السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

4 مارس 2011

مقال جديد للعلامة النمر: (الانتخابات الأمريكية دلالات وآفاق (3-4) (الجزء الثاني))_ساهموا بنشرها معكم


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نكمل معكم الجزء الثاني من المقالة الثالثة للعلامة الحجة الشيخ نمر باقر النمر حول الانتخابات الأمريكية وقبل إيراد المقالة نردف لكم الأجزاء السابقة لباقي السلسلة من باب الفائدة لمن لم يقرأهم وهم على النحو التالي:

(3)-[1] الأنتخابات الأمريكية دلالات وآفاق ‏(3 - 4)‏ (الجزء 1) اضغط هنا
لمن لا يظهر لهم الرابط : http://albaseeraalresalay.blogspot.com/2011/02/3-4.html

لمن لا يظهر لهم الرابط : http://groups.google.com/group/albaseera/web/2-4---24-11-1429
لمن لا يظهر لهم الرابط :http://groups.google.com/group/albaseera/web/2-4---24-11-1429

الآن نترككم مع المقال الثالث بجزئه الثاني ولطوله سينشر تكملة للأجزاء لهذه المقالة، ولا نوصيكم بنشره معكم .. ولا تنسونا من صالح دعائكم


﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
الانتخابات الأمريكية دلالات وآفاق (3-4) (الجزء الثاني)
http://www.wlidk.net/upfiles/ztd40190.png
http://www.wlidk.net/upfiles/0cx01700.jpg
بقلم العلامة الحجة الشيخ نمر باقر النمر (حفظه الله)


النضال من أجل الحرية
واستمر حال التمييز العرقي والتفرقة على أساس اللون والفصل العنصري إلى أن جاء يوم الخميس أول ديسمبر 1955م. عندما رفضت روزا باركس - وهي سوداء - وبإيعاز من «الجمعية الوطنية لتقدم الشعوب الملونة» أن تخلي مقعدها لراكب أبيض عاصية بذلك قوانين الظلم والاضطهاد والاحتقار، والتمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري والمعروفة بقوانين (جيم كرو) العنصرية؛ فقام السائق باستدعاء رجال الشرطة فاعتقلوها بتهمة مخالفة القوانين، والتعليمات الخاصة بالتفرقة. مما أثار حنق الزنوج وسخطهم؛ وكانت البداية لانطلاقة الرفض والاحتجاج.

فبادرت قيادات السود بعقد اجتماعات بغرض التخطيط لشن حملة ضد قوانين «جيم كرو» الموغلة في العنصرية، فقام مارتن لوثر كينج مع قيادات أخرى من السود بقيادة حركة مقاطعة الحافلات لمواجهة الظلم،- وهي أهم حدث في حياة الزنوج بعد التحرير من العبودية - وتم توزيع منشور يطلب من السود مقاطعة الحافلات. ولبَّى السود نداء قياداتهم فانطلقت حركة المقاطعة، مما شجع القيادة على اتخاذ قرار بالإجماع على الاستمرار في حملة المقاطعة إلى أن تستجيب السلطات لمطالبهم. ولقد أثبتت إرادة الزنوج ما تعدى كل التوقعات بسبب وجود القيادة الشجاعة والحكيمة التي تجلَّت في الرشد في القرار، والإقدام في المواقف من جانب، ووجود الشعب المضحي، والمطيع لقيادته الشجاعة والحكيمة من جانب آخر؛ ولذلك استمرت المقاطعة381 يوماً من الإضراب عن ركوب الحافلات. وأحدث الإضراب أثراً كبيراً في التفكير والنفوس والمجتمع والاقتصاد؛ ليؤذن بانتهاء حقبة وبدء حقبة جديدة في حياة الأمريكان ذوي الأصول الإفريقية.

وحيث لم يكن هناك عند السلطات ما يدين مارتن لوثر كينج لاعتقاله؛ تفتقت عبقرية السيد الأبيض لخلق تهمة تمهد لذلك؛ كما هي عادة الحكام الطغاة والظلمة الذين يأخذون الأحرار بالظنة، ويقتلوهم بالتهمة؛ وبالفعل فقد ألقي القبض عليه في 26 يناير 1956م بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلا في الساعة في منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلا؛ وألقي به في زنزانة مع مجموعة من السُّكارى واللصوص والقَتَلَة، وكان هذا أول اعتقال له مما أثر فيه بشكل بالغ العمق؛ حيث شاهد وعانى بنفسه الجو المجرد من الإنسانية الذي يعيش فيه المساجين، وقد كان معظم المسجونين من الزنوج الذين عانوا الفقر، ووجدوا في السُّكْر والسرقة ما يهربون به من عالم الظلم والاضطهاد، إلى أن أُفرج عنه بعد فترة من السجن بالضمان الشخصي.

وبعد الإفراج عن مارتن لوثر كينج بأربعة أيام فقط، وبعد أن فشلت محاولات البيض لإنهاء المقاطعة، وفي 30 يناير 1956م حينما كان مارتن لوثر كينج يخطب في اجتماع عام في أنصاره ألْقِيَتْ قنبلة على الجزء الأمامي من منزله، وكاد أن يفقد في هذه الحادثة زوجته وابنه، وعندما وصل إلى منزله وجد جمعاً غاضباً من الأفارقة الثائرين مسلحين على استعداد للانتقام لما حدث، وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب، وبات واضحاً أنها تقف على حافة حمام من الدماء، فوقف مارتن لوثر كينج يخاطب أنصاره ويطالبهم بعدم العنف، وعدم صنمية القيادات، وأن حركة الكرامة والعدل والحرية والأمن هي القضية الأساس، والمحور والمرتكز لا الأشخاص بما فيهم الزعماء. قال مارتن لوثر كينج " دعوا الذعر جانباً، ولا تفعلوا شيئاً يمليه عليكم شعور الذعر والغضب، إننا لا ندعو إلى العنف، وأود أن يعرف الجميع أنني إذا ما توقفت فلن تتوقف الحركة ".

وكانت أوضاع الظلم والاضطهاد والاحتقار، والتمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهاراً من الدماء لولا أن مارتن لوثر كينج قد اخْتطََّ للمقاومة طريقاً آخر غير الدم. وكان يستشهد دائماً بقول السيد المسيح عليه السلام: " أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك ". فنادى مارتن لوثر كينج بمقاومة تعتمد مبدأ "اللاعنف" و "المقاومة السلبية" على طريقة المناضل الهندي مهاتما غاندي الذي تعلم من الإمام الحسين عليه السلام كيف يكون مظلوماً فينتصر. وبذلك أرسى نظرية جديدة تتسم بالاتزان والاعتدال للمطالبة بالحقوق المدنية، وإلغاء التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري.

وقد استطاع عن طريق ترسيخ مفهوم المقاطعة Boycott والمقاومة باللاعنف Non-violence أن يجمع حوله الزنوج، ويدفعهم إلى النضال والكفاح والمقاومة والعمل الإيجابي؛ فلم ييئس ولم يستسلم ولم يَكل ولم يتراجع ولم ينبطح ولم ينافق ولم يَلِنْ ولم يتغزل الدولة ولم يبرر للسلطة ممارساتها العنصرية، ولم يتخلى عن أهدافه ومطالبه وقضيته، ولم يقبل بالإبَر المخدِّرة، ولم يُخْدَع بقشر الموز، وبالتالي لم يتزحلف ولم يتزحلق بقشر الموز مثلما تزحلف الكثير وتزحلقوا بقشور الموز الخاوية؛ بل واجه الدولة والسلطة بالحقائق الموجودة على أرض الواقع بقدم ثابتة، ولم يدس رأسه كالنعامة في التراب، ولم يغمض عينيه عن الحقيقة الواقعية، ولم يتخذ نهج البُكم شريعة للهروب من المسؤولية، ولم يتخذ النفاق سبيلاً لاسترداد حقوق شعبه، بل بمنهج العز والكرامة طالب بالحقوق والحرية، وأمَرَ بالعدل والمساواة.

يقول مارتن لوثر كينج في عام 1963م: " لا وقت لدينا للمشاركة الباردة، ولم تعد تسعفنا الأدوية المهدئة بطيئة المفعول..
لقد حان الوقت لنرتفع من عزلة الوادي المظلم المهجور إلى طريق العدالة المشمس..
لقد حان الوقت لفتح أبواب الفرص المتساوية لكل أطفال الله..
لقد حان الوقت لرفع وطننا من رمال الظلم العنصري المتحركة إلى صخرة الأخوة المتينة..
سيكون خطأً قاتلاً للدولة إن أغفلت الظروف الصعبة التي يعيشها الزنجي واستهانت بإصراره على نيل حقوقه..
لن يمر هذا الصيف الحار على الزنجي الساخط حتى يصل إلى خريف نشط بالحرية والمساواة..
لن يكون العام 1963 النهاية بل سيكون هو البداية..
وسيباغَت أولئك الذين يعتقدون أن ما يجري إنما هو تنفيس عن غضب يمارسه الزنوج وأنهم سيعودون لممارسة أعمالهم المعتادة غداً..
ولن ينعم الوطن بالهدوء حتى يحصل الزنجي على كل حقوقه الوطنية..
وستستمرّ رياح الثورة في هز أسس الدولة حتّى اليوم الذي تتحقق فيه العدالة للجميع ..
لكنّ هناك شيء يجب أن أقوله لشعبي الذي يقف على العتبة الدّافئة التي تتصدر قصر العدل:
للحصول على حقوقنا المشروعة لا يجب أن نتورط في أعمال خاطئة، دعونا لا نحاول إرضاء عطشنا للحرية بالشرب من كأس القسوة والكراهية.
للأبد، يجب أن يقوم صراعنا على الكرامة والانضباط... لا يجب أن نسمح لاحتجاجنا الخلَّاق أن يتدهور إلى العنف الجسدي... دائماً يحب أن نرتقي إلى حيث تلتقي قوّة الروح بقوة الجسد... النضال الجديد الرّائع الذي غمر المجتمع الزّنجي لا يجب أن يقودنا للارتياب بالبيض... كثير من إخوتنا البيض. كما هو ملاحظ بوجودهم هنا اليوم. قد جاؤا مدركين أن قدرهم مقيد بقدرنا، وأن حرّيّتهم لا تنفك عن حرّيّتنا ".

واستمرت حركة المقاطعة بالرغم مما يواجهه من ضغوط وتهديدات بفقدان حياته أو اعتقاله؛ وبعد أيام من إلقاء القنبلة على الجزء الأمامي من منزله، أُلقي القبض عليه بسبب المقاطعة ومعه مجموعة من القادة البارزين في شهر فبراير 1956م ومن دون سبب مشروع أو قانوني؛ بتهمة الاشتراك في مؤامرة لإعاقة العمل. كما هي العادة في دولنا حيث التهم جاهزة دائماً فإما الارتباط بالخارج، أو محاولة قلب نظام الحكم، أو العبث والإخلال بالأمن، لأن الحاكم الفلتة والحاكم الأسطورة هو حامي الحمى، والشعب أجمع مرتبط بالقوى الخارجية، ويعبث بالأمن، ويتآمر على الحاكم.

ورداً على حركة المقاطعة حاول البيض القضاء على تلك الحركة وقمعها بكافة الطرق؛ وخلال فترة المقاطعة تعرض الكثير من السود للمضايقات، والاعتقال لأسباب واهية، وألقيت قنابل على كنائس ومنازل لإنهاء المقاطعة التي تَصَوَّر السيد الأبيض أن السود سيتعبون ويتراجعون تحت التهديد والعصا، وترجيف المرجفين الجبناء الذين انسلخوا عن كرامتهم.

وقد سعت السلطات لزرع الفُرقة في مجتمع السود، وهذا هو ديدن السلطات الجائرة حيث تبث الإشاعات الكاذبة تلو الإشاعات الباطلة، وتزرع الفرقة والشقاق والحراب بين الناس بعضهم ببعض لتشغلهم فيما بينهم عنها، ولتضعف شوكتهم، ولتنأى بنفسها عنهم؛ فعقدت لجنة المدينة اجتماعاً مع ثلاثة من ممثلي الزنوج لبحث التسوية، وسربت اللجنة تقريراً مزوراً للصحف تعلن فيه عن إنهاء المقاطعة؛ إلى أن جاء تقرير من الزنوج بالشمال يسأل عن صحة هذه المعلومات، بعد أن كاد السود يصدقون هذه الإشاعة، فسارع بعض قادة الزنوج بنشر التكذيب، ووصف هذا الفعل بالخدعة.

واستمر اعتقال مارتن لوثر كينج إلى أن قامت أربع من السيدات من ذوي الأصول الإفريقية بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغاء التفرقة في  الحافلات، ورفعت القضية إلى أعلى هيئة دستورية في الولايات المتحدة. وفي النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذي نصر موقف روزا باركس، وتغير وجه حركة الكفاح ضد التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري في الولايات المتحدة.

وفي 13 نوفمبر 1956م أصدرت المحكمة حكمها التاريخي الذي ينصُّ على عدم قانونية هذه التفرقة العنصرية. وبأن القواعد التي تتيح التفرقة في الحافلات غير قانونية. وحظرت المحكمة العليا الأميركية الفصل العنصري في حافلات الركاب، وساعتها فقط طلب مارتن لوثر كينج من أتباعه " أن ينهوا المقاطعة ويعودوا إلى استخدام الحافلات بتواضع ودون خيلاء ". وأفرج عنه بعد ذلك. وصار من حق السود الجلوس في مكان واحد مع البيض وإعطاؤهم نفس الحقوق في جميع القوانين.

إن رفض روزا باركس التخلي عن مقعدها لرجل أبيض أثناء ركوبها إحدى الحافلات كان الشرارة التي أشعلت حملة ضخمة من مقاطعة السود للحافلات. وكان للحادث أثر كبير في تأجيج مشاعر السود ضد الظلم والاضطهاد، والتمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري. وبدأت حركة المطالبة بالحقوق المدنية التي اجتاحت الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت. والتي شكلت بداية لإزالة الظلم والاضطهاد والاحتقار، ولإلغاء التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري الذي كان سائداً في ذلك الوقت؛ لتكون إحدى أهم الأحداث في تاريخ الأمريكان الأفارقة.

ومنذ أن قامت هذه المقاطعة بدأت المطالبة بالحقوق المدنية تتصاعد؛ فأسس الزنوج مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية "إس سي إل سي (SCLC) " عام 1957م، وانتخبوا مارتن رئيسا لها، وعملت على تنظيم الاعتصامات والمظاهرات الجماعية، وبرامج مكافحة الفقر.

ولقد وضع الزعيم الزنجي مارتن لوثر كينج النقاط على الحروف حينما وصف المتظاهرين الزنوج في عام 1963م بأنهم اجتمعوا لاقتضاء دين مستحق لهم، ولم تفِ أمريكا بسداده فيقول مارتن لوثر كينج:

"جئنا لعاصمة وطننا لنصرف الصك الذي وَرّثنا إياه بُناة جمهوريتنا عبر الكلمات الرائعة للدستور وإعلان الاستقلال..
لقد وقعوا كمبيالة الحقوق وورثوها لكل أمريكي.
كان الصك يتضمن وعداً بضمان الحقوق الراسخة في الحياة، حق الحرية، والسعي للسعادة..
ومن الواضح اليوم أن أمريكا قد قصرت في دفع هذا الصك المستحق بسبب نظرتها إلى ألوان مواطنيها..
وبدلا من القيام بهذا الواجب المقدس أعطت مواطنيها الزنوج صكاً سيئاً كتب عليه: الرصيد غير كاف..
لكننا رفضنا أن نصدق أن بنك العدالة مفلس..
ورفضنا التصديق أن الرصيد غير كاف للوفاء في ظل الفرص الكبيرة المتاحة لهذا الوطن.
لذا جئنا لصرف هذا الصك..
الصك الذي يعطينا ثروة الحرية، وضمانات العدالة.. ".

ولقد استخدم الزنوج المقاطعة في عام 1955م لإجبار المدين على سداد بعض ديونه، وهكذا كانت المقاطعة بداية الشرارة التي أشعلت الضياء في طريق استرداد الدين والحقوق.

والسؤال الجوهري والحقيقي اليوم هو: كم وكم من الدائنين في العالم من دول وشعوب أمريكا اللاتينية ودول وشعوب أوربا ودول وشعوب الشرق الأوسط وما العراق وأفغانستان إلا آخر دول وشعوب الدائنين الذين لم تفِ أمريكا بسداد دينها لهم؟!

وكذلك كم وكم من الدائنين في المجتمعات بالخصوص الأقليات فيها أو المستضعفين لم تفِ حكوماتهم الظالمة والطاغية والجائرة بسداد دينها لهم؟!

فعلى الحكومات المسارعة بسداد الدين لشعوبها قبل أن ينفد صبر الشعوب، وتبدأ باتخاذ القرار الذي يؤدي إلى الانفجار؛ لأن كثرة الضغط تؤدي إلى الانفجار، وزيادة الكبت تولد القطيعة، والبطش ينتج المواجهة والاصطدام.

حق الانتخاب
في يونيو 1957م أصبح مارتن لوثر كينج وهو في السابعة والعشرين من عمره أصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية "سينجارن" التي تعطى سنوياً للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية. وبهذه المناسبة وأمام نصب أبراهام لينكولن وجَّهَ مارتن لوثر كينج خطابه الذي هاجم فيه الحزبين السياسيين الرئيسيين وهما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي وردد صيحته الشهيرة وكرر مطالبه قائلاً: " أعطونا حق الانتخاب "، ونجحت حركته ومساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان ذو الأصول الأفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب.

كما كرر مارتن لوثر كينج في أكثر من مرة مطالبته بحق الانتخاب والتصويت للزنوج إلى أن مرر الكونجرس القانون الذي قضى بأنه لا قيد على التصويت، وأنه من حق أي مواطن أمريكي بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دفع الضريبة أو اختبارات القراءة والكتابة وغيرها من القيود التي أنكرت حق الزنوج في التصويت. وقد كان لهذا القانون تأثير عميق على الفرص السياسية للسود في الجنوب.

محاولة اغتيال فاشلة
وفي 19 سبتمبر تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة عندما كان يزور أحد المحلات المملوكة للبيض والواقعة في قلب مدينة جرهارلم؛ فحينما اتخذ مقعداً وبدأ يوقع على الأتوجرافات ظهرت فجأة امرأة وأخذت تسبه وتلعنه، ثم أخرجت فتَّاحة خطابات ودفعتها بأقصى ما تستطيع إلى صدر مارتن لوثر كينج الذي كاد أن يفقد حياته قبل أن يُنقل للمستشفى. وحين استجوبت الشرطة المعتدية عللت دافعها بأسباب عديدة غير مترابطة فتقرر إيداعها في إحدى مستشفيات الأمراض النفسية. ولكن الأقرب أن تكون العملية مدبَّرة من قبل البيض والمخابرات التي تنفذ سياسة السلطة الحاكمة للجم الأصوات الحرة كما هي سيرة كل الطغاة والظلمة. والحقيقة إن محاولة الاغتيال لم تكن جدية وإنما كانت رسالة تهديد للتراجع والتوقف عن المطالبة بالحقوق وإلا سيكون مصيره الموت. ووصلت الرسالة ولكن مارتن لوثر كينج لم يستجب لها بل ضاعف تحديه ونضاله، واستمر في المقاومة، وصعَّد من وتيرتها.

مارتن وتحدي الحكومة
وبعد تولي "جون كيندي" منصب رئاسة الولايات الأمريكية ضاعف مارتن لوثر كينج نضاله وجهوده المتواصلة لإلغاء التمييز العرقي، والتفريق على أساس اللون، والفصل العنصري من خلال إقحام الحكومة الاتحادية في الأزمة العنصرية المتفاقمة. وقرر مارتن لوثر كينج في أواخر صيف عام 1962م بدء سلسلة من المظاهرات في برمنجهام، وعمل على تعبئة الشعور الاجتماعي بمظاهرة رمزية في الطريق العام؛ وفي اليوم التالي وقعت أول معركة سافرة بين السود المتظاهرين ورجال الشرطة البيض الذين اقتحموا صفوف المتظاهرين بالعصي والكلاب البوليسية، ثم صدر أمر قضائي بمنع كل أنواع الاحتجاج والمسيرات الجماعية وأعمال المقاطعة والاعتصام؛ فقرر مارتن لوثر كينج لأول مرة في حياته أن يتحدى علانية حكماً صادراً من المحكمة، ونُظِّمت مسيرات الاحتجاج ببرمنجهام، وسار خلفه نحو ألف من المتظاهرين الذين كانوا يصيحون " حلت الحرية ببرمنجهام "، وألقي فيها القبض على مارتن لوثر كينج للمرة الثالثة بتهمة إثارة أعمال الشغب والإرهاب، وأودعوه سجناً انفرادياً، وحرر خطاباً أصبح فيما بعد من المراجع الهامة لحركة الحقوق المدنية؛ وقد أوضح فيه رؤيته وفلسفته التي تقوم على مواصلة النضال، وديمومة الحراك المطلبي الحقوقي في إطار من عدم العنف لتصحيح التفكير العرقي، وإلغاء السلوك العنصري. فكان مما كتب "علينا أن ندرك ضرورة خلق منغصات في إطار من عدم العنف لإيجاد ذلك النوع من التوتر في المجتمع؛ مما يساعد الناس على أن يرتفعوا من الأعماق المظلمة للتحيز والتفكير العنصري، ويحلقوا في الآفاق العليا للتفاهم والإخاء".

إخضاع البِيض للمفاوضات
وبعد خروج مارتن لوثر كينج من السجن بكفالة لم يتراجع عن مطالبه وأهدافه، ولم ينثني عن نهج المدافعة والمقاومة كما هي طبيعة الكثير من الزعامات المزيفة التي تبدل جلدها بين الفينة والأخرى، وتتلون بلباس السحلية، ولون الحرباء، واستمر في نضاله وجهاده للقضاء على التمييز العرقي، وواصل قيادته لحركة نضال السود الأفارقة لإزالة التفرقة على أساس اللون، واستقام في تطلعه وطريق ذات الشوكة لإلغاء الفصل العنصري؛ وبالرغم من أن أكثر الناس لا تتحمل مسؤولية التغيير والإصلاح بل إن الكثير من الناس يلقي باللائمة ومسؤولية التأزيم والضحايا والخسائر على المجاهدين والمناضلين بدلاً من مقاومة الجلادين وتحميلهم مسؤولية كل الاضطرابات والأوضاع والآثار؛ وفي ظل هكذا تفكير سلبي عند الناس التي تشارك الجلاد في جلد الضحية بدل مدافعة الجلاد ومقاومته، وحماية الضحية ومناصرته؛ كان يختلج في نفس مارتن لوثر كينج السؤال التالي: ماذا أنت صانع بالأطفال؟

إذ لم يكن إلا القليلون على استعداد لتحمل المسئولية التي قد تنشأ عن مقتل طفل؛ ولكنه لم يتردد كثيرا فسمح لآلاف من الأطفال أن يتقدموا المظاهرات، واحتلال المراكز الأمامية للمطالبة بإلغاء التمييز العرقي، والتفرقة على أساس اللون، والفصل العنصري في عهد الرئيس جون كينيدي وذلك في مواجهة رجال الشرطة والمطافئ والكلاب البوليسية المتوحشة؛ فارتكبت الشرطة وبأمر السلطة المتغطرسة جريمتها الوحشية، ومارست القوة، واستخدمت البطش ضد الأطفال الذين لم يزد عمر بعضهم عن السادسة، ثم اقتحم رجال الشرطة صفوفهم بعصيهم وبكلابهم، واستخدموا الكلاب البوليسية التي غرزت أنيابها في أجساد الأطفال، ونهشت لحومهم. وانتشرت في أرجاء العالم صور كلاب الشرطة وهي تغرز أنيابها في أجساد الأطفال، وتنهش لحومهم؛ مما أثار حفيظة الملايين من الأحرار وأصحاب الضمائر الحية.

وبذلك الحراك السلمي، واستمرار الاحتجاجات نجح الزعيم مارتن لوثر كينج في إبراز الأزمة في الوعي الاجتماعي، وإيصالها إلى الواجهة الإعلامية، والصدارة السياسية، والمراجعة الدستورية؛ وبدأ الزنوج يشعرون بقوتهم، ويكتشفون قدراتهم وطاقاتهم، ويثقون في أنفسهم، فواصلوا المسيرة، وبدؤوا يحرزون الانتصار تلو الآخر في استرداد الحقوق، وإلغاء التمييز العرقي، والتفريق على أساس اللون، والفصل العنصري، ثم أعلن مارتن لوثر كينج أن الضغط لن يَخِفَّ، مضيفاً: "إننا على استعداد للتفاوض، ولكنه سيكون تفاوض الأقوياء"؛ فلم يَسَعْ البيض من سكان المدينة إلا أن خولوا على الفور لجنة التفاوض مع زعماء الزنوج، وبعد مفاوضات طويلة وشاقة تمت الموافقة على برنامج ينفذ على مراحل بهدف إلغاء التمييز العرقي، والتفريق على أساس اللون، والفصل العنصري، وإقامة نظام عادل، وكذلك الإفراج عن المتظاهرين، ووافق الكونجرس على سَن قانون الحقوق المدنية الذي نص على إلغاء التفرقة العنصرية، والتمييز القائم على أساس الجنس واللون والدين في جميع المؤسسات العامة؛ مما حسَّن من أوضاع السود والأقليات الأخرى؛ - على الأقل من الناحية القانونية - وكان من نتيجة ذلك إنشاء مفوضية الحقوق المدنية كهيئة منظمة، وإنشاء دائرة الحقوق المدنية تابعة لوزارة العدل.

غير أن غلاة دعاة التفرقة بادروا بالاعتداء بالقنابل على منازل قادة الأفارقة؛ فاندفع الشباب الأفارقة الغاضبين لمواجهة رجال الشرطة والمطافئ، وحطموا عشرات السيارات، وأشعلوا النيران في بعض المتاجر، حتى اضطر الرئيس جون كنيدي لإعلان حالة الطوارئ في القوات المسلحة، وسارع مارتن لوثر كينج محاولاً أن يهدئ من ثائرة المواطنين، - وكان عزاؤه أن الذين اشتركوا في العنف ليسو من الأعضاء النشطين المنتظمين في حركة برمنجهام؛ - وما لبث أن قام بجولة ناجحة في عدة مدن كشفت عن البركان الذي يغلي في صدور الأفارقة السود تحت تأثير خمس مائة عام من الاستعباد والظلم والاضطهاد.

فما أن مضت ثمانية عشر يوما حتى صُعق مارتن لوثر كينج وملايين غيره من الأمريكيين الأفارقة بحادث وحشي، إذ ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي كانت وقتذاك زاخرة بتلاميذ يوم الأحد من الزنوج؛ فزاد غليان الصدور، واشتعلت نيرانها، ودقت القلوب مرعدة، وارتجفت مزمجرة، بينما أبت نواقيس الحرية أن تدق بعدُ، فهرع مارتن لوثر كينج مرة أخرى إلى مدينة برمنجهام، ليهدئ من غضب الناس وهيجانهم، فكان له الفضل في تفادي انفجار العنف الذي يشعله الظلم والاضطهاد، والتمييز العرقي، والتفريق على أساس اللون، والفصل العنصري.

لدي حلم
وبعد هذه الأحداث الدموية العظام تعلم الأمريكيون الأفارقة الدرس جيداً، واكتسبوا الخبرة الكافية التي تؤهلهم لمواصلة وتطوير النضال لاسترداد الحقوق، فقاموا بقيادة مارتن لوثر كينج في 28/ اغسطس من عام 1963م بثورة لم يسبق لها مثيل في قوتها اشترك فيها 250 ألف شخص، منهم نحو 60 ألفاً من البيض متجهة صوب نصب أبراهام لينكولن التذكاري، فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى مارتن لوثر كينج أروع خطبه: " لدي أحلم " " I have a dream " الخطاب الذي غير التفكير، وأصلح السلوك، واقتلع الولايات المتحدة من مستنقع ووحل العنصرية، وأوصل الزنجي بارك حسين أوباما إلى البيت الأبيض ورئاسة أمريكا والعالم. ومما قال مارتن لوثر كينج في هذا الخطاب: " لديّ حلم أنّ أطفالي الأربعة سوف يعيشون في يوم من الأيام في دولة لن تعاملهم بلون جلدهم لكنّ بمحتويات شخصيّتهم.. لديّ اليوم حلم ". سيكون الخطاب كاملاً هو الختام للمقالة.
            (ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
             )|ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            ( |  ~ {قرووب  البصيرة  الرسالية)  .  .  (للأخبار  والمواضيـع  الرسالية} ~  | )
             )|ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ |(
            (
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )


لمشاهدة والانضمام إلى قروب البصيرة الرسالية في الجيميل:

http://groups.google.com/group/albaseera

 

لقراءة المواضيع السابقة التي نشرت في قروب البصيرة:
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif
http://albaseeraalresalay.blogspot.com/

ملحق ذا فائدة:

* قروب "محبي الشيخ المجاهد نمر النمر" على الفيس بوك:
http://www.facebook.com/topic.php?topic=5902&post=19686&uid=36375794025#/group.php?gid=36375794025

* لمشاهدة قناة العلامة النمر على اليوتيوب
على هذا الرابط::
http://www.youtube.com/user/nwrass2009

*
لمشاهدة قناة العلامة النمر على الشيعة تيوب على هذا الرابط:
http://www.shiatube.net/NWRASS2009

* لتنزيل إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر والذي يحوي 1902 محاضرة:

http://www.4shared.com/dir/10157159/d7de52b5/sharing.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق