السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

6 مايو 2010

مقال آية الله النمر (16): ‏[سلسلة الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت]: ‏(«21-22» تأمل في حب الوطن والبصيرة القرآنية في الوطنية)‏_ساهموا بنشره معكم

سلسلة مقالات: الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت (16)

»21-22« تأمل في حب الوطن والبصيرة القرآنية في الوطنية (*)
https://fbcdn-sphotos-g-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/378334_426692670702456_1602805127_n.jpg
سماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

»21« وقفة تأمل في رواية حب الوطن من الإيمان

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ﴿حب الوطن من الإيمان.

إن هذا الحديث كثير ما تتناقله وتسطره ألسن وأقلام خفافيش الليل والظلام الذين لا يتمكنون من السباحة الاجتماعية والسياسية والفكرية إلا في فكر ونظريات الليل والظلام؛ لتثبيت نظرية باطلة، أو تدعيم فكرة جاهلية. إن هؤلاء هم الشعراء الذين يتَّبعهم الغاوون، وتراهم يخوضون فيما يجهلون، ويدَّعون العلم بما لا يعلمون، فيسحرون أعين السذج، وآذان البلهاء من الناس بمكر الإفك، وقول الزور من خلال إخطبوط إعلام الطاغوت؛ إن هؤلاء الشعراء هم المنظرون لرجس الوطنية، وهم الذين ينسجون لها فلسفة أوهَن من بيت العنكبوت؛ ليُرضوا بها أربابهم من الطواغيت؛ وكأن الوطنية إله لا بدَّ أن يعبد من دون الله؛ وأما عقيدتهم في الأخوة الإيمانية، ووحدة الأمة الإسلامية؛ فهي عندهم أوهام وخرافات وأساطير. ولكنهم سيحملون يوم القيامة على ظهورهم أوزارهم من الفلسفة الوطنية، وأوزار الببغاوات الذين اتبعوهم؛ بتعمية عقولهم، وصفقوا لهم من دون عِلْم ولا دليل ولا بصيرة ولا برهان. إن المصير الذي ينتهي إليه دعاة الوطنية وأتباعهم هو الخزي والسوء، ودخول أبواب جهنم؛ لتكون مثوى لتكبرهم، وعدم تراجعهم عن فكر الضلال. وأما المصير الذي ينتهي إليه دعاة الأخوة الإيمانية، ووحدة الأمة الإسلامية فهو دار ووطن المتقين جنات عدن لهم فيها ما يشاؤون.

يقول الله سبحانه وتعالى: (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ * قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

إن خفافيش الليل والظلام يتخذون رواية ﴿حب الوطن من الإيمان﴾ قاعدة لبناء السقف لفلسفة الولاء للوطن والوطنية؛ ليمكرون كما مكرت الخفافيش من قبلهم، وليخدعون ويغررون به الهمج من الرعاء من الناس. إننا نبشرهم بأن هذا الحديث موضوع ولا أصل له؛ فلا يوجد كتاب واحد يعنعن رواة هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فكل مَنْ نقله قال: روي. ولكن من الراوي؟ ومَنْ روى عنه أو عن الذي روى عنه وهكذا؟ لا أحد يعرف راوياً واحداً غير روي. فالحديث مرفوع بل البعض من الشيعة رفعه دون معرفة المروي عنه هل هو الرسول أو أحد الأئمة؛ لا يعرف! فلا يوجد أصل معتبر لهذا الحديث يُعْتَمد عليه للاحتجاج به؛ فالحديث ساقط عن الاعتبار سنداً وعن الحجية شرعاً عند جميع علماء الطوائف الإسلامية من دون استثناء؛ وبهذا نقتلع بنيان الوطنية من القواعد ليخر على خفافيش الليل والظلام سقف الوطنية من فوقهم. يقول الله سبحانه وتعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾.

ولو سلمنا جدلاً بصدور الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأغضضنا النظر عن سند الحديث وأنه ساقط عن الحجة والاعتبار، وبحثنا الجانب الدلالي للحديث بمعية الآيات القرآنية، والروايات الواردة من أهل بيت النبوة فسوف نصل إلى الأمور التالية:

1. إن الحب الذي يغرسه الوحي في قلوب متَّبعيه هو الحب الذي ينبعث من الفطرة السليمة، وينسجم مع العقل الرشيد، ولا بد أن يكون حباً ذا أهداف سامية، وفوائد نامية، وليس حباً عبثياً يتولد من الأهواء أو الشهوات، أو منافياً لقيم الإسلام أو مبادئه؛ فيكون حباً ناقضاً للأخوة الإيمانية، أو وحدة الأمة الإسلامية؛ ولذلك لا يمكن أن يكون المراد بالوطن في الحديث هو التراب بما هو تراب في المساحة الجغرافية التي وُلِد الإنسان عليها، أو عاش فيها؛ لأنه لا قيمة تفضيلية لها في المنظومة الشرعية إلى درجةٍ يجعل الشارع المقدس أن حبها من الإيمان؛ ومن دون هذا الحب يكون إيمان المؤمن ناقصاً. وإنما المراد بحب الوطن في الحديث هو حب الوطن الإسلامي الذي يتجاوز ويتعالى على الجغرافيا والتاريخ، ولا يمكن أن يحد بهما. وإنما هو الوطن الإسلامي بما يجسده من منظومة قيمية متكاملة وشاملة لجميع أهداف الإنسان وأبعاده وحاجياته؛ لأن الإنسان هو الأصل بعد أصالة القيم الرسالية، ولا بد أن تكون كل الأشياء والموجودات بما فيها الوطن من أجل الإنسان وفي خدمته؛ فحب هكذا وطن وحفظه والدفاع عنه هو حب وحفظ  للقيمِ الإسلامية والإنسانِ، ودفاع عنهما؛ ولذلك يكون حبه من عمق الإيمان. وأما إذا كان الوطن وطن الشرك والكفر والنفاق، أو وطن الظلم والجور والعدوان والطغيان، فإن حب هذا الوطن من جنسه كفراً أو نفاقاً أو ظلماً أو عدواناً، وليس من الإيمان في شيء.

2. وإذا أغضضنا النظر عن تعاليم الشريعة وأهدافها؛ فلا مناص لنا إلا بتفسير حب الوطن بمعنى حب أهل الوطن الذين تحلوا بالعدل والإحسان وفعل الخيرات، أو الأماكن المقدسة في الوطن كالكعبة المشرفة والمسجد الحرام في مكة المكرمة، وحمل الوطن في الرواية على الوطن اللغوي العرفي؛ وهو المحل الذي يقيم فيه الإنسان بحدود جغرافية محدودة؛ وهكذا وطن لا يمكن فطرياً أن يحبه الإنسان إلا إذا وجد فيه بقعة مباركة تربطه بالله سبحانه وتعالى، أو وجد الأمن والسلامة فيه، ووجد إحسان أهل الوطن إليه، وتمكن فيه غالباً من تحقيق أهدافه وحاجياته ومصالحه. كما يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها﴾. وفي الحديث: ﴿البلاد بلاد الله والخلق عباده فأي موضع رأيت فيه السلامة فأقم وأحمد الله. ومع ذلك لا يكون حب هذا الوطن من الإيمان إلا إذا تجسد الحب بالعمل الاجتماعي من صلة الرحم، وكفالة اليتيم، وإعانة الضعيف، وإطعام الفقير، والإحسان لأهل الوطن، والتصدي لحل مشاكلهم، وتسهيل حاجياتهم؛ وتجسد بالعمل الرسالي؛ من تطهير البيئة الاجتماعية من الانحرافات السلوكية والفكرية، وغرس الرؤى الرسالية والمبادئ السماوية، والأفكار الإسلامية، والمعارف الإلهية في قلوب أهل الوطن؛ ليهتدوا إلى الصراط المستقيم. وهذا هو المراد من الحب في الحديث وليس المراد بالحب الولاء للوطن أبداً.

»21« البصيرة القرآنية للوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني

الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني عنوان يكثر تداوله؛ وكأنه الضرورة التي تحقق الأمن والسعادة والرفاه للإنسان؛ ومن يخالف أو يعارض الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني يُوصَم بالخيانة، والتخريب، والعمالة للخارج؛ وأمست الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني سلاح ترفعه السلطة السياسية في وجه معارضيها لقمعهم، وأمسى الوطن كأنه إله يعبد من دون الله؛ ولذلك يجب على المواطن أن يعلن الولاء للوطن، ويغرد في كل أقواله وأفعاله على أنغام الوطن، ويجاهد ويضحي بماله ونفسه وعقيدته فداء للوطن. ونسج المفكرون استجابة لشهوة الحاكم، وطاعة لهوى السلطان النسيج تلو النسيج؛ لنسج نظرية وفلسفة عن الوطن والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني، بل هرولت بعض الزعامات، وبعض النُّخب، وبعض المعارضة الممسوخة تُنَظِّر للوطنية تقليداً للسلطة السياسية أكثر من تقليد الببغاء، وباتوا ملكيين أكثر من الملك؛ وكأن الوطنية وحي منزل من السماء؛ لا بد من الصدع والتبشير بها، وتكَلَّفوا لََيَّ الروايات، وتأويل الآيات بزيغ القلب لتأييد بل وإيجاب الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني؛ لِيُكَفِّرَوا عما مضى من سنين المعارضة، وليستجدوا بعض فضلات السلطة السياسية؛ لتُزكم وتلوث ما بقي من رؤاهم وسلوكياتهم، وليُثبِتوا ما يستحيل تصديقه؛ وهو الولاء للسلطة السياسية؛ ولكن ما عسانا أن نقول لهم إلا ما قاله سبحانه وتعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾. ودون رضاهم خرط القتاد، وتبليط البحار؛ لأن رضاهم يستحيل أن يتحقق إلا ببيع الدين والانسلاخ من العقيدة؛ ولا يرغب في المستحيل إلا الجاهل كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ﴿رغبتك في المستحيل جهل.

علامة سهم مؤشر إشارة والسؤال المحرج للسلطة السياسية إذا كانت تملك ذرة من الحياء لتشعر بالحرج، وكل الزعامات والنخب والمعارضة الممسوخة التي تنقنق أو تنبح بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني؛ هو ما هو التعريف الدقيق والواضح للوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني؟ وما هو المقصود منها؟

·       هل الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هي الولاء للسلطة السياسية؟ وبالتالي تقزيم وانكماش وتذويب المجتمع أجمع في شخص الحاكم الطاغي، أو الطغمة الحاكمة؛ وهذا يعني عبودية الجميع لهوى الحاكم الطاغي، أو الطغمة الحاكمة؛ وبالتالي على الجميع أن يقبل العبودية إشباعاً لشهوة الحاكم الطاغي، أو الطغمة الحاكمة.

·       أم أن الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هي الإيمان والالتزام بدستور فُصِّلَ وخِيْطَ على مقاس ولباس الحاكم الطاغي، أو الطغمة الحاكمة؟.

·       أم أن الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هي تذويب المعتقدات والمذاهب في مذهب وعقيدة الصنمية الوهابية التي رضعت من حليب الضلال لابن تيمية؟ المذهب الوهابي والعقيدة الوهابية التي تُغيِّب العقل، ولا حظ لها من المعرفة إلا اتهام المؤمنين بالتبديع والتكفير والتشريك، ولا تملك منهجاً في الحياة غير تمزيق الأمة والعنف والتفجير.

·       أم أن الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هي اختزال كل مكونات الشعب وأطيافه وتاريخه في همجية قبلية نجدية متخلفة إلى النخاع؟.

·       أم أن الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هي الخنوع والعبودية لقبيلة أبرز خصالها الجهل والطغيان، وبالتبع للتخلف والانحطاط والبداوة النجدية، وبالتبع للجمود والمُسُوخ الوهابي؟.

·       أم أن الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هي الإيمان والالتزام بدستور يحقق الكرامة والعدالة والحرية والأمن للجميع؛ فأين هذا الدستور؟.

·       أم أن الوحدة الوطنية هي روابط ونسيج اجتماعي يشترك في التطلعات والأهداف، أو لا أقل يشترك في تبادل الإحساس والشعور بالنظارة الإنسانية، فأين هذا المجتمع؟.

علامة سهم مؤشر إشارة والسؤال الآخر ما هي الدواعي التي تحتم علينا الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني؟

·                    هل هي الرؤية المشتركة؟ وما هي هذه الرؤية؟
·                    أم هو المصير المشترك؟ وما هو هذا المصير المشترك؟
·                    أم هي الثروة المشتركة؟ وما هي هذه الثروة المشتركة؟
·                    أم هي المصلحة المشتركة؟ وما هي المصلحة المشتركة؟
·       أم هي العقيدة المشتركة؟ وما هي العقيدة المشتركة التي اختصت بها بعض أرض الجزيرة العربية دون باقي الأمصار؟

كل ذلك لا وجود له ولا لأشباهه، ولم يبقى داعٍ للوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني إلا الأوهام التي لا تنمحي من أذهان وتفكير أصحاب السلطة والمصالح الذاتية التي تكترش على حساب عموم الناس من جانب؛ والسراب الذي يعشعش في أذهان وتفكير المنسلخين والمنهزمين من جانب آخر.

لا ريب أن الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني التي ينبح بها أهل السلطة السياسية وعشاقها ليس المراد منها الوحدة التي تَكُون لبنة وعتبة لبناء وحدة الأمة الإسلامية؛ وليس المراد منها حتى الوحدة لحدود جغرافية؛ كما أنه ليس المراد منها وحدة الوطن بالمعنى اللغوي والعرفي. وإنما المراد منها الوحدة التي تحقق الولاء السياسي للسلطة الحاكمة الظالمة، أو النظام الحاكم الطاغي، والتبعية والخضوع له. ولأن الوطن اختزل في الحاكم الطاغي أو السلطة السياسية أمسى الوطن هو الطاغي، والطاغي هو الوطن، واندك كل من الطاغي والوطن في الآخر، فلا وطن من دون الطاغي، ولا طاغي من دون الوطن؛ بل أن الوطن وما فيه ما هو إلا ملك الطاغي، والناس عبيد له؛ ولذلك يَرفِض الطاغي كل دعوات الإصلاح، ويبطش بالمصلحين ، ويستهزئ بهم؛ لأن دعوات الإصلاح تتناقض وملكيته المزعومة للوطن وما فيه، وبدعوات الإصلاح سيتحرر الوطن من ملكية وتسلط الطاغي واستبداده. ومن أجل بقاء تسلط الطاغي على رقاب العباد يقوم باختلاق مقارنة مغلوطة بينه وبين المصلحين؛ ليوهم الناس بأنه هو الإله والسيد على هذا الوطن، ولا يوجد إله وسيد غيره؛ فهو الذي يملك الوطن وما فيه من خيرات؛ فالجبال والبحار والصحراء والبراري وما فيها من النفط والمعادن والخيرات كلها ملك له؛ وبالتالي فهو الذي رزق ويرزق المواطنين رزقهم، ولا رازق سواه؛ وأما المصلحون فلا يملكون مالاً يُقَوِّمُون به اقتصاديات الوطن، ولا يملكون جيشاً من المرتزقة يحمي الوطن - وهو الطاغي - من المعارضة الداخلية، ولا يملكون رجال أمن ومخابرات من الممسوخين يردعون من يفكر أو يحلم بتجاوز الطاغي؛ ولأن الناس تنظر إلى الأمور من خلال شهوة بطنها "اقتصاديات" ومن خلال هاجس الخوف والرعب" الترهيب الأمني" يتمكن الطاغي من الاستخفاف بعقولهم واستعبادهم. فالوطن هو الحاكم الطاغي؛ والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني تعني الطاعة والعودية للحاكم الطاغي. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾.

ومفهوم الوطن والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني في مصطلح الطاغي يعني شرعة العبودية، ومنهاج الغاب الذي ينسج قوانين الاستبداد، ونظم الطغيان، ودساتير الجور، وتشريعات العدوان؛ فالوطن والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني ليس إلا الطاغي وشريعته ومنهاجه. فلا رأي ولا قانون ولا تشريع إلا ما تقيأه هوى الطاغي وشهوته، وهو الرشد والرشاد بزعم الطاغي، وما سواه غي وفساد، ولو كان مُنَزَّل من رب الأرباب. يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾.

إن الطاغي يقوم بالترهيب والترغيب لشراء ذمم وضمائر العلماء والمفكرين والمثقفين، ثم يمسخهم ويحولهم إلى أبواق سلطة تطبل بالوطنية، وتزمر بالوحدة الوطنية، وتنهق بالولاء الوطني، فيستخف بهم عقول المجتمع فيطيعوه، فيخرجون من استقامة السلوك، واعتدال التفكير، إلى فسق الموقف، وسفاهة الرؤية. يقول الله سبحانه وتعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.

إنه من المؤسف والحسرة على العباد أنهم يتبعون رأي الطاغي، ويخضعون لقوانينه التي تطينت بسفاهة الوطنية، وغي الوحدة الوطنية، ولم تحوي ذرة رشد، وسيتجرع الذين يتبعون سفاهة الطاغي، ويتراقصون على نغمات الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني شراب الذل، وطعام العبودية في الدنيا، وشراب الحميم، وطعام الزقوم في الآخرة. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾.

إن الوطنية والوطن والوحدة الوطنية والولاء الوطني هو الطاغي والدستور الذي فُصِّل على مقاس الطاغي؛ ليستعبد الناس، ويحميه من استرداد حقوقهم وحرياتهم؛ ولذلك فإن كل دعوة تخالف رأي الطاغي وتسلطه ستكون دعوة تهدد الوطنية والوطن والوحدة الوطنية والولاء الوطني، وكل رأي يدعو إلى الحرية والخروج من ربقة العبودية للطاغي سيَحكُم عليها الطاغي بأنها دعوة لتخريب وتمزيق وطنكم أيها الملأ؛ والتعبير بوطنكم للإغراء والخداع ولبيان أن استرداد الناس لحقوقهم وحرياتهم لن يطيح بمصالح الطاغي فقط؛ وإنما سيطيح بمصالحكم أيضاً أنتم أيها الملأ يا من تملأون أعين الناس بمناصبكم أو أموالكم أو وجاهتكم أو.... التي ما كنتم تبلغوها لولا منَّة الطاغي عليكم. يقول الله سبحانه وتعالى: (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾.

وهنا ينجح الطاغي في تكريس ثقافته في هواجس الملأ أصحاب الكروش الذين يقومون بدور الببغاء تقليداً حرفياً للترويج بمقولات الطاغي إلى الناس؛ فبعد أن باع عليهم الطاغي بضاعته النتنة؛ يقومون ببيعها على الناس، وبنفس المنطق والهواجس الطاغوتية؛ للإغراء والخداع، ولتخويف الناس من دعوات المصلحين؛ وأن هذه الدعوات التي تدعوا إلى استرداد حقوقكم وحرياتكم ما هي إلا دعوات لتخريب وتمزيق وطنكم، وستضر بمصالحكم وأمنكم و... الذي ما كان له من وجود لولا حكم الطاغي. يقول الله سبحانه وتعالى: (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾.

وهنا تنطلي اللعبة والخديعة على السذج من الناس فبدل أن يقفوا في صفِّ المُصْلِح ودعوته لتحريرهم تراهم ببغاوات يكررون الثقافة النتنة، والفكر الضال، والرؤية الجاهلية، والموقف السفيه، والسلوكيات الطفيلية التي اختلقها الطاغي، وأوحاها إلى الملأ بزخرف القول غروراً، ونسجها بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني والكذب والخديعة التي أشرِبَت في قلوب الملأ الذين قاموا بإعادة المونتاج لنسيج الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني على الناس؛ والغريب أن الهمج يتفوهون بها بنفس منطق وهواجس الملأ والطاغي. يقول الله سبحانه وتعالى: (قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾.

وستبقى آثار الثقافة الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني التي أشرَبَها الطاغي قلوب الناس من حب العجل أي الطاغي، ومن شهوة البطن، وهاجس الخوف في تفكير الناس حتى بعد تحررهم من سلطة الطاغي؛ ولذلك تراهم يحنون إلى شهوة البطن والوطنية التي هي أدنى، ويستبدلونها بالكرامة والحرية وسعة الأرض التي هي خير. وإن لم يتخلصوا بعد تحررهم من الطاغي من شهوة البطن، وهاجس الخوف، والوطنية، فسوف يعودون إلى المربع الأول؛ حيث الذل، وتسلط طاغ جديد. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾.

إن الملأ من الناس الذين أشرِبَتْ قلوبهم ثقافة حب العجل التي نسجها الطاغوت من معيارية شهوة البطن، ومعيارية الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني، ومعيارية القبيلة، ومعيارية العشيرة، ومعيارية الجاه، ومعيارية المال؛ إن هؤلاء حينما يسلبهم الطاغوت مواقعهم، أو يخرجهم من أوطانهم؛ سيسمعونك صراخاً يطالب بمقاتلة الطاغوت؛ من أجل الوطن والمجتمع؛ ولكن إذا جدَّ الجد ستجد أن أكثر هؤلاء يتراجعون، ويتولون الدُّبر، ويخلدون إلى الدّعة والراحة، ولن يدافعوا عن الوطن، ولا عن الوحدة الوطنية ولا عن الولاء الوطني، وسيروجون ثقافة الضعف والعجز وعدم الطاقة والقدرة على مقارعة الاحتلال الغاشم، أو الطاغوت الحاكم. ولكن ستكون هناك فئة قليلة صابرة تؤمن بالله ووعده بنصر رسله والمجاهدين في سبيله؛ ستُوَتِّد وتُثَبِّت أقدامها في طريق ذات الشوكة إلى أن تهزم الطاغوت بإذن الله؛ ولولا هذه الفئة لفسدت الأوطان. يقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.

وكلمة الديار في هذه الآية والآيات الأخرى تعني الوطن بالمعنى اللغوي العرفي الذي مرَّ تعريفه.

إن الذين أشرِبَتْ قلوبهم حب الوطن سيبيتون أسراء وعبيداً للوطن، ويمسون أبعد الناس عن الخير ونهج السماء والصراط المستقيم. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا﴾.

إن الطاغوت الذي يرى نفسه هو الوطن وربّ الوطن ومالك الوطن وإله الوطن، وهكذا طواغيت الاحتلال سيقومون بمطاردة وقتل وإخراج وتسفير القيادات والمصلحين وأتباعهم من أوطانهم؛ لأن المصلحين يهددون العروش المزيَّفة للطغاة ؛ وتهديد عروش الطغاة هو تهديد للوطن والوحدة الوطنية والولاء الوطني في ثقافتهم وفلسفتهم. ولمواجهة منهج وثقافة الطاغي حرَّم القرآن على كل المؤمنين أن يتولوا الطاغوت الذي أخرج قيادتهم من وطنها، ولا يجوز لهم حتى مودته فضلاً عن موالاته؛ لأن هذا الطاغوت المستبد، أو المحتل لو تمكن منكم سيسيئ لكم بالقول والفعل ما لم تؤمنوا بثقافته وفلسفته الطاغوتية. وللمؤمنين أسوة في نبي الله ابراهيم (عليه السلام) والذين معه الذين تبرؤا من الطاغوت؛ فأخرجهم من الوطن ولم يتنازلوا عن قيمهم ومبادئهم. يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

إن المجتمع الإيماني مجتمع واحد تذوب فيه الأنفس لتكون نفساً واحدة. والوطن الإسلامي وطن واحد لجميع المسلمين وغيرهم من المسالمين؛ ولكن دعاة الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني هم الذين يقطعون المجتمع الإيماني إلى زبر وأحزاب، ومن ثم يخرجون فريقاً من المؤمنين من أوطانهم، ويتآمرون عليهم بالإفساد والعدوان، بل يسلمونهم إلى الأعداء، ثم يصرفون الأموال لتخليصهم من سجون الأعداء. وهذا ما قام به الطاغوت خدمة لأمريكا حيث أفسد عقول بعض الشباب باسم الجهاد في أفغانستان و... ومجاهدة الإتحاد السوفيتي دولة الإلحاد وسماهم بالقاعدة وطالبان و... ثم باسم محاربة أمريكا والغرب دول الكفر في أمريكا وأوربا وأفغانستان والعراق و... ثم قام بتسليمهم إلى الغرب ثم دفع الملايين للمحامين لإخراج الشباب من سجون الغرب. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

إن القيم الرسالية والمبادئ السماوية هي الأصل؛ ولقد جعل الله القيم الرسالية وشرع التشريعات الإلهية من أجل كرامة الإنسان، والحياة الطيبة له؛ ووحي السماء هو الأصل على كل الأشياء، وللإنسان أصالة على الأشياء بعد أصالة القيم الرسالية، والتشريعات الإلهية؛ ولذلك جعلت الأشياء وسُخِّرت الأرض كلها بجميع أوطانها لأجل الإنسان؛ ومتى ما تعارضت القيم الرسالية والمبادئ السماوية مع الأرض فضلاً عن بقعةِ وطنٍ منها كانت الحاكمية للقيم، وتفقد الأرض قيمتها؛ ولن يجد الإنسان الكرامة، ولن يحي الحياة الطيبة، ولن يكون للإنسان إنسانية إلا بقيمه الرسالية، ومبادئه السماوية؛ ولذلك يضحي الإنسان الكريم بوطنه دفاعاً عن قيم الرسالة، ووحي السماء. يقول الله سبحانه وتعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾.

إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن المؤمنين الذين ضحوا بأوطانهم دفاعاً عن قيم الرسالة ومبادئ السماء؛ ليحافظوا على صروح الإسلام، ومنارات التوحيد، ومعالم الدين. وهؤلاء الذين ضحوا بأوطانهم هم أنصار الله، وهم الذين يستحقون نصر الله؛ لأنهم إذا تمكنوا من حكم الأوطان قاموا بترسيخ التوحيد وحكموا بالحق، وبسطوا العدل، ونشروا الفضائل، واقتلعوا الرذائل، وعمَّروا الديار، وأصلحوا العباد. يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

وحينما يصدق المجاهدون يتحقق الوعد الإلهي؛ حيث ينصر الله عباده المؤمنين الذين أخرجوا من أوطانهم؛ لأنهم يدافعون عن قيم الرسالة، ومبادئ السماء، فيعودون إلى أوطانهم منتصرين على الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، ويُخرج ويبعد الطاغي وأعوانه من الأوطان. ومثال ذلك في وقتنا المعاصر ينطبق على الإمام الخميني قدس سره، والمجاهدون معه الذين أخرجهم الشاه المقبور من وطنهم، ثم عادوا منتصرين، وحكموا البلاد، وأخرجوا الشاه وأتباعه من الوطن.

يقول الله سبحانه وتعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ * وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

ومثال آخر هو العراق في الجملة لتحقيق وعد الله بنصر المؤمنين الذين أخرجوا من أوطانهم؛ لأنهم يدافعون عن قيم الرسالة، ومبادئ السماء، فيعودون إلى أوطانهم منتصرين على الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، ويحكمون البلاد؛ ويعذب الطاغي وبعض أعوانه بالقتل أو السجن، ويعفى عن بعض آخر. يقول الله سبحانه وتعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾.

ومن السفاهة والجاهلية وقصور العقل أن يُحجِّم الإنسان أهدافه وتطلعاته، ويكرس جهده وإمكانياته في الوطنية، والوحدة الوطنية، والولاء الوطني؛ لمثلث أو مربع من الأرض، ويغمض العين عن سعتها ورحبها؛ فيُضيِّع قيمه الرسالية، ومبادئه السماوية، ويخسر آخرته، ورضوان ربه. يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.

وهذا ما أكد عليه أمير المؤمنين (عليه السلام): ﴿ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك. وورد في الحديث ﴿البلاد بلاد الله والخلق عباده فأي موضع رأيت فيه السلامة فأقم وأحمد الله﴾. فكل أرض يجد الإنسان فيها أمنه العام والشامل يحق له أن يتخذها وطناً دون تفضيل بينها إلا بما تُقدِّمه لخدمة الإنسان وأهدافه وحاجياته. يقول الله سبحانه وتعالى: (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾.

علامة سهم مؤشر إشارة* الخلاصة

لا يوجد في تشريع السماء عنوان بمسمى الوطنية، أو وحدة الوطن، أو الوحدة الوطنية، أو الولاء الوطني؛ بلى هناك وحدة الأمة الإسلامية، والأخوة الإيمانية التي تتجاوز وتتعالى على الجغرافيا والتاريخ والسُّلالة، والولاء لأولياء الله؛ ولذلك لا يجوز رفع شعار الوطنية، والوحدة الوطنية، والولاء الوطني، ولا الدعوة إليها، ويحرم حرمة مغلظة التنظير والفلسفة للوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني. ويجب على كل الذين نظروا وكتبوا وفلسفوا للوحدة الوطنية والولاء الوطني أن يستغفروا ربهم، ويتوبوا إليه قبل أن تتحول أعمالهم إلى هباء منثوراً. يقول الله سبحانه وتعالى: (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا * وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾.




(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
( |  ~ {قرووب البصيرة الرسالية) .. (للأخبار الرسالية والمواضيع الهادفة} ~ | )
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
* لتصفح مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع الجديدة والقديمة:
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif 
أو عبر (PickerQrCode)
 
http://chart.googleapis.com/chart?cht=qr&chs=100x100&choe=UTF-8&chld=H|0&chl=http://goo.gl/hu7cX

 * للانضمام لصفحة قروب البصيرة الرسالية على الفيس بوك لمتابعة جديدنا:

 
 
 
* ليصلكم ما ننشره بالبريد الإلكتروني اشتركوا في (قروب البصيرة الرسالية):
http://groups.google.com/group/albaseera
 
ثم هذا الرابط التالي:
 
وتأكيد الاشتراك منكم لتعذر الإضافة منا بعد تحديثات قوقل الأخيرة

ملحق ذا فائدة (محدث):
* صفحة آية الله المجاهد الشيخ نمر النمر (حفظه الله) بالفيس بوك:
www.facebook.com/Shaikh.Nemer
 
* صفحة جامع الإمام الحسين (ع) بالعوامية بالفيس بوك:
 
* لمشاهدة فيديوهات آية الله النمر في اليوتيوب :
www.youtube.com/profile?user=nwrass2009
 
* إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر (يحوي 1902 محاضرة):

خدمة مجموعة العهد الثقافية:
من نشاطات الخدمة :
- نشر مستجدات وآخر محاضرات سماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر آل نمر دام ظله .. ومحاضرات رسالية.
 
- نشاطات ومواضيع رسالية.
 
- أقلام رسالية واعدة.
 
- أمور متفرقة منتخبة.
طرق الاشتراك بالخدمة
* بلاك بيري مسنجر:
PIN:29663D6D
 
*  ببرنامج الوتساب:
00966556207946
 
* على Twitter:

 لا تنسونا من صالح دعائكم
وإفادة الآخرين مما يصلكم منا
مع تحيات: البصيرة الرسالية
 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق