نجد أن تقديم السحرة الدعم والتأييد والولاء للنظام الطاغوتي الفرعوني كان مشروطاً بالأجر، وهكذا استثمر النظام الفرعوني ثروات الدولة ومناصبها لاستقطاب المرتزقة من العلماء وتجنيدهم ضد خصومه السياسيين. إذ أن مواجهة النظام الفرعوني لحركة نبي الله موسى (ع) وإن كانت تتلبس بالصورة الدينية وصورة الصراع بين الطوائف، إلا أنها في جوهرها كانت لأهداف سياسية.
ب: يمثل تعرض عرش الطاغوت إلى الاهتزاز في الأزمات السياسية فرصة استثنائية لعلماء السوء للوصول إلى أطماعهم في التقرب من بلاط السلطة. وهنا لا يتردد علماء السوء في استخدام سلطة العلم والدين من أجل تعميق التحالف مع النظام الدكتاتوري، والمشاركة في مشروعه في الصراع والتمييز الطائفي.
ج: يكمن دور علماء السوء الأساس في الصراعات الطائفية في التضليل وصرف الرأي العام واستعمال سلطة العلم والدين في التزييف وتغيير الآراء والقناعات بحسب شهوة السلطان. قال تعالى: (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ*قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ*فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) (12).
وإذا كان السحرة قد لجئوا إلى السحر من أجل التضليل وصرف الرأي العام لمصلحة النظام الفرعوني، فإن علماء البلاط اليوم قد يستخدمون سلاح التكفير والإفتاء ونشر العصبية وثقافة الكراهية لتحقيق الأجندة السياسية الخاصة للأنظمة الحاكمة.
وحينما تغلب على المجتمع روح العصبية وثقافة الكراهية والحمية الجاهلية التي تكرسها النخب الدينية وعلماء السوء للمحافظة على مواقعهم في بلاط السلطة، يسهل على السلطة السياسية إشعال نار الفتنة الطائفية كلما اشتدت وتيرة الصراع مع الخصوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) دراسة طرحت في مؤتمر القرآن بسيهات، سنة 1432هـ
(1) سورة غافر، 26
(2) سورة طه، 60-63.
(3) سورة الزخرف، 51-54.
(4) سورة القصص، 4.
(5) تقريب القرآن للأذهان،ج2، ص546، آية الله السيد محمد الشيرازي (قده) .
(6) سورة يونس، 88
(7) سورة الأعراف، 127
(8) سورة يونس، 75-83
(9) سورة يونس، 78.
(10) سورة المؤمنون، 45-47
(11) سورة الأعراف، 109-114
(12) سورة الشعراء، 34-40.
 
https://fbcdn-sphotos-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/376557_326950387333652_227320773963281_1190871_984018650_n.jpg 

(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
( |  ~ {قرووب البصيرة الرسالية) .. (للأخبار الرسالية والمواضيع الهادفة} ~ | )
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
* لتصفح مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع المنشورة حديثاً وقديماً:
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif 

أو عبر (PickerQrCode)

 * للإنضمام لصفحة قروب البصيرة الرسالية على الفيس بوك لمتابعة جديد ما ننشره:
* ليصلكم ما ننشره بالبريد الإلكتروني اشتركوا في (قروب البصيرة الرسالية):
http://groups.google.com/group/albaseera
 
الضغط على هذا الرابط التالي:

وتأكيد الاشتراك منكم لتعذر الإضافة مباشرة منا بعد تحديثات قوقل الأخيرة
ملحق ذا فائدة (محدث):
* صفحة آية الله المجاهد الشيخ نمر النمر (حفظه الله) بالفيس بوك:
www.facebook.com/Shaikh.Nemer

* صفحة (صفحة جامع الإمام الحسين (ع) بالعوامية) بالفيس بوك:

* لمشاهدة فيديو آية الله النمر في اليوتيوب :
www.youtube.com/profile?user=nwrass2009
 
* إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر (يحوي 1902 محاضرة):
www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html
لا تنسونا من صالح دعائكم
وإفادة الآخرين مما يصلكم منا
مع تحيات: البصيرة الرسالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق