السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

15 أبريل 2010

مقال آية الله النمر (13): ‏[سلسلة الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت]: ‏(النقطة «16» أصالة الإنسان وسيادته..على القوانين الوضعية والوطن)‏_ساهموا بنشره معكم

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة (13) لسماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر حفظه الله والتي تحت سلسلة بعنوان: (الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت) والتي تنشر في كل يوم أربعاء من كل أسبوع.

سلسلة مقالات: الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت (13)

«16» أصالة الإنسان وسيادته (*)..
على القوانين الوضعية والوطن.

https://fbcdn-sphotos-g-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/378334_426692670702456_1602805127_n.jpg
سماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

بعد العلم بأصالة القيم الرسالية على كل الوجود؛ يأتي السؤال التالي:

·  هل الأصالة والمحورية والسيادة بعد أصالة القيم الرسالية للإنسان أم للقيم البشرية أم للقانون الوضعي أم للأرض أم للوطن؟
لا ريب أن هناك مصدرين للقيم، وهكذا للقوانين والتشريعات:

المصدر الأول: هو وحي السماء والقيم الرسالية.

فالوحي هو الأصل والمرجعية الوحيدة لكل القوانين السماوية والتشريعات الإلهية التي ما شرِّعَتْ إلا من أجل حفظ وتيسير وسلامة حياة الإنسان، وتسخير الطبيعة للإنسان. ومن هنا وُضِعتْ كلُ القيم الرسالية، وشرِّعتْ كلُ القوانين السماوية، والتشريعات الإلهية؛ لإصلاح الإنسان وخدمته، وتحقيق حريته، وتكريم ذاته، وإكمال إنسانيته؛ ليكون سيداً على الأشياء، لا عبداً لها؛ فالأصالة والسيادة والمحورية والحاكمية لقيم السماء، ثم للإنسان.

ولكن كما أن الإنسان لا يبقى على قيد الحياة الجسدية إلا بالهواء والطعام والشراب التي خُلِقتْ لأجل حياته؛ كذلك لا يبقى قلب الإنسان ينبض بالحياة الإنسانية السامية، ولا يمكن أن يتخلص من رق العبودية للأشياء، ويرتقي سلَّم السيادة عليها إلا بالقيم الرسالية. وبالقيم الرسالية يتسيد الإنسان على الأشياء.

والقوانين السماوية والتشريعات الإلهية أنواع فمنها:

1. قوانين وتشريعات شرِّعتْ لحفظ وتدعيم القيم الرسالية، أو هي منها: مثل تشريع الصلاة التي لا يسقط تكليفها عن المكلف بأي حال كان؛ لتجسيد مفهوم التوحيد والعبودية لله وحده، ومثل حق الكرامة وهي الحريم الإنساني الذي لا يجوز التعدي عليه بأي حال من الأحوال، وهي الحق الذي لا يُملك، ولا يجوز إسقاطه حتى من صاحب الحق، ولا يجوز التعدي عليه. وهذه القوانين والتشريعات لها نفس الأصالة والسيادة والمحورية والحاكمية في الوجود بين المخلوقات؛ التي للقيم الرسالية.

2. قوانين وتشريعات شرِّعتْ لتمكين الإنسان من التحلي بالقيم الرسالية: كالصوم الذي يُروِّض نفس الإنسان، ويُحلِّيه بالصبر، ويشحد عزيمته بالإرادة، والحج الذي يصقل إرادة الإنسان، ويعدُّه للتضحية، والوضوء الذي يطهر الإنسان، ويهيئه للخضوع والتواضع. وهذه القوانين والتشريعات لها نفس الأصالة والسيادة والمحورية والحاكمية في الوجود بين المخلوقات؛ التي للقيم الرسالية؛ ولكن محوريتها وحاكميتها مشروطة باستطاعة الإنسان؛ فتسقط مع عجزه وافتقاده القدرة.

3. قوانين وتشريعات شرِّعتْ لأجل حفظ وتنظيم حياة الإنسان الفرد والمجتمع: كأحكام القضاء، والحقوق الإلزامية. وهذه القوانين والتشريعات لها نفس الأصالة والسيادة التي للقيم الرسالية في الوجود بين المخلوقات؛ ولكن محوريتها وحاكميتها إما مطلقة وعامة كبعض الحدود التي لا يجوز تعطيلها، أو خاصة ومقيدة بطلب صاحب الحق.

4. قوانين وتشريعات شرِّعتْ لأجل تنظيم وتسهيل حياة الإنسان: كالمباحات غير الإلزامية الثلاثة: المكروهات والمستحبات والمباحات غير الراجحة؛ وهذه القوانين والتشريعات وإن كان لها نفس الأصالة والسيادة في الوجود بين المخلوقات؛ التي للقيم الرسالية؛ إلا أنه لا محورية لها ولا حاكمية لها على الإنسان إطلاقاً.

والخلاصة أن كل القوانين السماوية والتشريعات الإلهية لها أصالة وسيادة بنفس رتبة القيم الرسالية، ولكن هناك قوانين وتشريعات لها محورية وحاكمية بنفس رتبة القيم الرسالية، وهناك قوانين وتشريعات لها محورية وحاكمية بنفس رتبة القيم الرسالية ولكن محوريتها وحاكميتها مشروطة باستطاعة الإنسان، وهناك قوانين وتشريعات محوريتها وحاكميتها إما مطلقة وعامة، أو خاصة ومقيدة، وهناك قوانين وتشريعات ليس لها محورية ولا حاكمية على الإنسان إطلاقاً.

المصدر الثاني: هو الفكر البشري.

إن أهمية وضرورة وشرعية القيم البشرية التي استلهمها الفلاسفة والحكماء والعرفانيون، وكذلك القوانين الوضعية التي سنها المشرعون والفقهاء؛ تقاس عند واضعيها بقدر خدمتها للإنسان وتلبيتها لحاجياته المادية والمعنوية وتطلعاته السامية وأهدافه المشروعة؛ ولذا فإن كل قيمة بشرية، أو قانون وضعي لا تخدم الإنسان تفقد قيمتها واعتبارها وشرعيتها عند واضعيها ومشرعيها؛ فالإنسان هو الأصل والمحور لاعتبارية القيم البشرية، والقوانين الوضعية؛ وهو الأصل والمحور لأهميتها ورتبتها عند واضعيها ومشرعيها؛ فالقانون الوضعي والنظم والدساتير كلها لا تُشرَّع إلا لأجل خدمة الإنسان؛ فلا شرعية ولا أهمية لأي قانون أو نظام أو دستور لا يخدم الإنسان، ويلبي حاجياته، ويحقق كرامته وحريته. فالإنسان هو الأصل والمحور والسيد وبقدر خدمة الأشياء له تقاس اعتباريتها وقيميتها.

فأصالة الإنسان ومحوريته وسيادته حاكمة على أصالة ومحورية القيم البشرية، والقوانين الوضعية؛ ولذلك تكون أصالة الإنسان ومحوريته وسيادته حاكمة على الأشياء بطريق أولى؛ لأن أصالة القيم البشرية، والقوانين الوضعية، ومحوريتها وسيادتها حاكمة على الأشياء؛ كما يدعي واضعي القيم البشرية، ومشرعي القوانين الوضعية. فالإنسان هو الأصل والمحور والسيد على الأشياء، والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس القيم البشرية. والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس القانون الوضعي. والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس النظام السياسي. والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس التقاليد والعادات والأعراف الاجتماعية. والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس الوطن. والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس الأرض. والإنسان هو الأصل والمحور والسيد وليس الأشياء.

ولكن هذه القيم البشرية والقوانين الوضعية لا تكتسب شرعيتها إلا حينما تتوافق كاملاً مع قيم الرسالة، ووحي السماء؛ فلا شرعية لأي قيمة، ولا أي قوانين؛ إلا إذا وافقت وحي السماء. فالقيم البشرية، والقوانين الوضعية التي تخالف وحي السماء، وقيم الرسالة ما هي إلا قوانين جاهلية وفسق وضلال، ويجب أن تقتلع وتجتث ويضرب بها عرض الحائط، ويرمى بها في بحيرات تصريف المياه النتنة.

وأما القيم البشرية، والقوانين الوضعية التي توافق وحي السماء هي قيم سماوية، وقوانين رسالية، وتشريعات إلهية؛ ولا تسمى قيم بشرية، وقوانين وضعية إلا مجازا وغفلة؛ فتكون لها حينئذٍ الأصالة والسيادة على الإنسان والأشياء والوجود؛ وتكون لتلك القوانين المحورية والحاكمية على الإنسان بحسب نوعها كما مرَّ بيانه سابقاً.

وكل الأشياء خُلِقتْ وسُخِّرت لأجل خدمة الإنسان؛ فالبحر والسفن التي تجري فيه بمشيئة الله، والسماء وما فيها، والأرض وما فيها جميعاً سُخِّر للإنسان. ولكن لا يدرك ولا يفقه أن الإنسان هو الأصل والمحور والسيد على كل الأشياء بما فيها القيم البشرية والقوانين الوضعية فضلاً عن غيرها إلا أهل التعقل والتفقه والتفكير. يقول الله سبحانه وتعالى: (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

وهكذا خَلَقَ الله السماوات والأرض والماء والثمرات، وسخر الأنهار والشمس والقمر والليل والنهار، ومكَّن الإنسان، وأعطاه القدرة على الصناعة والاختراع والإبداع لكل شيء يسعى لصناعته واختراعه وإبداعه و.. و.. و.. وما يعجز الإنسان عن إحصائه؛ ولا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى من الأشياء التي خُلِقتْ وسُخِّرتْ للإنسان. يقول الله سبحانه وتعالى: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ.

إن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض وما فيها للإنسان، وجعل الإنسان أصلاً ومحوراً وسيداً على الأرض، وجعلها أفضل الكواكب وسيدتها، وضمَّنها ما حوت من الخيرات والبركات التي لا تعدُّ ولا تحصى، ولا تزداد بكثرة الأخذ منها إلا جوداً وكرماً ونعماً تتجدد من عطاء الله وفضله. يقول الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

إن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختار الإنسان، وجعله دون غيره سيداً وقيِّماً وخليفة لله في وعلى هذه الأرض المباركة؛ وبهذا الجعل أصبح الإنسان هو الأصل والمحور والسيد للمخلوقات جميعاً. ولذلك كان من البديهي أن تسأل الملائكة ربها استفهاماً، لا استنكاراً عن أساس اختيار الإنسان للخلافة دونهم؛ أليس هو العقل الذي به تتحقق التقوى التي هي أساس التفضيل والتكريم والاختيار للخلافة في الأرض والأصالة والمحورية والسيادة للمخلوقات؟ وإذا كان الجواب كذلك وهو كذلك فالحال أن الإنسان وإن وهبه الله العقل إلا أنه مركب من العقل العاصم لمَنْ اتبعه من الزلل والخطل، ومن الشهوة التي بطبيعتها تحجب العقل، وتُغيِّب التقوى؛ وهذا سيجعل طبيعة الإنسان الفساد العام والشامل للبلاد والعباد، ويهلك الحرث والنسل، ويقوم بسفك دماء الأبرياء؛ فإذا كانت هذه حقيقة؛ وهي كذلك؛ فإن طبيعة الإنسان المركبة بعنصر الشهوة لا تتناسب والخلافة في الأرض والأصالة والمحورية والسيادة للمخلوقات؛ على العكس من الملائكة الذين وهبهم الله العقل، ولم يبتلهم بالشهوة؛ ولذلك هم أولى بالتكريم والتفضيل للخلافة في الأرض والأصالة والمحورية والسيادة للوجود؛ لأنهم هم المسبحون بحمد الله، والمقدسون له، وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

ولكن الله سبحانه وتعالى بين للملائكة ما خفي عليهم من أن وحي السماء الذي يغذي العقل بالعلم كفيل بغلبة العقل على الشهوة، وبتقوية العقل وتمدده عمودياً وأفقياَ، وكمياً ونوعياً، ومتجاوزاً المكان والزمان. وهذا ما جعله الله سبحانه وتعالى للإنسان دون الملائكة؛ حيث عَضَدَ الله سبحانه وتعالى عقل الإنسان بوحي السماء، وعِلْم الرسالة؛ مما جعله أهلاً للخلافة والأصالة والمحورية والسيادة؛ فلما رأت الملائكة ذلك، العقل الممتلئ بالعلم، بجلاء ووضوح ازدادت تسليما لله، وقبولاً بخلافة الإنسان وأصالته ومحوريته وسيادته للمخلوقات. يقول الله سبحانه وتعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ.

وحينما سلَّمت الملائكة لخالقها، وأعلنت قبولها لخلافة الإنسان وأصالته ومحوريته وسيادته على المخلوقات؛ أمرها الله بالخضوع للإنسان وخدمته ليكون الخليفة لله سبحانه وتعالى والأصل والمحور والسيد لجميع الأشياء؛ فاستجابت الملائكة لأمر ربها، وخضعت لإرادة الإنسان، فسجدت للإنسان عبر تسخير كل إمكانياتها وقدراتها التي وهبها الله سبحانه وتعالى لها لتدبير أمور الكون وشؤونه، والتحكم في حركته وسكونه؛ لتكون طَوْعَ إرادة الإنسان، وإشارة أمره، ما عدى إبليس الذي أوكِل بتدبير النفس الإنسانية أبى واستكبر، واستعلى على الحق، وعصى أمر ربه، ورفض السجود والخضوع للإنسان، وأعلن عداوته له. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).

وبعد خضوع الملائكة للإنسان أمره الله أن يسكن جنة الدنيا؛ ليكون هو الخليفة والأصل والمحور والسيد فيها، وسخرها له؛ ليتصرف في كل ما فيها من بساتين الرشد والهدى، وأشجار العلم والمعرفة، وأنهار الطهارة والتقوى، وقصور البناء والإعمار، و... ما عدى الشجرة التي تغذي النفس بنَهَمَ الهوى والشهوة، وبأنواع الظلم من الجهل والحسد والنفاق والفساد وحب الرئاسة والزعامة والعدوان والطغيان و... ولكن الشيطان لم يَدَعْ الإنسان حراً، فحرك جماح شهوته وهواه، وغرره إلى أن أكل من شجرة الظلم، فحجبتْ عقله، وحالتْ بينه وبين قدراته العلمية، فانكشفتْ وبانتْ سوءاته الحيوانية، وتحكمتْ في تفكيره وأفكاره وأعماله، وشكلتْ تطلعاته ورؤاه وسلوكياته، فعجز عن تسخير جنَّة الدنيا وما فيها من خيرات الهدى للتي هي أقوم، فأهْبِط إلى الأرض؛ ليتمكن عبر وحي السماء، وهدى الرسالة من استكمال عقله، واسترداد قدراته عندما يغترف العلم من معين الوحي، ويعرف أن الشيطان هو العدو، ويجب التغلب على كيده الضعيف؛ لتتحرر النفس من أصر الهوى، وأغلال الشهوات، فيتمكن من تسخير الأرض وما فيها. يقول الله سبحانه وتعالى: ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ.

ومباشرة بعد أن أهبط الإنسان على الأرض تلقى من ربه علمَ الوحي الذي به يثار العقل من السبات؛ وهنا الإنسان ذاته هو الذي يحدد بإرادته واختياره أهليته للخلافة في الأرض، وسيادته على الأشياء بالاستجابة لرشد العقل، وإتباع هدى السماء؛ أو عدم أهليته للخلافة في الأرض، وعبوديته للأشياء بتأليه الهوى، وتكذيب الوحي. يقول الله سبحانه وتعالى: ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

إن الطريق للاصطفاء من ثقل الدنيا والمادة، ومن ثم العروج إلى ملكوت الله لرؤية الحقائق كما هي من دون تشويش ولا ضبابية، ومن ثم السيادة والهيمنة على الكون والأرض من علو السماء، وتسخير جميع الأشياء مما في السماء والأرض؛ يتحقق من خلال الأخذ بكل مواعظ رسالة السماء، وتفصيلات كلام الله بجدً وقوة، ومن دون تردد ولا مداهنة ولا تبعيض، وبسعة المرونة باختيار الأحسن الذي يناسب الظرف والموضوع؛ وهنا ستتكشف السوءة، والمكانة المنحطة والمتهاوية للإنسان الفاسق الذي خرج عن محيط الكرامة الإنسانية بِتَكَبّره على آيات الله، وتأليهه للهوى، وتكذيبه لوحي السماء، واستبداله الذي هو غي وعبودية بالذي هو رشد وكرامة؛ ولذلك لم يتخذ طريق الرشد والكرامة شريعة لحياته؛ وإنما اتخذ طريق الغي والعبودية شرعة لأهوائه وشهواته؛ فأفسد خلافة الإنسان في الأرض، وغيب أصالته، وألغى محوريته، وأهوى سيادته؛ فأمسى الإنسان عبداً للأشياء في مستنقع الوهم باسم القانون (الوضعي)والدستور (الشكلي)والنظام (الجائر)؛ وفي وحل الظلام باسم الحزبية والوطنية والقومية و... وبات يعيش الضياع والتيه والضلال. يقول الله سبحانه وتعالى: ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ * سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*.



(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
( |  ~ {قرووب البصيرة الرسالية) .. (للأخبار الرسالية والمواضيع الهادفة} ~ | )
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
* لتصفح مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع الجديدة والقديمة:
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif 
أو عبر (PickerQrCode)
 
http://chart.googleapis.com/chart?cht=qr&chs=100x100&choe=UTF-8&chld=H|0&chl=http://goo.gl/hu7cX

 * للانضمام لصفحة قروب البصيرة الرسالية على الفيس بوك لمتابعة جديدنا:

 
 
 
* ليصلكم ما ننشره بالبريد الإلكتروني اشتركوا في (قروب البصيرة الرسالية):
http://groups.google.com/group/albaseera
 
ثم هذا الرابط التالي:
 
وتأكيد الاشتراك منكم لتعذر الإضافة منا بعد تحديثات قوقل الأخيرة

ملحق ذا فائدة (محدث):
* صفحة آية الله المجاهد الشيخ نمر النمر (حفظه الله) بالفيس بوك:
www.facebook.com/Shaikh.Nemer
 
* صفحة جامع الإمام الحسين (ع) بالعوامية بالفيس بوك:
 
* لمشاهدة فيديوهات آية الله النمر في اليوتيوب :
www.youtube.com/profile?user=nwrass2009
 
* إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر (يحوي 1902 محاضرة):

خدمة مجموعة العهد الثقافية:
من نشاطات الخدمة :
- نشر مستجدات وآخر محاضرات سماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر آل نمر دام ظله .. ومحاضرات رسالية.
 
- نشاطات ومواضيع رسالية.
 
- أقلام رسالية واعدة.
 
- أمور متفرقة منتخبة.
طرق الاشتراك بالخدمة
* بلاك بيري مسنجر:
PIN:29663D6D
 
*  ببرنامج الوتساب:
00966556207946
 
* على Twitter:

 لا تنسونا من صالح دعائكم
وإفادة الآخرين مما يصلكم منا
مع تحيات: البصيرة الرسالية
 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق