السلام عليكم ورحمة الله

نرحب بكم معنا في مدونة البصيرة الرسالية التي نحتفظ بنسخة من رسائلنا المرسلة على قروبنا (البصيرة الرسالية).

تنويه:-

1- من يرغب أن تصله رسائلنا على بريده ليشترك عبر هذا الرابط:

http://groups.google.com/group/albaseera/subscribe

وتأكيد اجراءات الاشتراك من الرابط.

2- لمشاهدة المواضيع السابقة تجدونها مفروزة على حسب أيام الإرسال وذلك من خيار: (أرشيف المدونة الإلكترونية) بالجانب الأيمن من الصفحة.

3- نظراً لطول بعض المواضيع هنا مما يجعل الصفحة طويلة للقارئ سنلجأ إلى وضع جزء من الموضوع وقراءتكم لباقي الموضوع في نهايته بالضغط على الزر الموجه في آخر الجزء المرفق.

ونأمل لكم الفائدة معنا..

11 فبراير 2010

مقال آية الله النمر (5): ‏[سلسلة الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت]: ‏(«6» البصيرة القرآنية للوحدة الإنسانية)‏_ساهموا بنشره معكم

سلسلة مقالات: الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت (5)
«6» البصيرة القرآنية للوحدة الإنسانية (*)

https://fbcdn-sphotos-g-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/378334_426692670702456_1602805127_n.jpg
سماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

إن العلاقات الإنسانية، التي تنبثق من منطلق الشعور الإنساني، والطبيعة الإنسانية، علاقة قائمة لا يمكن لأحد الانفصال عنها؛ فضلاً عن تفكيكها؛ لحاكمية المشاعر والأحاسيس والعواطف الإنسانية في المجمل - وهي مشتركة - على تفكير وسلوك الإنسان.

أما الوحدة الإنسانية من منطلق الفكر البشري فهذا وإن كانت البشرية في زمن ما أمة واحدة على الضلال من الإيمان بالطاغوت، والتسكع في زريبته، وعبادة العباد، وطاعة الطواغيت، وولايتهم من دون الله؛ إلا أن هذه الوحدة تفككت ويستحيل عودتها؛ ولن تَتَّحد البشرية إلا على فكر التوحيد في دولةِ الإمام المهدي - عجل الله تعالى فرجه الشريف - دولةِ العدل المطلق، والقسط العام، والحرية الشاملة. قال الإمام (عليه السلام)  ﴿إذا قام القائم حَكَمَ بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمِنَت السُّبُل، وأخرجت الأرضُ بركاتِها، ورُدَّ كل حقٍ إلى أهلِه.

 إن الله سبحانه وتعالى هو الذي فكَّك الوحدة الإنسانية؛ التي نشأت على فكر ونهج الضلال؛ الفكر الذي جرد البشرية من إنسانيتها، وحولها إلى بهائم تعلف، وعبيد تخنع لأمثالها. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

إذاً كان الناس أمة واحدة في غابة الضلال والإلحاد، فبعث الله الرسل؛ ليبينوا للناس غيِّ الطاغوت، وظلمات الكفر والضلال والإلحاد، وليهدوا إلى رشد الإيمان بالله، ونور الإسلام، والهدى والتوحيد؛ لإخراج العباد من سلطة وعبادة وظلمات الطاغوت إلى نور الله، وعبادة الله وحده من دون إكراه. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

ولما بعث الله لكل أمة رسولاً؛ لإخراجهم من عبادة الطاغوت إلى عبادة الله وحده؛ هنالك مَنْ استجاب للرسل وخرج من ظلمات الطاغوت إلى نور الله، وهنالك من تَطيَّن، ثم تحجَّر في ضلالة الطاغوت، ومستنقع طغيانه. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.

فببركة بعثة الأنبياء اختلفت البشرية، وتفككت وحدتها القائمة على الضلالة، وتفرق اجتماعها المتحد على الظلمات؛ فأنزل الله شريعة السماء؛ لتوحيد واجتماع مَنْ أراد من البشرية وبحريته واختياره تحت راية التوحيد الخالص؛ فمَنْ آمن بالله صادقاً خرج من شرذمة الاختلاف، ودخل في خيمة الوحدة والتوحيد؛ بشرط أن يخرج من تحت عباءة طواغيت العلماء، وطواغيت الحكام الذين يرتقون على جماجم الناس، ويشعلون الحروب؛ من أجل نزوة الزعامة، وشهوة المُلك، وهوى السلطة؛ ولن يكون الخروج سهلاً، ولا الطريق معبداً للخروج والمسير؛ بل هو مليء بأشواك الضغط الأمني، وأشواك البؤس الاقتصادي، وأشواك الضّر الجسدي؛ من سجن وتعذيب ومطاردة، وأشواك الضّر النفسي والاجتماعي، بل وأشد من ذلك أشواك التزلزل والاضطراب النفسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني والأسري وهكذا بقية مجالات الحياة وأبعادها؛ حيث تتزلزل وتضطرب؛ فلا رتابة في الحياة، ولا روتين في الأعمال، ولا استقرار في أبعاد الحياة أجمع؛ وحين ذلك تلوح رايات النصر مقتربة من المؤمنين الذين ما وهنوا وما استكانوا؛ بل استلانوا ما استوعره الناس، وتخطوا كل العقبات، وتحملوا الجراح والآلام. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ.

فكل وحدة، وكل اجتماع تحت فكر الضلال، أو عبودية الطاغوت مرفوضة ومحرمة؛ ويجب تفكيكها وتفريقها؛ فلا شرعية لأي وحدة فكرية إلا تحت لواء الهدى؛ بل الجنة مشروطة بالجهاد لتفكيك وتفريق وحدة الضلال، وإخراج العباد من عبادة الطواغيت وطاعتهم وولايتهم؛ إلى عبادة الله وطاعته وولايته؛ وليس إخراجهم من عبادة وطاعة وولاية عبد أو حاكم إلى عبد أو حاكم آخر مثله. كتب الإمام الباقر (عليه السلام) في رسالة إلى بعض خلفاء بني أمية: " ومن ذلك ما ضيع الجهاد الذي فضله الله عز وجل على الأعمال، وفضل عامله على العمال تفضيلا في الدرجات والمغفرة والرحمة؛ لأنه ظهر به الدين، وبه يدفع عن الدين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة بيعاً مفلحاً منجحاً؛ اشترط عليهم فيه حفظ الحدود؛ وأول ذلك الدعاء ( أي الدعوة ) إلى طاعة الله عز وجل من طاعة العباد، وإلى عبادة الله من عبادة العباد، وإلى ولاية الله من ولاية العباد، وليس الدعاء من طاعة عبد إلى طاعة عبد مثله ".

إن الله سبحانه وتعالى قادر على توحيد البشرية تحت راية التوحيد الإلهي الخالص جبراً وإكراهاً؛ ولكن الله شاء للعباد سنّة الابتلاء، وأعطاهم الحرية والاختيار لإتباع شريعة الإسلام، ونور العقل، ووحي السماء، ومنهج الرسالة، أو لإتباع شريعة الجهل، وظلمات الهوى، وتصورات البشر، ومنهج الضلالة؛ كما بين وميَّز الله لعباده الرشد بالإيمان بالله من الغي بالاستسلام والخنوع للطاغوت. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ. ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.

وهنا بعض الأفكار والرؤى الجامعة التي أمر الله عباده الاجتماع والوحدة تحت مظلتها؛ مثل: العدل والقسط، ومن ثم الارتقاء إلى الفضل والإحسان، وبالتالي المبادرة والسعي؛ لعطاء ذوي القربى ما يستحقون أو يحتاجون؛ والأهم هو النهي عن الفحش من القول أو الفعل أو الرؤى أو السلوك أو الفكر أو العمل، والنهي عن المنكر من القوانين والإجراءات والنظريات والتطبيقات؛ والنهي عن البغي من العدوان الأمني، والطغيان السياسي، والبطر الاقتصادي، والتكبر الاجتماعي، والغرور العلمي، والتسلط الديني؛ والأصعب هو نهي الطغاة عن فحشهم وطغيانهم ومنكراتهم التي كدَّرت الحياة، وحولتها إلى جحيم لا تستثني الأخضر؛ والأصعب من ذلك كله هو الوفاء بالعهود والمواثيق التي يقطعها الإنسان على نفسه لغيره باختياره وإرادته، ولا ينقض عقد يمينٍ أكدها ولو كان في الالتزام بما عاهد وعقد ضرر بالغ عليه. فهذه الأفكار هي التي ينبغي ويجب أن نتوحد تحت لوائها.

وهنا  رسالة تحذيرية من الله سبحانه وتعالى إلى المؤمنين وبالخصوص مَنْ قضى حياته في الجهاد، وشارك في بناء الصرح الرسالي، وتثبيت أركانه، وبالأخص القيادات منهم؛ بأن لا ينقضوا جهد حياتهم الرسالية بالخروج من مظلة الرسالة؛ وبأخص الخصوصية لمَنْ قضى سنين عمره بالجهاد؛ لبناء صرح القيم الرسالية والمبادئ السماوية، وتحمل عناء الغربة، وضيق العيش، وضنك الحياة من أجلها؛ أن لا يلغي ولا يَنقُض كل تاريخه الرسالي والجهادي بِِِجَرَّة قلمٍ لا يخطُّ إلا رؤى مبتورة، أو مواقف متخاذلة. وينبغي أن لا ننخدع بتسلط وتعالي أمة الطغيان، وجماعة الضلال على أمة التوحيد، وجماعة الهدى فنفشل في الامتحان. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.

ولولا العناية الإلهية، والرحمة الواسعة لرُكِس الناس أجمعين في وحل التيه، ومستنقع الضلال؛ ولكن الله رحم العباد بنبي الرحمة، وأوحى إليه القرآن؛ لكي يُخرِج الناسَ باختيارهم من التيه والضلال؛ ولو شاء الله لأكرههم وأجبرهم جميعاً على التوحيد، أو أهملهم وتركهم متوحدين ومتحدين في غيهم، وفساد فكرهم وتفكيرهم، وعبوديتهم للطاغوت؛ ولكن رحمة الله الواسعة هي التي حالت بين الناس والوحدة على الضلال. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ * وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ.

إن الله قادرٌ على توحيد الناس جبراً على الهدى والتوحيد الإلهي الخالص؛ ولكن حكمة الله وسنته اقتضت أن يكون الإنسان مخيراً في اعتقاده وعمله. ولذلك يجب أن لا ننخدع ولا نغتر بما هو عند أمة الضلال من إمكانات مادية، ولا يجوز لنا أن نمارس بعض أساليبهم ووسائلهم المستوحاة من مرض القلب كالكذب والتزوير والنفاق والتعالي والتسلط والاستبداد والنهب والسلب والخداع فيما بيننا؛ مما يؤدي إلى زحلفة أقدامنا في مستنقع التيه، وزحلقتها في وحل الضلال، وسقوطنا في ظلمات صنمية الزعامة والظهور؛ بعد أن بلغ بعضنا مرتبة سامية من العمل الرسالي الطلائعي، وارتقى بعض آخر سنام القيادة الرسالية.

ولكن عدم الصبر على طريق ذات الشوكة، والعجلة إلى الزعامة الفانية، أو الشهرة المنقطعة تَحُول بيننا وبين ما يبقى ويدوم من الجزاء الأحسن من جنةِ عدنٍ، والرضوان الإلهي في الآخرة الذي خصه الله سبحانه وتعالى للصابرين على طريق ذات الشوكة؛ زيادة على حياة العز والكرامة من الحياة الطيبة في الدنيا. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.

إن عدم إقامة وحدة إنسانية إلا تحت مظلة التقوى، وحبل الله، لا يتنافى مع ضرورة التعايش الإنساني مع ما في الكون، فضلاً عن التعايش البيني فيما بين الناس بعضهم مع بعض، والذي لا يتحقق إلا بتكوين وتشييد علاقات إنسانية طيبة وحميمية مع الكل بما فيهم المختلف المتناقض؛ فعدم إقامة وحدة إنسانية إلا تحت مظلة التقوى، وحبل الله، لا يتنافى وفعل الخيرات والبر والإحسان أيضاً مع كل مختلف معنا ولكن لا يمارس العدوان علينا، ولا على قيمنا، وهكذا إن عدم إقامة وحدة إنسانية إلا تحت مظلة التقوى، وحبل الله، لا يتنافى مع إقامة علاقات سياسية واقتصادية وأمنية، بل وعقد المعاهدات للدفاع المشترك. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

إن عدم الشرعية للوحدة الإنسانية إلا تحت قيمة التقوى لا يعني جواز العدوان على الآخر المختلف في العقيدة وإن كان ممَّنْ يقوم بصد المؤمنين عن ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم؛ بل لا يجوز التعاون على العدوان عليه؛ كما أن المعيار الشرعي للوحدة لا يتنافى والتعاون مع كل الناس مهما اختلفت مشاربهم ومعتقداتهم في كل مجالات الحياة بشرط أن تكون على أساس الخير والفضيلة، وليس على أساس الرذيلة أو العدوان. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

إن معيار الوحدة لا يتنافى ولا ينفي الحرية ووجوب أداء الحقوق للمختلف مهما كانت عقيدته. عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي (عليه السلام)في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد ... فصعد المنبر فجلس (عليه السلام) عليه متمكنا، ... ثم قال: يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني،... أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صَدَق عليٌّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صَدَق عليٌّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صَدَق عليٌّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهاراً فهل فيكم أحدٌ يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان، وبما يكون، وما هو كائن، إلى يوم القيامة؛ وهي هذه الآية ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

ولذلك كان (عليه السلام) يرى أن لأعراض أهل الكتاب وأموالهم حرمة مثل ما يراه لأعراض المسلمين وأموالهم؛ فقد قال (عليه السلام)- بعد ما أغارت خيل معاوية على الأنبار، واعتدوا على أعراض، وحرمة نساء المسلمين، ونساء أهل الذمة - : ﴿ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها؛ ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين؛ ما نال رجلاً منهم كَلِم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً؛ ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً.

وقال (عليه السلام) في كتاب أرسله إلى عماله على الخراج: ﴿ولا تمسَّنَّ مالَ أحدٍ من الناس: مصلٍّ ولا معاهد.

وفي حديثٍ أنه مرَّ شيخٌ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ﴿ما هذا؟﴾ - ولم يقل الإمام (عليه السلام) مَنْ هذا مسلم أو غير مسلم؟ - قالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني. فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام): ﴿استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال.

بل بلغ احترام كرامة الإنسان وحريته في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الإسلام جعل للذمي ولغيره الحق إلى حدٍ يسمح له أن يخاصم إمام المسلمين؛ ويكون هو وإمام المسلمين أمام القضاء سواسية، ويطالبه بالبينة لدعواه، كما اتفق ذلك في قصة درع أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومخاصمته في عصر خلافته مع رجل من اليهود عند شريح القاضي.

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أسس حكومته على أساس الكرامة والعدل والحرية والأمن والمحبة لكل الرعية، والمساواة بينهم. وهذا هو أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر الولاة ويوصيهم بحقوق الرعية والمساواة بينهم حتى في اللحظة والنظرة، وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع من دون فرق بين معتقداتهم بين أن يكونوا مسلمين أو كتابيين أو غيرهم. يقول الإمام (عليه السلام) في عهده إلى محمد بن أبي بكر: ﴿فاخفض لهم جناحك، وألِنْ لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآسِ بينهم في اللحظة والنظرة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالى يُسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم، والكبيرة والظاهرة والمستورة.

لأن المشاعر والروابط الإنسانية في منهج وفكر الإمام علي (عليه السلام) من أهم الروابط التي يجب الاهتمام بها وحفظها ورعايتها بين البشرية في جميع الأمور والأحوال ومن دون فرق بين الرعية من مسلمين أو غيرهم؛ احتراماً وإكراماً لإنسانية الإنسان من دون دخل لعقيدته أو ديانته؛ وإنما لدخالة إنسانيته فقط. يقول الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر: ﴿وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً؛ تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه؛ فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله؛ فإنه لا يَدَ لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تُسْرِعَنَّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر؛ آمُرُ فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير.

وفي سنن أبي داود، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ألا من ظَلَمَ معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة.

إنه منطق الشريعة الإسلامية التي ترى أن للإنسان - من دون النظر إلى عقيدته - كرامة العيش، والحقوق في جميع مجالات الحياة وأبعادها السياسية والاقتصادية والمهنية والعلمية و... وله حق الحرية الفكرية والشخصية ما لم يتجاوز على حقوق غيره؛ ولذلك عاش جميع أهل الممل والنحل من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم في ظل الحكومات الإسلامية من كرامة العيش والحرية والحرمة والكرامة الإنسانية.

إن الفكر الإسلامي الأصيل ليس فكراً استئصالياً، بل ولا إقصائياً كما يتوهمه بعض الجهلة الذين لا يفقهون من الدين إلا التمتع بسفك الدماء التي حرمها الله، واستعداء البشرية للإسلام؛ وكأن الإسلام والرحمة الإلهية ممتنعة على غير شلتهم المتشرذمة؛ أما باقي الناس بمَنْ فيهم الفرق الإسلامية فضلاً عن غير المسلمين لا يستحقون إلا الإقصاء، بل والاستئصال. ولقد أصَّلَ أمير المؤمنين (عليه السلام) للعلاقة بين المؤمنين فيما بينهم، وكذلك مع غيرهم؛ لكي لا يجد الاستئصاليون والإقصائيون منفذاً للاستئصال، أو الإقصاء، ولكي تكون كل حججهم واهية داحضة. يقول الإمام (عليه السلام): ﴿الناس صنفان إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق" ويقول (عليه السلام): " أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صَدَق عليٌّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صَدَق عليٌّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صَدَق عليٌّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهاراً؛ فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ".


(*) تاريخ النشر 10 / 2 / 2010م - 3:16 م

(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ)
( |  ~ {قرووب البصيرة الرسالية) .. (للأخبار الرسالية والمواضيع الهادفة} ~ | )
(ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )
* لتصفح مدونة البصيرة الرسالية وقراءة المواضيع الجديدة والقديمة:
http://www.wlidk.net/upfiles/hj069301.gif 
أو عبر (PickerQrCode)
 
http://chart.googleapis.com/chart?cht=qr&chs=100x100&choe=UTF-8&chld=H|0&chl=http://goo.gl/hu7cX

 * للانضمام لصفحة قروب البصيرة الرسالية على الفيس بوك لمتابعة جديدنا:

 
 
 
* ليصلكم ما ننشره بالبريد الإلكتروني اشتركوا في (قروب البصيرة الرسالية):
http://groups.google.com/group/albaseera
 
ثم هذا الرابط التالي:
 
وتأكيد الاشتراك منكم لتعذر الإضافة منا بعد تحديثات قوقل الأخيرة

ملحق ذا فائدة (محدث):
* صفحة آية الله المجاهد الشيخ نمر النمر (حفظه الله) بالفيس بوك:
www.facebook.com/Shaikh.Nemer
 
* صفحة جامع الإمام الحسين (ع) بالعوامية بالفيس بوك:
 
* لمشاهدة فيديوهات آية الله النمر في اليوتيوب :
www.youtube.com/profile?user=nwrass2009
 
* إصدار القبس الرسالي لسماحة الشيخ نمر (يحوي 1902 محاضرة):

خدمة مجموعة العهد الثقافية:
من نشاطات الخدمة :
- نشر مستجدات وآخر محاضرات سماحة آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر آل نمر دام ظله .. ومحاضرات رسالية.
 
- نشاطات ومواضيع رسالية.
 
- أقلام رسالية واعدة.
 
- أمور متفرقة منتخبة.
طرق الاشتراك بالخدمة
* بلاك بيري مسنجر:
PIN:29663D6D
 
*  ببرنامج الوتساب:
00966556207946
 
* على Twitter:

 لا تنسونا من صالح دعائكم
وإفادة الآخرين مما يصلكم منا
مع تحيات: البصيرة الرسالية
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق