السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

15 فبراير 2009

السيد العوامي: ‏(الإصلاح سنة المرسلين)‏ و ‏(لماذا نتغافل عن الآخرة؟)‏ ساهم في نشرها معكم

بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لكم خطبتي الجمعة لسماحة السيد خضر العوامي (حفظه الله) الذي القاهما هذا الأسبوع 18-2-1430 هـ بجامع الإمام الحسين عليه السلام بالعوامية

وقبلها نقدم لكم رابطين صوتيتين:
الخطبة (1):

الخطبة (2):

http://albaseera.googlegroups.com/web/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%20%D8%AE%D8%B6%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%A7%D9%85%D9%8A.jpg?gsc=Kn-w3xYAAABbTOCOS_SW7q2suRoYI7W8g-kXU5InE09W2o0GCSVgCQ

الخطبة (1)
الإصلاح سنة المرسلين

صدر الخطبة:

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن التقوى هي خير الزاد في هذا السفر الطويل، الذي يقطعه كل إنسان وهو محملٌ بأثقال عظيمة قد تقصم ظهره، في اليوم الآخر يلاقي كل إنسانٍ ربه وخالقه، فيجازيه على أعماله وأفعاله إن خيراُ فخير، وإن شراً فشر.

ولقاء الله يمثل الهدف الأسمى للمؤمنين، فالمؤمنون يتطلعون إلى لقاء الله، ونيل المراتب لديه سبحانه. فبصيرة الإنسان في لقائه بالله هي التي تحدد سلامة مسيرته في هذه الحياة، وتدفعه للحركة والنشاط والمسؤولية، فمن كان يمتلك بصيرة إلهية وكان يرجو لقاء الله هداه الله إلى طاعته وعبادته وإلى جهاد في سبيله، فمن كان مؤمناً بالله راجياً للقاء الله كان من الصالحين المصلحين.

أما الذين لا يملكون بصيرة إيمانية ولا يرجون لقاء الله ترى أن الدنيا مبلغ رضاهم، أحكم حب الدنيا على قلوبهم فغفلوا عن آيات اللهسبحانه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ* أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ*إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[1] "إن هدفية الحياة لا تتبلور في عقل الإنسان إلا من خلال لقاء الله سبحانه، والذين لا يرجون لقاء الله سبحانه جردوا هذه الحياة من غاياتها وأهدافها السامية[2]".

ومن هنا تبدأ مسيرة الإنسان الخاطئة حينما يجرد الحياة من الهدف العظيم الذي خلق من أجله، بل ومن هنا تبدأ مسيرة الحياة بالانحدار، لأن لقاء الله هو الذي يبعث في الإنسان روح المسؤولية ويدفعه للصلاح والإصلاح ومحاربة الفساد.


مفهوم الإصلاح
خلق الله -سبحانه وتعالى- الكون وجعله مفطوراً على الصلاح، وجعل الصلاح فطرته، فأنَّى نظرت في هذا الكون الفسيح رأيت مظاهر الصلاح في أصل الخلقة واضحة.

ولكن كيف صار الصلاح هو فطرة الكون؟
إن الله -سبحانه وتعالى- خلق السموات والأرض وكل هذا الكون بالحق، فجعل الله الحق الميزان الذي تقوم عليه الحياة، ففي كل مجال من المجالات هناك قيم ومبادئ تمثل الحق، والحياد عن هذه القيم، وبالتالي الحياد عن الحق، يعني فساد الحياة، فلا تصلح الحياة إلا إذا قامت على الحق، يقول تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ)([3])، ويؤكد القرآن الكريم على أن الأرض خُلقت بالصلاح، وأن الصلاح حالة أصيلة في الكون بينما الفساد حالة طارئة عليه بسبب فعل الإنسان، يقول تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا)([4])، ويقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)([5])، فإذا كان عدم فساد الحياة رهين عدم إتباع الأهواء،
فما هو الإصلاح؟
الإصلاح يعني إقامة الحق وإقامة القيم في كل مجال من المجالات؛ على الصعيد السياسي، على الصعيد الاجتماعي، على الصعيد الثقافي، هناك قيم ومبادئ لا يصلح الواقع السياسي ولا الواقع الاجتماعي ولا الواقع الثقافي إلا من خلالها، وحينما نحيد عن هذه القيم ينتشر الفساد، ومشكلة البشرية أنها تستبدل الحق بالأهواء والمصالح، تستبدل القيم الرسالية بالأطماع والشهوات، وبكلمة، الإصلاح يعني إعادة الصلاح الموجود بالفطرة في الكائنات بعد أن اعتراها النقص أو الانحراف.

(الفطرة التي خلقها الله هي محور الصلاح، فإذا نقصت أو انحرفت عن مسارها فقد فسدت، والإصلاح إتمام النقص أو تصحيح المسار)([6]).
هناك فرق بين الصلاح وبين الإصلاح، فلا يكفي أن يكون الإنسان المؤمن صالحاً في نفسه، بل لا بد أن يكون مصلحاً ويمارس عملية الإصلاح، ولهذا يتميز العلماء، فدور العالم هو دور إصلاحي، كما أن الخطر الأكبر يكمن في من يمارس عملية الإفساد، فهو أخطر من الفاسد بحد ذاته.
والإصلاح قيمة كبرى يتضمن مجموعة من القيم، فهو يتضمن قيمة الجهاد، والتضحية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا يمكن لفئة من الفئات أن تصلح الفساد السياسي أو الاجتماعي وأن تقف في وجه الظالمين والمفسدين والعابثين إلا من خلال بذل أقصى الجهد، وهكذا لا يكون الإصلاح إلا من خلال المواجهة مع أهل الفساد التي تستدعي أن يبذل الإنسان التضحيات، فالمواجهة مع المفسدين ومع أهل الباطل لا بد لها من ضريبة.


الإصلاح دور الأنبياء
إن الله سبحانه قد أرسل الرسل ونصب الأولياء من أجل تصحيح مسيرة البشرية، وحملها على الجادة والسير على قيم الرسالة، فالإصلاح هو الدور المحور في مسيرة الأنبياء والأئمة؛ فما من رسول أرسل وما نبي بعث وما من إمام نصب إلا والإصلاح هدفه والصلاح غايته، ولهذا يتلخص دور الأنبياء والرسل والأئمة -عليهم السلام- في الإصلاح.
فالله -سبحانه وتعالى- عندما خلق البشر خلقهم على الفطرة، وهي تعني فيما تعني الصلاح، ولكن مسيرة البشرية غارقة في الجهل والفساد على جميع الأصعدة والمجالات، فالفساد قد يعمُ كل مجال وكل أفق، فيسيطر على واقع السياسات وواقع المجتمعات، فتنحدر البشرية إلى أسفل سافلين، ولا يمكن لها أن تلزم جادة الحق والصواب إلا إذا رجعت إلى هدى السماء، ولهذا يأتي الدور المفصلي في حركة الأنبياء -عليهم السلام- ليُرجعوا الإنسان إلى فطرته، إلى الصلاح، ويُقوِّموا الأَود، ويعدلوا العوج،يقول تعالى على لسان النبي شعيب -عليه السلام-: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)([7])، إن دور الأنبياء يتمثل في إصلاح مسيرة الإنسان التي تتمثل في إرجاعه إلى فطرته، واقتلاع كل أسباب الفساد من واقع البشرية. 
الصلاح دعوة الأنبياء
بل الكون من الصالحين هي دعوة الأنبياء -عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، يقول تعالى على لسان نبيه يوسف -عليه السلام-: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)([8])، وهكذا يصف سبحانه وتعالى جملة أنبيائه بالصلاح فيقول: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ)([9])، ويقول: (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ)([10])، فهذا المقام مقام عظيم يتصف به الأنبياء.

أهمية الإصلاح
الإصلاح من أجل كمال الإنسان
وحتى نقف على أهمية الإصلاح لا بد أن نستحضر الأهداف العليا التي من أجلها خُلق الإنسان، والتي تتلخص في وصول الإنسان إلى كماله عبر العبادة والمعرفة الإلهية، فإذا استحضرنا هذه المعاني علمنا بأن مسيرة الإنسان نحو الكمال مسيرة شاقة ومضنية؛ لأن النفس البشرية مجبولة على فعل الخير كما هي مجبولة على فعل الشر، ولكنها ميالة إلى الشر وجانحة نحو الفساد، لهذا هي تحتاج إلى من يصلحها بعد أن فسدت.
ومن السنن الإلهية أن مسيرة البشرية بحاجة إلى تصحيح وإصلاح ومدافعة وإلا استحكم على الحياة الجور والباطل والفساد؛ ففساد الإنسان وإتباعه بريق الأهواء والشهوات لا يوقفه إلا إصلاح المصلحين؛ فالنفس البشرية تحتاج إلى تقويم وإصلاح، وإلا سوف تظل رهينة للأهواء والشهوات والتي لا تتناسب مع الحق بحال؛ ولأن الحق هو جوهر الإصلاح فهي لا تتناسب مع الإصلاح بحال.
إذن الإصلاح عملية أساسية ومفصلية يتوقف عليها مصير الإنسان في حياته، وليست عملية هامشية أو كمالية، ومن هنا كانت هي المصب لجميع جهود الأنبياء والرسل والأولياء عليهم جميعا سلام الله وصلواته.
فأهمية أن يعيش الإنسان في بيئة صالحة واضحة، فكما أن الإنسان يجب أن يعيش في بيئة صالحة خالية من الأمراض لكي ينمو ويتكامل فيها جسمه بشكل سليم، كذلك يجب أن يعيش البشر في بيئة صالحة خالية من الفساد الثقافي والسياسي والاجتماعي لكي تنمو وتتكامل عقولهم وأرواحهم فيها بشكل سليم. فالفائدة من الإصلاح راجعة للبشر أنفسهم ولن يضروا الله شيئاً بفسادهم وإفسادهم، يقول تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)([11]).
الإصلاح من أجل سلامة المسيرة الاجتماعية
إن حياة المجتمعات الحقيقية لا تكون إلا من خلال سيرها على قيم الرسالة؛ ففي كل حقل من حقول الحياة، هناك من يعمل على إفساد المسيرة، في السياسة، في الاجتماع، في الثقافة، في التربية، فلا بد وجود من يتصدى للإصلاح وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهكذا المجتمعات ينتشر فيها الفساد وتنشر فيها الأمراض الأخلاقية حينما يغيب المصلحون عن الساحة الاجتماعية، إن غياب المصلحين في واقع المجتمعات، وفي واقع الأمم يعد مؤشراً للموت والهلاك؛ لأن الإصلاح هو الذي يدفع الظلم من أن يستشري، ويزهق الباطل من أن يسود، وهو الذي يقف بوجه الأهواء والشهوات، وما من مجتمع ترك مسؤولية الإصلاح وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا واستشرى الفساد في جميع جوانبه، وهذا ما يقود المجتمع إلى الموت والهلاك، يقول تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)([12]).
إن الأمة التي يغيب فيها الإصلاح يعبث فيها الظالمون، ويستشري فيها الفساد، يقول تعالى: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)([13]).
إذن الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم أن حياة المجتمعات والأمم بل وكل الأرض، متوقفة على الإصلاح، الذي يتمثل بالمدافعة، يقول تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)([14])، فلو لم يقم بعض الناس بمهمة الإصلاح وتركوا المجال للذين يتبعون أهواءهم لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين؛ لأنه -سبحانه وتعالى- لا يترك الأرض من دون فئة مصلحة ومدافعة للفساد، بل يواتر الرسل بعد الرسل، والمصلحين بعد المصلحين، كل ذلك لكي لا تفسد الأرض.
 قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ* وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)([15])، إذن وجود (أولي بقية ينهون عن الفساد) مسألة ضرورية لحياة الأمم والمجتمعات، وإلا فهي في عداد الموتى.

من أين نبدأ الإصلاح؟
لا شك أن المطلوب هو الإصلاح الشامل على كل المستويات وعلى شتى الأصعدة لكن البحث عن نقطة البداية مسألة مهمة، فمن أين نبدأ الإصلاح؟ هل بإصلاح الوضع الاجتماعي؟ السياسي؟ الثقافي؟ الاقتصادي؟ الأخلاقي والروحي؟ لا شك أن كل هذه العوامل دخيلة في تنشئة الفرد المؤمن والمجتمع الإيماني، ولكن الذي لا شك فيه أيضاً أن إصلاح أي واقع يرتبط بالإنسان لا بد أن يمر عبر إصلاح الإنسان نفسه، فالإنسان هو العامل المؤثر على ما حوله، وهو الذي يستطيع أن يغير واقعه بيده، فلا يكفي إذن أن نحاول أن نصلح ما حول الإنسان دون أن نصلح الإنسان ذاته.
إذن، إذا كان الإصلاح لا بد أن يمر عبر الإنسان، فما الذي يصلح الإنسان، وما الذي يحرك الإنسان نحو الإصلاح؟
أصل الإنسان عقله، وبه يرتقي ومن دونه يتسافل، وحتى يُثار العقل لا بد من تزكية النفس، لذلك كانت مهمة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- والأنبياء -عليهم السلام-من قبله، إثارة العقول وتزكية النفوس، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)([16]).
وأول ما توجه إليه الأنبياء -عليهم السلام- لإصلاحه هو عقيدة الإنسان؛ لأن عقيدة الإنسان التي تشمل ثقافته هي التي تصنع السلوك وتبني المواقف وترسم الرؤى، فعقيدة الإنسان إذا كانت راسخة كانت مواقف الإنسان صالحة.
في كثير من الأحيان تكون ثقافة الإنسان قائمة على النظرة المادية للحياة البعيدة كل البعد عن العقيدة والقيم الدينية، التي تحول بينه وبين أن يصلح الواقع الفاسد من حوله، ومن هنا تبرز أهمية التغيير الثقافي.

صفات المصلحين:
إن الإصلاح ليس بالتمني، فليس كل من ادعى الإصلاح هو كذلك، إنما الإصلاح بإتباع قيم الله وحدوده، يقول تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)([17])، وهكذا إصلاح الواقع يحتاج إلى قرار حاسم، وإلى استعداد أن يتحمل الإنسان ضريبة الإصلاح، لأن إصلاح الواقع يعني اقتلاع الفساد، واقتلاع الفساد يعني اقتلاع المفسدين؛ فالإصلاح لا يكون إلا من خلال مواجهة المفسدين.
وهنا نذكر بعض صفات المصلحين كما ذكرها القرآن الكريم:
أولاً: وضوح المعايير
إن المصلحين يتبعون معياراً واضحاً وهي قيم الرسالة وهدى الوحي وحدود الشريعة، ولا يتجاوزونها إلى ما سواها، أما المفسدين فليس لديهم أي معيار، وإنما يتبعون أهواءهم، يقول تعالى: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)([18]).

ثانياً: عدم الانقياد للضغوط
الإصلاح هو شرط من شروط القيادة الرسالية، بل إن القيادة الرسالية لا تقوم إلا على الإصلاح، يقول تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)، فالقيادة الرسالية لا تخضع للضغوط المفسدين ولا تستجيب لأهواء المبطلين، وإلا فقدت شرعيتها؛ لأن الإصلاح متلازم مع الحق ولا يفترق عنه مقدار أنملة؛ لأن العمل الذي لا يصطبغ بالحق، وبالتالي بالإصلاح، هو من أعمال الفساد، فالقيادة الرسالية لا تتراجع في إرادتها بسبب الضغط الذي يمارس عليها، ولا تميل عن الحق إلى سواه.
فالإصلاح يستند على منهج وشريعة رسالية قائمة على الحق وهدى السماء التي تتجلى في الشريعة والمنهاج، وليس على أهواء المفسدين.

ثالثاً: بذل أقصى الجهد والطاقة
يقول تعالى على لسان نبيه شعيب -عليه السلام-: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ([19])، ونهتدي بالآية إلى أن المؤمن بحاجة إلى التوكل على الله لمواجهة ضعف إرادته في الإصلاح أو ضغوط مجتمعه ضد الإصلاح، وليعلم أن توفيقه فيه إنما هو بالله سبحانه، فالمصلح هو الذي لا يدخر أي جهد أو طاقة في سبيل مقاومة الفساد حتى لو كلفه ذلك سمعته أو ماله أو حياته.

رابعاً: التوكل على الله والإنابة إليه
الإنسان المؤمن هو الذي يسعى للإصلاح، ولذا هو الذي يتوكل على الله وحده، وما دام هدفه هو الله سبحانه لا يضره ما يلقاه من نتيجة وردة فعل من الناس، فهو مقدم على الإصلاح ما دام فيه رضوان الله سبحانه سواء أوافقه الناس أم خالفوه.
وهكذا الإنسان المصلح هو الذي ينيب إلى الله ويرجع إليه ويجعل مدار حركة هو رضوان الله ومنهجه وقيمه.

ولذلك واجبنا نحن أن نتحمل مسؤولية الإصلاح ولنكون (أولي بقية) وحتى لو كان الواقع عكس ذلك تماماً، بأن يكون مليء بالفساد، وحتى وإن شح المصلحون.  

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لذلك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات تابع اللهم بيننا وبينهم بالخيرات إنك مجيب الدعوات إنك غافر الخطيئات.
(بسم الله الرحمن الرحيم 1 والعصر 2 إن الإنسان لفي خسر 3 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).


الخطبة (2)
لماذا نتغافل عن الآخرة؟
صدر الخطبة:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله ولا تغفلوا عن الدار الآخرة بالحياة الزائلة، لا تتشبثوا بالدار الفانية وتذروا الحياة الباقية ..
          وقد تواترت آيات القرآن وكلمات الأئمة الهداة تخبر الإنسان وتذكره بالدار الآخرة، وأنها دار دوام وبقاء، وأن الحياة الدنيا ليست إلا دار فناءٍ وزوال، إلا أن الإنسان في هذه الحياة يعمل للدنيا وكأنما لو كانت هي دار دوامٍ وبقاءٍ، ويغفل عن الآخرة كما لو كانت دار فناءٍ وزوال، وفي يوم القيامة يدرك الإنسان حقيقة الدنيا، وأن الدنيا لم تكن إلا قنطرة للآخرة، وحينها ينظر ما قدمت يداه من أعمال وتفريط في جنب الله سبحانه، فالإنسان العاقل هو الذي يتخذ لنفسه سبيلاً وطريقاً في ذلك اليوم الحق، قال تعالى: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا* إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).[20]
ولكن ما هو السبب الذي يجعل الإنسان يتغافل هذه الحقيقة؟
إنه طول الأمل، وحب الدنيا، ونسيان ذكر الله، وغيرها من الذنوب.
أما طول الأمل، فيصور للإنسان بأنه ليس هو المعني بالموت والآخرة وكل هذا الكلام إنما المعني به غيره، وأن الاستعداد للموت إنما هو ضرب من المثاليات والكماليات، وهو خاص للعباد وما شابه، ويصور للإنسان بأن الأجل ما زال بعيدا حتى إذا جاءت ساعة الصفر، تبين له خطؤه.
أما حب الدنيا فهو رأس كل خطيئة، فهو لا يجعل للإنسان فرصة في أن يفكر في الآخرة، وإنما يركز كامل طاقاته وإمكاناته في هذه الدنيا لكي يحصل على اللذة العاجلة، ثم إن حب الدنيا يغير مفاهيم الخير والشر، والكمال والنقصان في فكر الإنسان، ويغير له أهدافه، جاء في الحديث أن الله تعالى أوحى إلى موسى: (يا موسى! .. الفقير من ليس له مثلي كفيل، والمريض من ليس له مثلي طبيب، والغريب من ليس له مثلي مؤنس ..
وقال تعالى: يا موسى! .. ارضَ بكسرة من شعير تسد بها جوعتك ، وبخرقة تواري بها عورتك، واصبر على المصائب، وإذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، عقوبة عُجلت في الدنيا ، وإذا رأيت الدنيا مدبرةً عنك فقل: مرحبا بشعار الصالحين.
يا موسى! .. لا تعجبن بما أوتى فرعون وما متع به، فإنما هي زهرة الحياة الدنيا).
ولكن من منا من يمتلك مثل هذا المنطق في التعامل مع الدنيا.

          أما نسيان ذكر الله فيقسي القلب حتى يموت فلا يفكر في الآخرة، جاء في الحديث أن الله أوحى إلى موسى: (يا موسى، لا تفرح بكثرة المال، ولا تَدَع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب، وإن تَركَ ذكري يقسِّي القلوب).
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاستعداد للآخرة، عباد الله أطيعوا الله بقدر حاجتكم إليه .. إن كل عبدٍ يجب عليه أن يطيع سيده بمقدار حاجته إليه، فالإنسان في فقرٍ دائم واضطرارٍ مطلق لعناية الله ورعايته في كل لحظة وفي كل حركة .. فما من خطوة يخطوها الإنسان إلا وهو بحاجة إلى حوله وقوته، وتسديده وتوفيقه، فالله سبحانه هو الغني العزيز والإنسان هو العبد الفقير، إلا أن الإنسان يتغافل عن فقره، ويستكبر عن طاعة ربه، عباد الله أطيعوا الله، فما من عبدٍ أطاع الله إلا وكتب الله له خير الدنيا والآخرة؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول للدنيا: (اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك)، فالمعادلة واضحة ولكننا نحن من يريد أن يتعامى على الحقيقة.
فمن يريد الثواب والنعيم عليه أن يتوجه إلى الله؛ لأنه هو الذي يملك النعيم، أما الذي يتوجه إلى الدنيا ليطلب الراحة والنعيم فقد أخطأ الطريق قطعاً، فالتعب والنصب في الله هو الذي يوجب النعيم الأزلي، وليس طلب الدنيا، جاء في الحديث أن الله تعالى أوحى إلى داوود عليه السلام: (يا داوود! ما لي أراك وحدانيا؟ قال: هجرت الناس وهجروني فيك، قال: فما لي أراك ساكنا؟ قال: خشيَتُك أسكنتني، قال: فما لي أراك نصيباً؟ قال: حبك أنصبني، قال: فما لي أراك فقيراً وقد أفدتك؟ قال: القيام بحقك أفقرني، قال: فما لي أراك متذللا؟ قال: عظيم جلالك الذي لا يوصف ذللني، وحق ذلك لك يا سيدي، قال الله تعالى: فأبشر بالفضل مني، فلك ما تحب يوم تلقاني، خالط الناس وخالقهم بأخلاقهم، وزايلهم بأعمالهم، تنل مني ما تريد يوم القيامة).
إن الله سبحانه يمن على عباده بالتوفيق والرزق والعطاء قبل أن يسألوه، إلا أنهم لا يستجيبون لنداء الله، فلا يزيدهم كثرة العطاء إلا طغياناً وتجاوزاً.
إن حاجة الإنسان الماسة إلى الله سبحانه يجب أن تقابلها طاعته إليه سبحانه، إن طاعة العبد لسيده المتفضل عليه واجبة بحسب العقل، ولعل احد المشاكل التي تسوق الإنسان إلى الكفر بالخالق وعدم شكره وعدم تأدية حقه عليه غفلة الإنسان عن مصدر النعم.
بل إن الغفلة عن مصدر النعم قد يقود الإنسان إلى الطغيان وتجاوز الحد، فحينما يغفل الإنسان عن مصدر النعم يتصور أن هذه النعم من ذاته فيتكبر ويتجبر ولا يؤدي حقوق الله عليه، قال تعالى: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى* إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)[21] ،وهذه المشكلة من المشاكل التي تحرف الإنسان عن طريق عبودية الله سبحانه، لأن الإنسان حينما يعرف مصدر النعم وهو الله ويقر لله بالحاجة المطلقة والفقر الدائم يكون عبداً متواضعاً للخالق وللمخلوقين، أما حينما يتصور بأن ما لديه من مال ومن جاه ومن علم ومن قدرة هو من ذاته يطغى ويتجاوز حدود الله، بل يصل به الأمر إلى أن يكفر بالله سبحانه.
وجاء في الحديث القدسي:
(يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك .. و غشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم و جعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام .. و جعلت لك متكأ عن يمينك و متكأ عن شمالك فأما الذي عن يمينك فالكبد .. . و أما الذي عن شمالك فالطحال .. و علمتك القيام و القعود في بطن أمك .. فهل يقدر على ذلك غيري ؟؟
فلما أن تمّت مدتك .. وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه.
لا لك سن تقطع .. . و لا يد تبطش .. . ولا قدم تسعى .. فأنبعث لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبنا خالصا .. حاراً في الشتاء و باردا في الصيف ، و ألقيت محبتك في قلب أبويك، فلا يشبعان حتى تشبع .. . و لا يرقدان حتى ترقد .. فلما قوي ظهرك و أشتد أزرك ،بارزتني بالمعاصي في خلواتك ، و لم تستحي مني ، و مع هذا إن دعوتني أجبتك و إن سألتني أعطيتك .. و إن تبت إليّ قبلتك).




[1] سورة يونس، 7-9
[2] من هدى القرآن، سورة يونس
[3]) المؤمنون/ 71.
[4]) الأعراف/ 56.
[5]) الروم/ 41.
[6]) المرجع المدرسي، التشريع الإسلامي، ج7، ص453.
[7]) هود/ 88.
[8]) يوسف/ 101.
[9]) الأنعام/ 85.
[10]) الأنبياء/ 86.
[11]) الأعراف/ 85.
[12]) هود/ 117.
[13]) النمل/ 34.
([14] البقرة/ 251.
[15]) هود/ 116-117.
[16]) الجمعة/ 2.
[17]) البقرة/ 11-12.
[18]) المائدة/ 48.
[19]) هود/ 88.
[20] سورة النبأ، 39-40
[21] سورة العلق، 6







            (ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera


ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق